kayhan.ir

رمز الخبر: 75566
تأريخ النشر : 2018May09 - 20:39

هكذا يُجهز بولتون على الاتفاق النووي


علي مراد

بالتزامن مع إيحاء ترامب بأنه بصدد الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 12 أيار الجاري، تبرز إلى المشهد السياسي الإقليمي بعض الأحداث التي ترتبط بالتوجّه الأمريكي التصعيدي في وجه الجمهورية الاسلامية وحلفائها. من المنطقي الاعتبار أن خطوات تتخذها كل من السعودية والكيان الاسرائيلي وبعض التوابع، متّصلة بقرار ترامب والمسار الأمريكي الضاغط على طهران لتوافق على اتفاق جديد يشمل برنامجها للصواريخ الباليستية وتفتيش مواقعها العسكرية.

لم يمرّ على دخول جون بولتون الى البيت الأبيض شهر من الزمن، حتى تبدّت لمساته في قرارات ترامب وتصرفات حلفائه في منطقتنا. في 28 آب الماضي نشر بولتون مقالاً في موقع "ناشيونال ريفيو" شرح فيه خطته للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران (1). يقول بولتون في بداية مقاله انه كان قد أعدّ هذه الخطة بناء على طلب "ستيف بانون" كبير استراتيجيي البيت الأبيض حينها ليعرضها على ترامب. نشر بولتون حينها الخطة بعد أن أصابه الإحباط مع رحيل بانون عن البيت الابيض في 18 آب، وقد قال حينها بولتون انه ينشرها لـ "الصالح العام".

تتألف خطة بولتون من أربع نقاط هي:

1. مشاورات مبكرة وهادئة مع اللاعبين الرئيسيين مثل المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، الكيان الاسرائيلي والسعودية، لإخبارهم أننا سنلغي الصفقة القائمة على انتهاكات صريحة وغير ذلك من السلوكيات الإيرانية غير المقبولة، ونطلب مساهماتهم.

2. الإعداد لحالة استراتيجية موثقة للانسحاب، من خلال ورقة بيضاء مفصّلة (بما في ذلك رفع السرية عن معلومات استخبارية حسب الاقتضاء) توضح السبب الذي يجعل الصفقة ضارة بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة وكيف انتهكتها إيران.

3. إطلاق حملة دبلوماسية موسعة فوراً بعد الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط، ويجب أن نضمن التأكيد المستمر على التهديد الإيراني بالنسبة للأولوية الدبلوماسية والاستراتيجية العليا.

4. تطوير وتنفيذ جهود الكونغرس والدبلوماسية العامة لبناء الدعم المحلي والأجنبي.

في البند الأول، من الواضح أن ترامب بدأ هذه المشاورات بشكل مبكر من العام الماضي، ولكن اللاعبين الذين يصفهم بولتون بالرئيسيين ليسوا على رأي واحد حول مصير الاتفاق النووي. فالبريطانيون والفرنسيون والألمان أعلنوا صراحة معارضتهم الانسحاب منه، بينما يذهب كل من الكيان الصهيوني والسعودية إلى تشجيع ترامب على الانسحاب. المساهمات التي يطلبها بولتون من هؤلاء الشركاء تختلف حكماً، إذ يتّضح أن المطلوب من الاوروبيين - بعد إبلاغهم بأن واشنطن عازمة على الانسحاب - هو أن يساهموا عبر الضغط على ايران لتقبل بإعادة التفاوض وطرح اتفاق جديد موسّع، بينما تتركّز مساهمات كلٍ من "تل أبيب" والرياض في إطار الضغط السياسي والبروباغندا التي تصبّ في مصلحة الانسحاب من الاتفاق وتبرير الخطوة إعلامياً ونفسياً.

تساهم السعودية منذ أشهر عبر تركيز هجومها الإعلامي - بالشراكة مع الصهاينة - على برنامج إيران للصواريخ الباليستية (2)، فقد شحنت بقايا صواريخ بركات 2H اليمنية إلى نيويورك نهاية العام الماضي وأقامت متحفاً لعرضها ودعت مندوبي الدول في الأمم المتحدة لزيارتها، بالتزامن مع حملة إعلامية في قنواتها وصحفها لتخويف الاوروبيين من الصواريخ الباليستية الإيرانية التي ادّعى إعلام السعودية أن باستطاعتها ضرب عواصم أوروبية إذا ما ضُربت من سوريا (3).

أما عن البند الثاني الذي يتحدث فيه بولتون عن "رفع السرية عن معلومات استخباراتية حسب الاقتضاء" فيبدو أن الأمر تولّاه نتنياهو شخصياً. العرض المسرحي الذي قام به رئيس حكومة العدو مساء الاثنين الماضي ربما يندرج في إطار تبادل الأدوار بين ترامب ونتنياهو وهذا ما ذهب إليه مراقبون كثر كون نتنياهو اختار القيام بعرضه قبل تاريخ 12 أيار بأيام وليس قبل ذلك بحين، وأيضاً مسارعة إدارة ترامب بالترحيب والتأكيد على صحة ما جاء بعرض نتنياهو على لسان ناطقة البيت الأبيض سارة ساندرز ووزير الخارجية الجديد مايكل بومبيو.

وفي البند الثالث يتحدث بولتون عن إطلاق حملة دبلوماسية موسعة "يُضمَن فيها التأكيد المستمر على التهديد الإيراني بالنسبة للأولوية الدبلوماسية والاستراتيجية العليا"، ويحدّد ساحتي هذه الحملة في أوروبا والشرق الأوسط. يوم الثلاثاء الماضي أعلن المغرب قطع علاقاته مع طهران بحجة دعم حزب الله لجبهة "البوليساريو"، وعقب هذا الإعلان شرع من يُسمَّون بـ "النخبة السعوديين" حملة لا تزال مستمرّة على الجزائر، من باب استمرارها بالتغريد خارج "الصف العربي" الذي تقوده السعودية وإصرارها على الحفاظ على علاقة جيدة مع إيران. ويبدو أن هذه الحملة ستكون على شاكلة الحملة التي أعقبت إجبار السعودية بعض الدول العربية على سحب سفرائها من طهران بعد إعدام الشيخ نمر النمر بداية عام 2016 مع بعض الإضافات.

وبخصوص البند الرابع الذي يسمّيه بولتون "تطوير جهود الكونغرس والدبلوماسية العامة لبناء الدعم المحلي والأجنبي" فهو يقصد تشديد العقوبات على إيران التي دأب المشرّعون الامريكيون على إقرارها، فأمام مجلس النواب حالياً أكثر من مشروع قانون جديد يشدّد العقوبات الاقتصادية على طهران ويشهر العصا بوجه الجهات الدولية التي تسعى لإقامة علاقات تجارية مع الجمهورية الاسلامية.

يضيف مستشار الأمن القومي الأمريكي بعض الخطوات التي يرى أنها مكمّلة للبنود الأربعة، فهو يطرح نوعاً جديداً من العقوبات التنفيذية على طهران ومن يتعامل معها عندما يطرح "وضع حد لجميع حقوق الهبوط والإرساء لجميع الطائرات والسفن الإيرانية في الموانئ الرئيسية لحلفاء واشنطن". في قرار ترامب الذي يمنع بموجبه دخول مواطني سبع دول إسلامية الى الولايات المتحدة، كانت إيران على رأس اللائحة، لكن قراره التنفيذي لم ينفَّذ بسبب العرقلات القضائية، لكن بولتون لديه حل هو "إنهاء جميع تأشيرات الدخول لكل الإيرانيين، بما في ذلك العلماء أو الطلاب أو الرياضيين".

يضيف بولتون أن على إيران "طلب دفع إيران المبالغ المتوجبة عليها وفق مدد زمنية محددة بناء على الغرامات التي تقرّها المحاكم الاتحادية الامريكية ضد إيران بتهم الإرهاب، بما في ذلك 11 سبتمبر"، وهذا ما يتزامن اليوم مع إصدار قاضٍ فيدرالي أميركي حكماً يطالب إيران بدفع مبلغ 6 مليارات دولار لعائلات ضحايا 11 أيلول، الذين كانوا قد رفعوا قضية على طهران بعد إقرار قانون جاستا بحجة "إيواء الجمهورية الاسلامية لبعض مخططي الهجمات من تنظيم القاعدة" وفق زعمهم. طبعاً في خطة بولتون التي على ما يبدو يتم تنفيذها بشكل متسلسل توصيات بإعلان الدعم العلني لتيارات المعارضة الإيرانية على كافة المستويات (سياسياً ومالياً وإعلامياً).

كل ما يحصل اليوم قد ينجح الامريكيون في تنفيذه، ولكن يبقى التساؤل هو عن ردّة فعل الجمهورية الإسلامية، التي يقول دبلوماسيون لوكالة رويترز أنها تملك في جعبتها خيارات قوية للرد على ترامب ومنها "معاقبة حلفاء أميركا في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان" (4)، على أن السعودية التي تبدو متحمّسة للخوض مع ترامب ونتنياهو في سيناريو المواجهة مع إيران، تبدو أقلّ المعادين القادرين على تحمّل التبعات – في حال اتجهت الأمور نحو التصعيد والانفجار.