استراتيجية أمريكية لاستهداف منفرد للمقاومة
ايهاب شوقي
تكشف الأحداث دوماً أن بؤرة الاهتمام الاستراتيجية الدولية هي المقاومة لا المهادنة، وأن العمالة لا تشكل سوى بدائل تكتيكية في إطار الاستراتيجيات الاستعمارية. كمثال بسيط قبل الدخول إلى ما نريد قوله عن الخطوة الأمريكية المتوقعة القادمة في الإقليم، يجدر إلقاء الضوء على زيارة وزير الخارجية الأمريكي الجديد للرياض.
فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن صبر واشنطن قد نفد في ما يخص النزاع بين قطر والدول الخليجية الأخرى، وأن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سيبلغ القادة السعوديين برسالة بسيطة مفادها نصا: "لقد طفح الكيل فتوقفوا".
واستعرضت الصحيفة فشل مساعي وزير الخارجية السابق المقال، ريكس تيلرسون، لحل النزاع مع قطر، الذي تشارك فيه السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وقالت أن المتابعين لديناميكيات السلطة في واشنطن، يعرفون أن تيلرسون كان على علاقة متوترة مع الرئيس ترامب، وبالتالي تجاهلوا تيلرسون، وخاصة لأن ترامب كان يقف إلى جانب السعوديين في الأيام الأولى للنزاع، لكن بومبيو أقرب إلى ترامب، وبالتالي هو شخصية أكثر ملاءمة.
وهذه الزيارة تكشف أن إقالة تيلرسون ليس لها علاقة بانحيازه المزعوم لقطر، وأن ترامب أقاله لهذا السبب وإرضاء للسعودية كما ذهبت تحليلات ساذجة إلى ذلك!
والأسباب الرئيسية لإقالة تيلرسون تعلقت بالملف الكوري الشمالي، حيث كان يتحفظ على مهادنة أمريكا به دون ضمانات كافية، وهو ما يحرج الإدارة الأمريكية والتي اكتشفت أن السير في اتجاه التهديد والتصعيد لن يثمر إلا المزيد من التحدي.
كما حاول ترامب الإيحاء بأن إقالة تيلرسون كانت بسبب الملف النووي الإيراني والذي يبدي به تيلرسون مواقف أقل تشددا من ترامب، وهذا لا يعكس بالضرورة حتمية انسحاب ترامب من الاتفاق بقدر ما يعكس محاولاته لابتزاز المواقف الأوربية وابتزاز السعودية والإمارات والحصول على المزيد من الأموال والتسهيلات.
وإدارة الملف النووي تخضع في أمريكا للجان بحث معمقة تحاول وزن الأمور والتداعيات بموازين غاية في الدقة لخطورة الأمر وتداعياته. قالت "نيويورك تايمز" في نهاية تقريرها أن بومبيو سيعود يوم الإثنين إلى واشنطن لمساعدة ترامب في الإعداد لقمة محفوفة بالمخاطر مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي التقاه بومبيو في رحلة سرية إلى بيونغ يانغ خلال عطلة عيد الفصح.
وهذا هو الملف الأكثر حساسية والذي يتطلب مرحلياً حلاً سريعاً، أما ملفات الشرق الأوسط فهي ممتدة وقابلة لتغير الاستراتيجيات أو تعديلها.
يبدو أن أمريكا عازمة بالفعل على سحب قواتها من سوريا، وتصريحات ترامب المتتالية والمكثفة تقول ذلك، والأهم من تصريحاته، ما تقوله مراكز الدراسات الكبرى الأمريكية، والتي لقولها اعتبار كبير.
قبل استعراض توصيات هذه المراكز يجدر بنا ذكر ما قاله وزير الحرب الأمريكي جيمس ماتيس في مؤتمر صحفي يوم الخميس 26 ابريل الجاري، حيث قال: "الآن نحن لا نسحب القوات الأمريكية من سوريا... سنرى عمليات متزايدة على الجانب العراقي من الحدود وقد عززنا الفرنسيون في سوريا بقوات خاصة هنا في الأسبوعين الماضيين. هذه معركة مستمرة الآن".
ولإضفاء توضيح أكبر على ما قاله ماتيس، تسربت شروحات لمصادر الأمريكية تقول، أنه في الوقت الذي تلتزم فيه واشنطن بمحاربة إرهابيي "داعش"، فإن وجود القوات الأمريكية في سوريا ليس ضروريا ويمكن خوض الحرب من الخارج، مثل خوضها من العراق.
وهذا الأمر يبدو أنه أزعج الصهاينة، مما جعل موقع "ديبكا فايل" الاستخباراتي الصهيوني يقول: "من الواضح أن وزير الحرب الأمريكي اشترى عرض ليبرمان، لكن رد فعله كان مخيباً لإسرائيل"، وذلك حسب تقرير ديبكا العسكري.
ويرى الصهاينة أن ماتيس أخذ بأقصى قدر من الجدية هجوماً محتملاً من إيران أو حزب الله على "إسرائيل" في الأيام القادمة، حيث أمر السفينة هاري إس. ترومان كاريير التي تجوب قبالة سوريا بالبقاء في حالة تأهب لهذا الاحتمال، ويخلص التحليل الصهيوني إلى أنه من الواضح أن إدارة ترامب تعني البقاء في الساحة، لكنها تتمسك بقرار سحب وجود القوات الأمريكية في سوريا، مهما حدث، مع نقل مركز العمليات العسكرية الأمريكية بدلاً من ذلك إلى العراق والبحر الأبيض المتوسط.
وبالنظر إلى توصيات أكبر مراكز الدراسات الأمريكية، فإن جون ألترمان وهيثر أ. كونلي قاما بإعداد دراسة بأهم مركز دراسات أمريكي وهو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، وقد كان ملخص الدراسة الرئيس وتوصياته نصا ونوردها دون تصرف كما يلي:
"إن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ليست هي المنطقة الوحيدة التي أضر فيها غياب استراتيجية أمريكية إقليمية بالمصالح الأمريكية، ولكنه واحد من أهمها. التحديات هناك تصل إلى المصالح الأساسية للولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط. من الضروري للولايات المتحدة أن تقلل من الأنشطة الحالية والمحتملة للخصوم الأمريكيين في المنطقة، روسيا وإيران على وجه الخصوص، لأن أفعالهم تعرض للخطر الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة مثل "إسرائيل" والأردن واليونان. لا تستطيع الولايات المتحدة إنعاش الأوضاع التي أقامتها في فجر الحرب الباردة، ولا ينبغي لها أن تسعى إلى ذلك. بدلاً من ذلك، يجب أن توضح ما هي مصالح الولايات المتحدة على المحك في المنطقة الآن وفي المستقبل. يجب أن يكون واضحًا بشأن مصالحها الدائمة وأولوياتها الملحة - سوريا وتركيا - ويجب عليها استخدام الأدوات المتاحة لها للمشاركة بشكل شامل مع الحلفاء في المنطقة. إن المواءمة الواضحة للأدوات والمصالح هي ما قامت به الولايات المتحدة بشكل كبير في منتصف القرن العشرين. هذا هو ما يجب أن تفعله مرة أخرى بإلحاح في بداية القرن الحادي والعشرين".
يتقاطع هذا مع قرار سحب القوات الأمريكية وتموضعها في العراق والبحر المتوسط لعدم الاحتكاك مع الأتراك والروس والأهم عدم الاحتكاك مع إيران والمقاومة، وأيضا لعدم ترك الساحة.
ولكن هي التوقعات لخطوات أمريكا؟
يبدو أن أمريكا ستلعب على محورين رئيسيين:
الأول: الضغط على الفرنسيين والبريطانيين للتواجد في سوريا كنواة لتحالف دولي مرتبط بأمريكا وضاغط على أوروبا وروسيا تحديدا، وهي تناور بالملف النووي الايراني حتى لا يتم رفض جميع الطلبات الأمريكية بما يؤدي لتوتر وقطيعة، فعلى الأقل لو رفض الفرنسيون الانصياع للخروج من الاتفاق النووي، فلن يرفضوا التواجد في سوريا!
الثاني: استهداف المجموعات المقاتلة والتي تعرف بالرديفة والتي يقول عنها الغرب والخليجيون، "الفصائل الشيعية "، ويبدو أن التمركز الأمريكي الجديد سيكون هدفه الرئيس استهدافها. هذه المجموعات تناولها بتركيز كبير، فيليب سميث، وهو باحث في جامعة ميريلاند، وهو مؤلف مدونة Hizballah Cavalcade ، التي تركز على النزعة العسكرية الإسلامية الشيعية في الشرق الأوسط.
من أبرز مؤلفاته الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية، والتي يحرض فيها على المجموعات المقاتلة والتي يقول انها انعكاس لمجهود جيواستراتيجي وإيديولوجي شديد التنظيم من قبل إيران لحماية حلفائها السوريين وقوتهم في الشرق الأوسط.
يحرض سميث في توصيات دراسته على المجموعات المقاتلة بالقول أن السعي وراء المصالح الإقليمية للولايات المتحدة يجب أن يشمل استهدافًا ليس فقط لـ"داعش" ولكن أيضًا لمن أسماهم "خصومها الشيعة"، حسب تعبيره.
وقد كتب فيليب سميث مؤخرا مقالا جديدا في معهد واشنطن قال فيه إنه وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بالشبكات التابعة لحزب الله اللبناني، يجب أن تلقي النظر بصورة أكثر على ما يبدو أنها جماعات مستقلة أو نمت محلياً على غرار حزب الله في سوريا. وفي الواقع، إن عدداً من هذه الكيانات هي ليست فروعاً أو جماعات مستقلة مرتبطة بحزب الله اللبناني فحسب، بل هي عناصر أساسية منه. ونتيجة لذلك، ينبغي النظر إلى الحوادث المحتملة التي ينخرط فيها أفراد أمريكيون بطريقة أو بأخرى مع جماعات تعمل تحت مظلة "المقاومة الإسلامية في سوريا" أو حزب الله السوري على أنها تعمل كجزء من حزب الله اللبناني.
المعركة ممتدة وإعادة التموضعات قائمة، والتركيز على فصائل المقاومة المتنامية في سوريا والعراق وكذلك اليمن قادم. ومن المفيد أن تتخذ المقاومة في العراق واليمن وسوريا جانب الحذر، وما كان استشهاد الرئيس صالح الصماد إلا جانبا من جوانب الاستهداف الأمريكي للمقاومة بشكل أوسع وعلى جبهات جديدة.