ملاحظات وإثارات على زيارة الوفد الاعلامي السعودي للعراق
عادل الجبوري
لعل عملية رصد ومسح سريع لابرز الصحف المحلية والدولية السعودية، ومن دون تحديد فترة زمنية معينة، تتيح لنا الاطلاع على عدد لا يستهان به من العناوين والمانشيتات العريضة، التي تنطوي على رسائل سلبية واضحة تجاه العراق.
طيلة اعوام عديدة، وربما حتى الان، تحفل الصحف ووسائل الاعلام السعودية المرئية والالكترونية، بمفردات من قبيل "المقاومة"، والمقصود بها الجماعات الارهابية المسلحة، و"الصفويون" و "عملاء ايران"، المقصود بهم الشيعة من اتباع مذهب اهل البيت، و"الميليشيات"، والمقصود بها قوات الحشد الشعبي، وغيرها من المفردات، التي تشغل مساحة لا بأس بها من الخطاب الاعلامي السعودي، والى جانبها الخطاب الديني التحريضي-التكفيري، الذي تحفل به المنابر ومعها شاشات القنوات الفضائية السعودية، الرسمية وغير الرسمية.
والى جانب ذلك كانت المواقف السياسية الرسمية السعودية سلبية حيال العراق الى ابعد الحدود، ففي الوقت الذي اسقطت الكثير من الدول الاجنبية والعربية ديونها عن العراق، بقيت الرياض متمسكة بكل قرش لها في ذمة بغداد، بصرف النظر عن الظروف والملابسات التي احاطت بتلك الديون، واكثر من ذلك، كانت تضغط على بعض شقيقاتها الخليجيات لتبني نفس الموقف السلبي المتصلب، ولم تبادر الرياض الى تفعيل علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد، وبقيت ابواب السفارة السعودية في بغداد موصدة حتى وقت قصير، الى ان بعثت ضابط استخبارات سابقا-هو ثامر السبهان-ليتولى ادارة بعثتها الدبلوماسية في بغداد، ولم يكن وجوده مفيدا بالمطلق، وحينما انعقدت القمة العربية ببغداد، في ربيع عام 2012، اكتفت الرياض ومعها الدوحة، بارسال ممثلين عنهما بدرجة مدير عام لحضور القمة، وكانت تلك اشارة واضحة على السعي لافشال اي توجه لانفتاح العراق على محيطه العربي والمجتمع الدولي والعكس.
ما هو واضح ومعروف ومفهوم، ان العراق ليس لديه خط احمر او تحفظ على اي طرف اقليمي او دولي، الا اذا كان ذلك الطرف ينتهج سياسات معادية له. اذ ان المبدأ العام هو الانفتاح والتواصل واقامة افضل العلاقات مع الاخرين على اساس احترام الخصوصيات وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، وعلى قاعدة المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة.
ولم تلح حتى الان اشارات واقعية وحقيقية مشجعة من قبل المملكة العربية السعودية حيال العراق، رغم مبادرات الاخير وتأكيداته المتكررة على الرغبة في بناء افضل العلاقات مع الرياض.
مناسبة هذا الحديث، هي زيارة وفد اعلامي سعودي الى العراق الاسبوع الماضي، حيث ضم الوفد عددا من رؤساء ومديري تحرير ابرز الصحف السعودية المحلية، من قبيل الرياض والجزيرة وعكاظ والوطن.
وقد حظي الوفد الاعلامي السعودي بحفاوة كبيرة، واتيح له ان يلتقي رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ووزراء الخارجية والتخطيط، وشخصيات سياسية اخرى، وزيارة مؤسسات اعلامية مختلفة، والتجول في مناطق وشوارع بغداد.
وتزامن وجود الوفد الاعلامي السعودي، مع وجود المنتخب السعودي لكرة القدم في مدينة البصرة، وخوضه مباراة ودية مع المنتخب العراقي في ملعب "جذع النخلة" بالمدينة الرياضية بالبصرة.
وفي الاطار العام، فان مثل تلك الزيارات لا تخلو من فائدة، بل انها تعد خطوات مهمة لتصحيح المسارات الخاطئة، وفتح الابواب الموصدة، بيد انه يفترض ان تكون مقدماتها مهيأة.
فرؤساء ومديرو تحرير الصحف الرئيسية في السعودية، الذين تلقوا دعوة لزيارة بغداد، طبيعي انهم كانوا يفترضون انهم سيحظون بالحفاوة والاهتمام الكبير من قبل مضيفيهم، وبالفعل هذا ما وجدوه، وربما لم يكونوا يتوقعونه، وهذا ما اشار اليه البعض منهم في مقالات لهم تضمنت مشاهداتهم وملاحظاتهم وتقييماتهم لما شاهدوه وسمعوه واطلعوا عليه.
في مقابل ذلك، هل توقف هؤلاء المتصدون للمفاصل الاعلامية الحيوية في الماكنة الاعلامية السعودية، عند ما كتبوه هم بأنفسهم، وما حفلت به صفحات صحفهم على امتداد عقد ونصف العقد من الزمن، من حملات تضليلية وتحريضية ضد العراق والعراقيين، وهل التفتوا الى ان الصحف التي يتولون مسؤولياتها كانت-وربما ما زالت-تمثل منابر للفكر التكفيري الارهابي، بصرف النظر عن مسمياته وعناوينه، سواء القاعدة او داعش، وهل ادرك هؤلاء السادة الاعلاميون، ان خطابهم الاعلامي التحريضي، ساهم بازهاق ارواح الكثير من الابرياء، من ابناء الشعب العراقي، ولم يكن هؤلاء الضحايا من اتباع المذهب الشيعي فقط، الذي تعتبره المؤسسة الدينية الوهابية، "مذهبا منحرفا لا يمت للاسلام بصلة"!، وانما طالت دائرة القتل الوهابي الدموي، ابناء السنة والمسيحيين والصابئة والايزيديين وسواهم.
لا يمكن بأي حال من الاحوال ان نلوم من رفض استقبال الوفد الاعلامي السعودي، سواء كان سياسيا او اعلاميا، لان من اتخذ ذلك القرار كان يستشعر عمق المآسي التي تسببت بها السعودية للعراقيين، ويرى ان الاحتفاء والاهتمام بمن ساهم بتلك المآسي هو استخفاف واستهانة واضحة وصريحة بالدماء التي اريقت والارواح التي ازهقت.
واذا كانت السعودية صادقة في رغبتها وتوجهها بفتح صفحة جديدة مع العراق والعراقيين، فعليها ان تقوم بخطوات جدية وعملية لتصحيح اخطائها والتكفير عن جرائهما، ولا تكتفي بارسال منتخبها الرياضي لكرة القدم، وعدد من كبار اعلامييها الى بغداد، وتعمل على فتح قنصلية لها في البصرة، بينما جوهر المواقف والتوجهات باق على حاله لم يتغير في كواليس صناعة القرار ودوائر المخابرات، ومن على منابر التحريض الديني التكفيري.
وعليها ايضا ان لا تستعجل الامور، وتسعى الى حصد نتائج كبيرة خلال فترات زمنية قصيرة وبخطوات ومبادرات قليلة وبسيطة، وعليها ان لا تبقى اسيرة التنافس والتدافع مع خصومها الاخرين، حينما تفكر بالاقتراب من العراق، فذلك لن يزيد الطين الا بلّة، ولن يزيدها الا ابتعادا، حتى لو جاء الملك السعودي بنفسه الى بغداد.