انفراج مع كوريا أم انفجار مع إيران؟
ناصر قنديل
– تبدو جولة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في المنطقة بالنسبة لحكام الخليج علامة التزام أميركي بالتصعيد مع إيران، لكنها تبدو في عيون الإسرائيليين التزاماً بتأدية المسؤولية الأميركية بحماية «إسرائيل» وتأكيد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وعدم تحول إيران لامتلاك سلاح نووي، والتدقيق في كلمات بومبيو يبدو مدخلاً لفهم أكثر وضوحاً، بالالتزام بما هو دون المواجهة مع إيران عسكرياً، ودون السير بإلغاء الاتفاق النووي معها، والاكتفاء بالتزامين واضحين للحلفاء: واحد تعلن إيران سلفاً التزاماً طوعياً به، وهو عدم امتلاكها سلاحاً نووياً، والثاني لا يُعرض على الحلفاء بقوة إلا عندما يكون ثمة مشاريع لتفاهمات تشكل مصدر ريبة لهؤلاء الحلفاء، ومضمونه لن نتخلى عنكم ونتعهّد بتوفير أمنكم وحمايتكم .
– ما يمنح كلام بومبيو فرصة المزيد من الوضوح هو كونه المسؤول الأميركي الذي جيء به إلى الخارجية من مسؤولية المخابرات. وهذا يعني أنه يعرف الكثير مما لا يُقال في العلن عن الملفات السرية والحساسة، كما يعني كونه جيء به من المخابرات إلى الخارجية على خلفية الحاجة لقيامه بمتابعة ملف كوريا الشمالية وسلاحها النووي وتداخله استخبارياً مع كل من روسيا والصين. وهو العائد من كوريا الشمالية قبل أن تبدأ إشارات الانفراج تتالى في الملف النووي الكوري. فبومبيو يعلم الكثير عن التفاهمات التي تمت بين واشنطن وموسكو وبكين وأنتجت هذا الانفراج الكبير في ملف السلاح النووي لكوريا الشمالية.
– أن تحصل واشنطن على مخرج مشرّف لمأزقها مع السلاح النووي لكوريا الشمالية يستدعي أن تكون موسكو وبكين قد حصلتا على ما يوازي ذلك، إضافة للضمانات التي طلبتها كوريا الشمالية وحصلت عليها. وأولها كان ما أعلن من القمة التي جمعت قادة شطري كوريا، لجهة إخلائها من الأسلحة النووية، والمقصود طبعاً، السلاح الكوري الشمالي ومقابله السلاح الأميركي في كوريا الجنوبية. والسؤال الطبيعي هو هل يحتمل الوضع الدولي والعلاقات الأميركية بكل من روسيا والصين، تعايشاً بين انفراج في الملف الكوري وانفجار في الملف الإيراني؟
– الأكيد أن العجز الأميركي عن حل عسكري للملف الكوري الشمالي النووي خشية الدخول في مواجهة نووية مدمّرة، كان وراء تحريك هذا الملف بوجه واشنطن بدعم روسي وصيني، والأكيد أن المخرج التفاوضي المرتقب ليس ما ترغبه واشنطن، طالما يحقق لروسيا والصين المزيد من الأمان والنفوذ في منطقة شرق آسيا، ويرتب على أميركا المزيد من التنازلات العسكرية والاقتصادية، ويدخل كوريا الشمالية حليف روسيا والصين إلى المجتمع الدولي، محققاً مقولة أن من يصمد بوجه الضغوط الأميركية يمكنه بلوغ أهدافه من بوابة الصبر والصمود، لكن الأكيد أن مطلب روسيا والصين كان قبل ظهور مفاجئ للملف الكوري قبولاً أميركياً بتثبيت التفاهم النووي مع إيران.
– رغم الخطاب التصعيدي لواشنطن، وما يرافقه من مواقف وخطوات في الميدان في سورية، فإن الوجهة الرئيسية للحراك الدولي يحكمها ما يبدو أنه تفاهمات كبيرة قيد التبلور تأسيساً على الحاجة الأميركية للتفاهم حول الملف الكوري، والنجاح الروسي الصيني بإثبات عقم سياسة العقوبات، من بوابة هذا الملف. وهذا سياق يحتاج لزمن أطول حتى يتبلور في سائر الملفات، لكن صيغة العدوان الذي قادته واشنطن على سوريةن وما قاله فيه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من انضباط بالخطوط الحمراء الروسية يقول أشياء كثيرة.