الجيش السوري يصنع إعجازاً عسكرياً.. ماذا بعد؟
محمد كحيلة
يختلف المشهد الميداني السوري الحالي عما كان عليه في سنوات الأزمة السابقة، فلم نعد نسمع بعبارة "إعادة تموضع القوات” وهيي بالحقيقة الانسحاب العسكري التكتيكي لتخفيف الخسائر والحفاظ على أرواح الجنود، ربما تحول المشهد بشكل جذري لنرى الجيش السوري يعيد تموضع الجماعات الإرهابية ويسحقها وفي أحسن الأحول يرحلهم إلى محافظة إدلب.
يُقبل الجيش السوري على تحقيق أهم الإنجازات الميدانية على مستوى الحرب الكونية التي تصدى لها خلال الـ 8 سنوات السابقة، فباستكمال العملية العسكرية في جنوب العاصمة وترحيل من تبقى من إرهابيي ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي يكون الجيش السوري قد طهر بشكل شبه كامل المناطق الاستراتيجية وقتل (حصان طروادة) للجماعات الإرهابية والدول المعادية الداعمة لهم في عمق الجغرافية السورية ومحيط العاصمة السياسية، إذ أنه في الأيام القادمة ستتلون الخريطة الميدانية من اللاذقية غرباً إلى دير الزور شرقاً وحلب شمالاً وصولاً إلى دمشق وريفها جنوباً ومروراً بحمص وطرطوس بألوان العلم السوري فقط بدون أي شوائب أو ألواناً أخرى.
الملفت بالأمر أن الجيش السوري كان يسيطر على أقل من 20 % من مساحة سوريا في المرحلة الكارثية مابين منتصف العام 2013 وأواخر العام 2015، وهنا الإعجاز العسكري الأول عندما حافظ على قواعد عسكرية ومناطق استراتيجية على امتداد الجغرافية السورية، وكان الإعجاز الثاني باستخدام هذه القواعد كمنطلق لعمليات عسكرية كبيرة أدت إلى تحرير معظم الأراضي السورية، علماً أن الجيش السوري يسيطر حالياً على أكثر من 75% من مساحة الجمهورية العربية السورية.
التحول الاستراتيجي الكبير بدأ عندما سيطر الجيش السوري وحلفائه على البادية السورية في صيف العام 2017 وضرب الهكيلية الإساسية لتنظيم (داعش) وحرر مدينة تدمر والحقول النفطية المحيطة بها وفك حصار دير الزور وتمدد جنوباً إلى البوكمال مروراً بالميادين، وكذلك تحرير مثلث أرياف حلب وحماه وإدلب، وليكون لتحرير الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي طابعاً أكثر أهمية من سابقاتها لما كانت تحويه من ثقل عسكري للجماعات الإرهابية على مستوى تسليحها وعدتها وعددها بل وتنظيمها الدفاعي والهجومي الرفيع المستوى، وسينتهي هذا التحول عند تحرير كامل محيط العاصمة وريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي كما أشرنا سابقاً.
العمليات العسكرية للجيش السوري أصبحت أكثر تنظيماً وثقلاً بعد انتهاء مرحلة الدفاع والانتقال إلى مرحلة الهجوم كما زاد من زخمها امتلاكه لأسلحة حديثة وتفريغ الأسلحة التقليدية والجنود من الجبهات الدفاعية وزجها في الجبهات الهجومية – هنا نتكلم على مستوى الفرق العسكرية – بالإضافة إلى الخبرات العسكرية الاستثنائية التي اكتسبها الجيش السوري بالمجمل.
ماذا بعد جنوب دمشق وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي؟
أيام قليلة فقط تفصلنا عن استكمال الجيش السوري لفرض سيطرته على مناطق جنوب دمشق وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي ما يطرح السؤال البديهي ماذا بعد ذلك؟ يبدو أن العمليات الهندسية الدفاعية التي باشرت بها التنظيمات الإرهابية في ريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الشمالي الغربي وأيضاً ريف حلب الغربي مؤشراً كبيراً على تخوف التنظيمات الإرهابية من مباغتة الجيش السوري لهم بعملية عسكرية موسعة على غرار العملية الكبرى في أواخر العام 2017 ومطلع العام 2018 التي قسمت ظهر الإرهابيين وقضت بتحرير أكثر من 1200 كلم² بمثلث أرياف إدلب وحلب وحماة بالإضافة إلى تحييد أكثر من 900 إرهابي.
مازال تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي أو ما يعرف بـ (هيئة تحرير الشام) يسيطر على ثلثي مناطق انتشار الجماعات المسلحة في محافظة إدلب من ضمنها مركز المدينة وأجزاء من ريفي حماة الشمالي وحلب الغربي ومن غير المستغرب بدء الجيش السوري بعملية موسعة على مناطق انتشار (جبهة النصرة) ومن يساندها كتنظيم (الحزب الإسلامي التركستاني) ومجموعات الشيشان وغيرهم من الإرهابيين.
كما أن الجنوب السوري (ريف القنيطرة و ريف درعا) يعتبر من أخطر المناطق التي يتواجد بها تنظيما (جبهة النصرة) و(داعش) الإرهابيان وقد يعمل الجيش السوري على تحريره في المستقبل القريب للقضاء على الخطر الإرهابي به، ولكن الجنوب السوري يأخذ منحى مغاير فقد كثرت الأحاديث عن مفاوضات موسعة جرت بين الدولة السورية وممثلين عن المجتمع المدني في مناطق كثيرة من الجنوب السوري، بالإضافة إلى تصعيد الجماعات المسلحة بتشكيلهم لمجلس عسكري موحد تحت مسمى ( تحالف بركان الحارة) للتصدي لأي تقدم للجيش السوري على المنطقة.
إذاً الاحتمالات مفتوحة للجيش السوري في شمال غرب سوريا وأقصى جنوب البلاد والجيب الإرهابي المحاصر في البادية فقد تشهد إعلان حملات موسعة في قادم الأيام، ولكن هذه المرة لايوجد "حصان طروادة” بالعمق الاستراتيجي للجغرافية السورية، فظهر الجيش السوري مؤمن بالكامل.