فاطمة الزهراء(ع)..رائدة حركة الرفض السياسي
* جميل ظاهري
بدأت سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) هذا الصرح وحركة الرفض السياسي ضد الظلم والتحريف والتزوير في تاريخ الدين الاسلامي الحنيف، حياتها السياسية منذ نعومة أظافرها بعد أن آمنت بالله عزوجل ورسوله (ص)، لذا لا نجد في حياتها (ع) انها عاشت طفولة الأطفال أو حملت فرصة للعب واللهو.. فقد فتحت عينيها على الحياة، وإذا بأبيها رسول الله (ص) يأتي بين وقت وآخر، مثقلا بكل ما يلقيه عليه المشركون في مكة من ضغوط ومن أعباء ومن مشاكل، وحتى من الأقذار التي كانت تلقى على ظهره وهو يصلي.. كانت الطفلة التي لا يتجاوز عمرها السنتين أو الثلاث أو الأربع، كانت تتحسَّس أن آلامه آلامها، فتختزن في طفولتها آلام الرسالة وآلام الرسول (ص) طيلة حياتها المباركة حتى بعد فراقها لوالدها سيد البشرية.
عاشت مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) حياةً قصيرةً في سني العمر لم تتجاوز ال18 عاماً عانت خلالها ما عاناه المسلمون منذ "شعب أبي طالب" وحتى هجرتها الى يثرب ومؤازرتها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرته وجهاده وحتى وقوفها عليها السلام مع وصيه أمير المؤمنين الامام على عليه السلام بعد رحلة الرسول (ص) وأرتداد أكثر المسلمين أثبتت بجدارة أنها المجاهدة والسياسية المحنكة وخطبها خير دليل على ذلك ، حيث دافعت فيها عن الحق المتمثل بالامام على (ع) وجابهت كل أنواع التحريف والتزوير والتزييف للحق والحقيقة والشريعة الالهية وسنن الرسول(ص) وما جاء به القرآن الكريم بعد أن بدأ القوم بذلك منذ أن رقد الرسول (ص) في فراش الرحيل الى جوار ربه واعدوا ما اعدوا لسقيفة بني ساعدة وقدمت لذلك أغلى ما عندها .
وما مطالبتها لنحلتها إلا نصرة للشريعة الاسلامية ولأحقية الوصي دون منازع الامام على (ع) في الخلافة بعد الرسول (ص) ولم تتوقف عليها السلام عن حركتها السياسية حتى آخر لحظة من حياتها المباركة حتى أنها غضبت على من غصبها حقها وأمرت بإخفاء قبرها كل ذلك دليل على حركتها السياسية وجهادها عليها السلام.. ولا زال رنين ما قاله رسول الله (ص) بحقها يدوي في مسامع المسلمين "يا سلمان، من أحبَّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حبُّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه؛ يا سلمان، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذرِّيتها "( رواه الخوارزمي في كشف الغمة 1 / 467).
من هذا المنطلق وتحت تأثير الضغط الاجتماعي اضطر الأول والثاني اللذان اضطهداها أن يأتيا الى بيتها ليطلبا من على (ع) أن تستقبلهما حتى يسترضياها، فقالت لهما: "أنشدكما بالله، هل سمعتما النبي (ص) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها، مَن آذاها فقد آذاني ومَن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومَن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي. قالا: اللهم نعم، فقالت: الحمد لله. ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا مَن حضرني، أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي..."- صحيح البخاري.
كان لفاطمة الزهراء (ع) التي نعيش هذه الأيام (20 جمادي الثاني) ذكرى مولدها المبارك والميمون، الدور الريادي الكبير في الحفاظ على الفكر الاسلامي وما شهده المسلمون في الوقائع التي تلت رحيل والدها نبي الرحمة (ص) واستطاعت بكل قوة أن تعبّر عن معارضتها بخطاباتها التي تمثل وثائق حيّة في الفكر والتشريع الاسلامي ومفرداته السياسية، كما أنها (ع) أكملت احتجاجها بعد موتها عندما أوصت علياً(ع) أن يدفنها ليلاً وأن لا يحضر جنازتها الذين ظلموها حقها واضطهدوها. إنها أرادت أن تعبّر عن معارضتها واحتجاجها وغضبها بعد الموت، كما عبّرت عن ذلك قبل الموت، ليتساءل الناس: لماذا أوصت أن تُدفن ليلاً؟ وما هي القضية؟ هذا أمر لم يسبق له مثيل في الواقع الاسلامي، الجميع كانوا ينتظرون أن يشاركوا في تشييع الزهراء(ع)، ولكنّها دُفنت ليلاً وقيل لهم: إنها أوصت بذلك، وبدأ التساؤل بين المسلمين: لماذا ولماذا؟! وكانت تريد أن تثير التساؤل حتى يتحرك الجواب، وحتى يعرف الناس حقيقة مشروعها السياسي الاسلامي الرافض للتزييف والتزوير والاستعباد والاستحمار والظلم والعدوان .
لقد كانت الصديقة الطاهرة عليها السلام أول انطلاقة في الصراع العقائدي - السياسي في مرحلة التطبيق للشريعة الاسلامية - أي ما بعد مرحلة التنزيل ، حيث تزعمت حركة العقلانية الأخلاقية بصورة عامة مطلقة لتبيان الأحكام الشرعية وإحقاق الحق , ورغم دعوتها للسلام التي تؤكد على الجانب الانساني وتحرض على الانصياع للمثل العليا والتفاني من اجل المبادئ الرسالية , فأن موهبتها الفذة على تفنيد الأيديولوجيات العدوانية والمرتدة تمثل منهجية علمية بارعة سلكها محبوها وأنصارها على طول القرون والعقود الماضية في جهاد الظلم والاحتلال والتزييف والكذب والخداع والتزوير .
فما نشاهده اليوم من الصراع بين الحق والباطل وبين الظلم والعدالة وبين الطاغية والمظلوم هنا وهناك بدءاً من العراق وحتى البحرين ومن سوريا حتى اليمن ومروراً بلبنان وفلسطين هو من دروس مدرسة الرفض والإباء لسيدة النساء وخيرهن فاطمة الزهراء (ع). تلك المرأة التي تعد أنموذجاً للمرأة والعالمة والمربية لم ولن نجد ما يقابلها من النساء ولن تتكرر ظاهرة الزهراء (ع)، ولكن يبقى الاشعاع الذي انطلق قبسه من بيت النبوة ضياءاً وهاجاً للبشرية جمعاء .
"لقد عاشت فاطمة الزهراء عليها السلام حياتها من اجل الاسلام فكان دفاعها عن حق آل البيت (ع) في الخلافة وحقها في الارث ليس من منطلق شخصي وهي تعرف أنها أول من يلتحق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولكن صراعها جرى برمته من اجل الاسلام والطريق القويم والالتزام بما جاء بكتاب الله المجيد فمثلما بدأت حياتها بالإسلام ختمته بالاسلام، تاركة لنا أثرا يبقى بقاء الأرض ومن يرثها متمثلاٌ بأئمة الهدى وسنة أبيها (ص) وعطائها المتمثل بخطبتها الشريفة المعروفة بالخطبة الفدكية" - الملل والنحل للشهرستاني.