السعودية في زمن الخصخصة: الطبقة الوسطى رهينة "القطط السمان"
علي جواد الأمين
تتجه السعودية إلى إقرار الخصخصة كنتيجة حتمية لانكماش دولة الرفاه وخفض الإنفاق الحكومي. إلا أن التسرع في إطلاق المشروع، من المرجّح أن يشكل انعطافاً خطيراً لمشروع التحول من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد خلق الثروة، وتؤثر برامجه على الطبقة الوسطى وشريحة كبيرة من الموظفين الحكوميين
تبدو الخصخصة مخاطرة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها السعودية. ولي العهد محمد بن سلمان يعوّل عليها كمصدر دخل جديد للحكومة بديلاً من النفط. وهو يروّج لها كمشروع سحري لسدّ عجز الموازنة وتخفيف نسبة البطالة، والحدّ من هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وجذب الأجنبية منها... وغيرها الكثير من الآفات الاقتصادية التي بدأت تعاني منها المملكة مع انطلاق «رؤية 2030». في هذه الأيام، تحتفل الصحافة السعودية بحلّ هذه «الآفات» من خلال خصخصة الطاقة والمطارات والمطاحن والإعلام والأغذية والأندية الرياضية، بالإضافة إلى التعليم والشؤون البلدية والقروية والصحة والعمل والنقل والمواصلات.
ثمة تناقضات في طموحات ابن سلمان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تجعله يتجه في طريق البيروقراطية، في ظل تركيز السلطات في يده، وتشديد قبضة حكمه وإثارة صراعات داخلية. جميعها عوامل من شأنها تقليص فرص نجاح الخصخصة. تبدأ أولاً بضعف الشفافية، إذ تحتل المملكة المركز الـ57 في «مؤشر مدركات الفساد» الذي تصدره «منظمة الشفافية الدولية»، وثانياً غياب الرقابة الفعالة، في ظل إلغاء «هيئة الرقابة والتحقيق» و«الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» و«ديوان المراقبة العامة»، وحصر الرقابة في «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» التي يرأسها ابن سلمان مباشرة. وهي اللجنة التي كانت أولى نتائجها «محاكمات الريتز» لمئات التجار والأمراء، في إطار ما سُمّي «حملة مكافحة الفساد» الأكبر في تاريخ المملكة. حملة أدت إلى غياب عامل ثالث، هو المناخ الاستثماري الملائم الذي يقصد به مجموعة القوانين والسياسات التي تؤثر في ثقة المستثمر، بسبب ارتباط القطاعات الإنتاجية بالسياسة العليا للدولة. وهو ما أدى، رابعاً، إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، بحسب ما تشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» أخيراً، إذ ارتفعت تحويلات السعوديين إلى الخارج في خلال شباط/ فبراير الماضي بنسبة 52 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017، ما يشي بأن هدف الحكومة في جذب استثمارات تتراوح بين 24 مليار ريال إلى 28 ملياراً، في مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص، على طريق وعر.
مصدر دخل جديد
تعتبر الخصخصة مصدر دخل جديد لابن سلمان، في ظل تضاعف ديون المملكة نحو عشر مرات في عامين ونصف عام. فالدافع وراء المشروع هو سدّ العجز في الموازنات العامة، لا سيما للعام الحالي، المتوقع بحسب أرقام رسمية أن يصل إلى 52 مليار دولار، وربما أكثر (فاق عجز الميزانية في عام 2017 المستوى المتوقع بـ8 مليارات دولار)، في حين أرجأت الحكومة العام المستهدف للقضاء على عجز الموازنة إلى عام 2023 بدلاً من 2020.
تقرير صندوق النقد الدولي يكشف في آخر بياناته أن العجز المالي في السعودية في نموّ، على الرغم من رفع الحكومة الدعم عن الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة، وربما يعود ذلك إلى الإنفاق الكبير. ففي موازنة العام الحالي، وُضعت أكبر خطة إنفاق في تاريخ البلاد (20% الإنفاق العسكري)، لكنها تعتمد في جزء كبير منها على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إذ تسعى إلى رفع المستويات الحالية المقدرة بحوالى 40% إلى 65% بحلول عام 2030، ضمن مخطط يهدف إلى جمع نحو 200 مليار دولار من خلال الخصخصة في السنوات المقبلة، بحسب ما يعلن المسؤولون السعوديون. هو اتجاه إلى تغيير تركيبة الاقتصاد من خلال الخصخصة أولاً، والسماح للمؤسسات الأجنبية بتداول أسهم الشركات السعودية المتداولة في السوق المالي «تداول» ثانياً، ما يشي ببزوغ عصر جديد من الاقتصاد السعودي يسمح للأقلية الثرية، أو ما بات يصطلح على تسميتهم «القطط السمان»، بالاستحواذ على مشاريع القطاع العام، ما يعزز تآكل الطبقة الوسطى في دولة تتصدر دول العالم بعدد المليارديرات. وعندما سئل ابن سلمان عن مدى إمكانية تحاشي سيطرة هؤلاء على القطاعات، كانت الإجابة بأن الاكتتابات ستكون للمواطنين مباشرة، مناقضاً ما يقوله عن أنه يريد استقطاب مستثمرين أجانب، عدا عن أن الاكتتاب، بحسب التجارب، لا يمنع المستثمرين الكبار الذين يمكنهم شراء الكثير من الأسهم من أن يتحكموا في عملية اتخاذ القرارات داخل الشركة، بل فقط يسمح للمُساهمين بتملّك جزء صغير جداً من أسهم الشركة، لتحقيق جزء من أرباح الكبار لا أكثر.
حقوق العمال في مهب الريح
بحسب الوثيقة التي نشرتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية، الثلاثاء الماضي، تهدف الحكومة من خلال الخصخصة إلى خفض نسبة البطالة عبر خلق 12 ألف وظيفة، لكن في ظل غياب قوانين تحمي العمال وغياب الرقابة، من المرجّح أن تستمر نسبة البطالة في الارتفاع، على الرغم من أن رؤية ابن سلمان للإصلاح الاقتصادي تستهدف تقليص معدل البطالة إلى 7 في المئة بحلول عام 2030.
حقوق العمال تُعدّ شكوى ملازمة للخصخصة، حتى في الدول التي تضمن في قوانينها حقوق العمال، فكيف بالسعودية حيث ثلثا العمال موظفون لدى الحكومة، في ظل وعود تذهب أدراج الرياح، كالإعلان عن أن الأموال المستردة، من حملة مكافحة الفساد، سوف تُستخدم في تمويل الموظفين في الدولة، أو أن هذه الأموال ستُستخدم للإسكان.
من جانب آخر، يتخوف الحقوقيون والاقتصاديون من تداعيات قصور تشريعات العمل المتعلقة بحماية العمال، إذ تنص المادة 77 من نظام العمل، التي أثارت الجدل مرات عدة في مجلس الشورى، ولا تزال، على أن صاحب العمل له الحق في طرد الموظف إذا رأى عدم جدواه أو إهماله. وبذلك يكون الموظف السعودي غير محمي في القطاع الخاص، وبالتالي في المنشآت المراد تخصيصها، فيما يسعى مجلس الشورى، بحسب ما ذكرت صحيفة «عكاظ»، الإثنين الماضي، إلى إدخال تعديلات تشمل تعويضاً مادياً لطرفي العلاقة التعاقدية «صاحب العمل والعامل»، ما يعني أنه ليس هناك ما يلزم الشركات المالكة بالحفاظ على حقوق العمال، حتى مع التعديل الجديد إن أُقرّ، سوى التعويضات في حال «تضمن العقد تعويضاً محدداً مقابل إنهائه من أحد الطرفين لسبب غير مشروع»، بحسب قانون العمل.
تحضر المخاوف وتغيب الثقة؛ ففي المدارس، مثلاً، تمنح الحكومة إدارة المدارس المستقلة صلاحية استبدال 35 في المئة من معلمي المدرسة التي يتم تحويلها إلى مستقلة، بحسب ما نقلت صحيفة «الوطن» السعودية ، ما يجعل مصير هؤلاء في أيدي المستثمرين.