kayhan.ir

رمز الخبر: 73329
تأريخ النشر : 2018March16 - 19:42

المخابرات الاميركية تعترف بفشل سياسة العقوبات ضد روسيا

جورج حداد

في مؤتمر بريتون وودز العالمي في نهاية الحرب العالمية الثانية حصلت اميركا على اعتراف جميع ما كان يسمى حينذاك "دول العالم الحر" بأن يكون الدولار العملة الدولية الرئيسية. وقد طبقت ذلك عمليا دول "المنظومة السوفياتية" السابقة التي لم تستطع ان تطور عملة خاصة بها وأصبح الدولار وسيلتها الرئيسية للعلاقات التجارية والمالية الخارجية. كما فرضت الولايات المتحدة الاميركية "حقها!" في ان تطبع العملة الورقية الدولارية بدون تغطية ذهبية. وبهذه الامتيازات الاستثنائية اصبح الاقتصاد العالمي برمته في قبضة اميركا، التي استخدمت هذا الوضع لفرض هيمنتها الدولية: تعلي من تشاء، وتخفض من تشاء، وتسحق من تشاء، بدون حسيب ولا رقيب. وأخذت تتعامل مع جميع دول العالم كجمهوريات موز لا وزن لاستقلالها وإرادتها القومية.

وبعد انهيار المنظومة السوفياتية السابقة وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، فإن الولايات المتحدة الاميركية، بدلا من ان تمد يد المساعدة الى الشعب الروسي الذي، مع بقية الشعوب السوفياتية الاخرى، "قدم 26 مليون شهيد" ودمرت بلاده شر تدمير لانقاذ العالم من النازية، فإنها – اي اميركا – عاملت الشعب الروسي بكل احتقار وكأن روسيا مستعمرة او شبه مستعمرة كبناما او المملكة العربية السعودية. وحينما جاءت كتلة بوتين الى السلطة في مطلع سنة 2000 فإن العنجهية منعت اميركا من ان ترى ان روسيا بدأت تستعيد عظمتها التاريخية وتعيد بناء عناصر قوتها وسيادتها القومية.

وحينما اندلعت الازمة الاوكرانية في 2014 فإن اميركا نظمت الانقلاب على الشرعية في كييف بالاشتراك مع العصابات الفاشستية الاوكرانية التي حارب اسلافها (الباندريون) مع الهتلريين في الحرب العالمية الثانية، وبدأت حملة مطاردة المواطنين الروس الاوكرانيين وقتلهم بالهراوات في الشوارع. فما كان من روسيا الا ان استعادت من اوكرانيا شبه جزيرة القرم التي هي روسية تاريخيا، ارضا وشعبا.

وبدلا من ان تجلس اميركا الى طاولة المفاوضات مع روسيا للبحث في الازمة الاوكرانية، فإنها عمدت الى فرض سياسة العقوبات الاقتصادية ضد روسيا لاجبارها على الرضوخ للسياسة الاميركية.

فماذا كانت النتيجة بعد اربع سنوات؟

لنترك الوقائع تتكلم:

لقد أعدت وكالة المخابرات الوطنية الاميركية تقريرا عن العقوبات المتخذة ضد روسيا وقدم التقرير مدير الوكالة دانيال كوتس.

وأعلن التقرير بشكل خاص ان "روسيا لا تزال تواصل العمل لتقويض وحدة الغرب في مسائل العقوبات ودعم كييف، وان الكرملين لا يزال قادرا على التكيف مع العقوبات في المستوى الحالي".

ومن المهم جدا الاشارة الى هذا الاعتراف الاميركي حول فشل سياسة العقوبات ضد روسيا ومتابعتها خطها العدائي ضد السلطة الاوكرانية الانقلابية، وأنها بذلك تقوض وحدة الغرب.

ويعترف التقرير ان وحدة الغرب هي هشة، ولهذا هي قابلة للتقويض، وانه لسر مفضوح ان سياسة العقوبات لا تسير على ما يرام.

ومنذ سنة 2015 ادلى العالم السياسي والخبير الاميركي كولين كافل بتصريح صحفي قال فيه: "ان العقوبات هي سيف ذو حدين. وهي ليس فقط لا تستطيع الوصول الى اهدافها، بل ايضا تحد من فعاليات القائمين بها". والابحاث التي اجريت في حزيران 2015 تبين ان العقوبات ضد روسيا خسّرت اوروبا مبالغ تصل الى 100 مليار يورو مما يعادل نموها الاقتصادي للفترة ذاتها، كما انها قضت على 2.5 مليونين ونصف مليون وظيفة عمل.

وهنا يبرز سؤال اساسي: من سيستطيع الاستمرار اكثر؟

وسينتصر ذاك الذي يستطيع ان يتحمل الحرمان لمدة اطول، على ذاك الذي يصاب بالانهاك اكثر.

ويتابع كولين كافل قائلا: "اذا اجرينا مقارنة اقتصادية بين اوروبا الغربية وروسيا، من حيث التحكم بالاستهلاك ورأسمالية الدولة، فمن الواضح ان التاريخ يعطي الافضلية لروسيا، لانها ذات مجتمع اكثر قدرة على تحمل المشاق والحرمان".

وفي 2017 اعلنت الكثير من مراكز الابحاث الغربية ان العقوبات ضد روسيا "لا تفعل فعلها". وللمثال، ففي نهاية شهر تموز 2017، اذاع الراديو الوطني الاجتماعي الاميركي ان العقوبات ضد روسيا اتخذت منحى غير متوقع. وهذا الراديو هو مؤسسة غير ربحية تنقل الاخبار عنها 797 محطة اذاعة اميركية. وبحسب تعبير خبراء هذه المؤسسة "علينا الاعتراف ان العقوبات، المتخذة بشكل أحادي الجانب، لا تفعل فعلها. ومن الضروري ان نساعد حلفاءنا".

وهنا تكمن المشكلة. اذ على الولايات المتحدة الاميركية ان تواجه مسألة دعم "الحلفاء" في سياسة العقوبات. فأوروبا هي مستغرقة تماما في هذا "الصراع". وبالرغم من انها هي نفسها تتحمل خسائر كبيرة، فإن الكثير من الدول الاوروبية تعلن انه آن الاوان للحد من هذه العربدة الانتقائية.

وبالعودة الى تقرير كوتس من الضروري التوقف عند بعض النقاط الرئيسية. اولا، النفخ بروحية "الحرب الباردة" منذ العهد السوفياتي. فرئيس المخابرات الوطنية الاميركية يقول: "ان المخابرات واجهزة الامن الروسية تواصل التغلغل في البنى التحتية الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها، وهي ايضا تواصل مهاجمة الولايات المتحدة والناتو وحلفائهما من اجل الحصول على معلومات عن السياسة الاميركية".

وهو يقول ذلك، ليس فقط بسبب روسيا، بل لاجل ميزانية المخابرات الاميركية.

فبعد خطاب الرئيس بوتين امام المجلس الفيديرالي الروسي والذي ذكر فيه ان روسيا اصبحت تملك صاروخا نوويا يتفوق اضعافا على سرعة الصوت، اقض ذلك مضاجع المسؤولين في البنتاغون فتقدموا فورا بتقرير خلاصته "ونحن ايضا لدينا برامجنا، ولكن اعطونا ميزانية اضافية".

ومن الواضح ان السيد كوتس يعتقد انه الى جانب ميزانية اضافية للصواريخ يمكنه ايضا ان يطالب بميزانية اضافية للحرب ضد "العدوان الالكتروني الروسي". فعلى ما يبدو انه لم يعد يوجد في الكونغرس الاميركي من يهتم بوجود ادلة على هذا "العدوان". فأولئك "الهاكرز والمتلصصون الروس" اصبح لهم "مكان مشترك" في السياسة الاميركية الراهنة.

وهكذا يبدو ان الامر يتعلق بمشاكل السياسة والميزانية الاميركية. اما ما خص العقوبات غير الفعالة ضد روسيا، فلا يبدو ان التقرير الحالي للسيد كوتس يعني العمل لالغائها بوقت قريب. وبالاحرى فإن الحديث يدور حول اصدار حزمة عقوبات جديدة.

ولكن من المهم الملاحظة انه حتى على مستوى المخابرات الاميركية، فإن الخبراء والاداريين اصبحوا يعترفون ان سياسة العقوبات ضد روسيا "لا تفعل"، وأن "تأثيرها تافه"، وهذا بحد ذاته ليس شيئا قليلا.

وهذا يعني انه، بهذا الشكل او ذاك، فإن الامور سائرة كما يجب في روسيا، ليس فقط بالصواريخ النووية العابرة للقارات وذات السرعة الفائقة، بل كذلك من وجهة نظر الامن الاقتصادي العالمي.