قرار الحسم في الغوطة الشرقية... وأسباب الاستنفار الغربي والاحتمالات
حسن حردان
لوحظ انه مع بدء الجيش السوري تنفيذ قرار القيادة السورية، بدعم قوي من حلفائها في محور المقاومة وروسيا، تطهير الغوطة الشرقية من وجود المسلحين الإرهابيين المدعومين من دول غربية واقليمية، استنفرت الدول الغربية على نحو غير مسبوق وبدأت حملة تهويل وتصعيد ضدّ سورية وفق أجندة حضّرت وجهّزت على المستوى الدولي تقوم على الاختباء وراء ذريعة مزيفة وهي ادّعاء الحرص على حماية المدنيين في الغوطة وانّ الحكومة السورية تحضّر لتنفيذ هجوم بالأسلحة الكيماوية، وأنه في حال حصل ذلك فإنّ الدول الغربية سوف تشنّ هجوماً ضدً الحكومة السورية، ايّ القيام بعدوان عسكري على سورية، وترافق هذا التهديد والتهويل الغربي الصادر هذه المرة عن معظم رؤساء الحكومات الغربية، مع حملة اتصالات قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الزعماء الأوروبيين، على إثر الفشل في تمرير قرار في مجلس الأمن بفرض وقف شامل لوقف النار لا يستثني التنظيمات المصنّفة إرهاباً، مثل جبهة النصرة وفيلق الرحمن وغيرهما من التنظيمات التي تدور في فلك تنظيم القاعدة. وذلك بفعل الموقف الروسي السوري الحازم الذي أصرّ على استثناء هذه التنظيمات الإرهابية من القرار ومواصلة العملية العسكرية ضدّها لإخراجها من الغوطة واراحة العاصمة دمشق من خطرها وتهديدها المستمرة لأمن السكان المدنيين فيها من خلال قصفها المتواصل بقذائف الهاون والصواريخ .
وبدا واضحاً أنّ القرار بالقضاء على وجود الإرهابيين في الغوطة قرار حاسم ولا رجعة عنه من قبل سورية وحلفائها، وانّ التهديد والتهويل الغربي لن يحول دون ذلك، كما حصل عشية تطهير الأحياء الشرقية من مدينة حلب، وهذا القرار عبّر عنه بمستويين:
مستوى أول: في الميدان وتمثل باستمرار العملية العسكرية وتقدم الجيش العربي السوري في قلب الغوطة واستعادته العديد من البلدات والقرى الهامة أبرزها النشابية، وهي مناطق تشكل السلة الغذائية للغوطة، ما يعني اشتداد الخناق على الإرهابيين وتفاقم أزمتهم، وسط صراخ قيادات الإرهابيين للحصول على دعم خارجي يحميهم.
مستوى ثان: الردّ على التهديدات الغربية والتهويل بالكيماوي، بإشهار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسلحته الردعية الأكثر تطوّراًً من الأسلحة الأميركية، وهي صواريخ مجنّحة قادرة على الوصول لأيّ نقطة في العالم ولا يمكن رؤيتها وتحمل رؤوساً نووية، وكذلك صواريخ تطلق من الغواصات، وكان لافتاً اعتبار الرئيس بوتين ايّ اعتداء على حلفاء روسيا هو اعتداء عليها، ما يعني توفير مظلة الحماية لدمشق من أيّ هجوم عسكري أميركي.
الأسئلة التي تطرح في ضوء ذلك هي:
ما هي الأسباب التي جعلت سورية وحلفاءها يقدمون الآن على اتخاذ قرار الحسم العسكري في الغوطة الشرقية؟
وما هو الهدف الحقيقي من التهديد الغربي، ولماذا هبّت الدول الغربية كلها لحماية الإرهابيين في الغوطة بما يتجاوز ما فعلته لحمايتهم أثناء معركة تحرير شرق حلب؟
وأخيراً ما هي الاحتمالات في ضوء كلّ ذلك:
هل يقدم الغرب على تنفيذ تهديده بشنّ عدوان عسكري؟ ام يتراجع عن ذلك على غرار ما حصل عام 2013 لكن هذه المرة من دون جائزة ترضية؟
اولاً: من ينظر إلى الوضع الميداني في سورية يلاحظ انه بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في كلّ معاقله الأساسية في شرق سورية والعراق والبادية، وتأمين التواصل بين الجيشين السوري والعراقي، وبعد نجاح الجيش السوري في إنهاء الوجود الإرهابي في كلّ الغوطة الغربية من دمشق وصولاً إلى بيت جن والتلال الحمر بمحاذاة الجولان المحتلّ، أصبحت الأولوية لتحرير ما تبقى من مناطق يسيطر عليها الإرهابيون في أرياف حلب وحماه ومحافظة إدلب والغوطة الشرقية وما تبقى من ريف محافظة درعا، ولهذا نفذت عملية عسكرية واسعة في أرياف حلب وحماه وإدلب وتمّت استعادة عشرات البلدات والقرى وتحرير مطار ابو الظهور وبلدة ابو الظهور والبلدات المحاذية والقريبة من مدينة سراقب في محافظة إدلب. هذا التطوّر الميداني الهامّ والسريع دفع تركيا وأميركا وكيان العدو الصهيوني إلى الاستنفار والدخول المباشر على خط المعركة لإرباك ووقف هجوم الجيش السوري وحلفائه، وفي هذا السياق أعطيت الأوامر للإرهابيين في الغوطة الشرقية للتصعيد بقصف أحياء دمشق بين الفترة والأخرى، وشنّ الهجوم على حامية الجيش في حرستا، لكن الجيش السوري شنّ هجوماً معاكساً ونجح في صدّ الهجوم واستعادة الأبنية التي سيطر عليها المسلحون في المركبات ومواصلة هجومه باتجاه استعادة القسم الذي يسيطر عليه الإرهابيون من حرستا، وكان واضحاً أنّ القيادة السورية وبالتنسيق مع حلفائها قرّرت إعطاء الأولوية لمعركة الحسم في الغوطة الشرقية وإنهاء هذا الخطر الذي يستخدمه الغرب والعدو الصهيوني لتهديد العاصمة وعرقلة جهود الدولة لاستعادة كامل سيطرتها على أراضيها في شمال وشرق سورية وهي مناطق تتواجد فيها جيوب إرهابية مدعومة من قوات احتلال أميركية وتركية. وأدركت القيادة السورية أنّ تحرير هذه المناطق سيكون مرتبط بشكل مباشر بمعركة إخراج هذه القوات الأجنبية المحتلة، وهي معركة ستكون شروطها أفضل للحكومة السورية بعد تطهير الغوطة الشرقية من الإرهابيين، وكان لافتاً تزامن العدوان الصهيوني الأخير مع التحضير لمعركة تحرير الغوطة والتقدّم الكبير الذي أحرز في محافظة إدلب، لكن الردّ على العدوان كان رداً قوياً وحازماً ورادعاً في الوقت نفسه عبر إسقاط طائرة الـ«أف 16» الصهيونية المتطوّرة فوق الجولان المحتلّ، وتصدّي الصواريخ السورية للصواريخ الصهيونية التي أطلقت من البحر وإسقاط معظمها، مما أوصل رسالة قوية عكست مستوى الجاهزية السورية والقدرات التي بات يحوز عليها الجيش السوري في مجابهة العربدة والعدوانية الصهيونية، وهو بالفعل ما دفع القيادة الصهيونية إلى التوقف عن التصعيد، لكن إسقاط الطائرة كان بمثابة قرار حاسم قد اتخذ بالتصدي ومواجهة ايّ عدوان خارجي يستهدف عرقلة تطهير الغوطة الشرقية وما تبقى من مناطق يسيطر عليها الإرهابيون بدعم أميركي تركي صهيوني. ولهذا بات من الواضح أنّ تحرير الغوطة سوف يعني عملياً وضع الحكومة السورية على الدرجة الأخيرة من تحقيق النصر على الإرهابيين والدول الداعمة لهم.
ثانياً: قيل الكثير عن خلفيات التهديد الغربي وهذا الاستنفار الذي يُذكر بالمراحل الأولى للحرب الإرهابية الاستعمارية، عندما حشدت أميركا والدول الغربية الحليفة لها أكثر من مائة دولة في أكبر تحالف دولي خلف الإرهابيين لإسقاط الدولة الوطنية السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد وإقامة دولة بديلة عميلة للغرب على غرار نظام آل سعود. لكن هذا الهدف سقط ولم يتحقق واليوم لم يعد يحلم الغرب بإمكانية إسقاط الدولة السورية المستقلة بعد ان نجحت في الصمود واستعادة السيطرة على معظم البلاد بدعم من حلفائها، ولهذا فإنّ الهدف الغربي أصبح اليوم يتركز على محاولة إطالة أمد الحرب والضغط بقدر ما يستطيع لفرض بعض شروطه لتسهيل إنهاء الحرب والحلّ السياسي في سورية، وهذه الشروط تتركز في تمكين الجماعات التابعة للغرب والتي لا تحظى بدعم شعبي سوري لخوض الانتخابات، من الدخول إلى تركيبة السلطة على أساس إجراء إصلاحات تتيح لها المشاركة في صنع القرار، ومن ثم تأتي الانتخابات في وقت لاحق وفق شروطها، بعد أن تكون هذه الجماعات قد أصبح لها نفوذ قوي اعتماداً على وجودها في السلطة، كما تريد الولايات المتحدة منع أيّ وجود عسكري لحلفاء سورية في محور المقاومة على الأرض السورية لا سيما على الجبهة مع الجولان المحتلّ، والحصول على حصة من الاستثمار في قطاع النفط والغاز والمشاركة في إعادة إعمار سورية وفق هذه الشروط، ويبدو أنّ هذا الحلم الغربي أصبح تحقيقه رهناً بالحفاظ على وجود الإرهابيين في الغوطة الشرقية فمن دون استمرار هذا الوجود من المستحيل عليه أن يمارس ضغطاً فعّالاً على القيادة السورية للقبول بهذه الشروط التي تنتقص من سيادة واستقلال سورية وتتيح للدول الغربية التدخل الدائم في شؤونها الداخلية. هذا إضافة إلى انّ الغرب يريد أن يمنع انتصار سورية الكامل في هذه الحرب للحيلولة دون نشوء معادلات وموازين قوى جديدة إقليمياً ودولياً في صالح محور المقاومة وروسيا تقود إلى تكريس نظام دولي جديد يقوم على التعددية القطبية، ذلك أنّ تحرير الغوطة بات يشكل المخاض الأساسي والأخير الذي يسبق هذه الولادة التي يعني حصولها إسدال الستار نهائياً على إعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركي الأحادي القطب على العالم وتصفية قضية فلسطين. من خلال أحكام السيطرة على موارد النفط والغاز وطرق إمدادها بالبر والبحر ومحاصرة روسيا وخنقها اقتصادياً ونقل الحرب الإرهابية إلى داخل حدودها.
ثالثاً: الاحتمالات، على ضوء ما تقدّم ما هي الاحتمالات، هل يقدم الغرب على شنّ الحرب لحماية الإرهابيين في الغوطة ومنع الجيش السوري من الحسم؟ أم يبقى تهديده في حدود التهويل فقط لتوفير مظلة حماية للإرهابيين. وإطالة أمد الحرب عبر تمرير الهدن تحت عناوين إنسانية، أو يعمد إلى دفع المسلحين لاستخدام السلاح الكيماوي الذي بحوزتهم ضدّ المدنيين في الغوطة كما حصل عام 2013 ويتمّ اتهام الدولة السورية بشنّ الهجوم الكيماوي والدفع باتجاه تشكيل لجنة تحقيق دولية وبالتالي وقف هجوم الجيش السوري؟
الواضح أنّ الظروف اليوم لقيام الغرب بشنّ الحرب مختلفة كلياً عما كانت عليه عام 2013، فموازين عام 2018 باتت مختلة بكاملها لمصلحة الدولة السورية وحلفائها على عكس ما كانت عليه عام 2013، في حين أنّ سيطرة الإرهابيين تقلّصت كثيراً وباتوا متواجدين في مناطق حدودية مع تركيا أو مع الأردن أو في جيب صغير على الحدود السورية الفلسطينية الأردنية، فيما كان الإرهابيون عام 2013 يسيطرون على مساحات شاسعة من سورية والجيش السوري يقاتل على عشرات الجبهات وفي حالة من الاستنزاف، ولم يكن الحضور العسكري الروسي النوعي موجوداً على الأرض السورية، ولا الحضور الإيراني الذي كان عبر مستشارين وبعض من قوات الحرس الثوري، أما اليوم فإنّ الجيش السوري تمكن من استعادة وتطوير قدراته عدة وعديداً، والحصول على أسلحة نوعية من روسيا وغيرها من الدول الحليفة لها، وهو يحظى بمعنويات عالية، مدعوماً من حلفائه وروسيا التي بات حضورها العسكري في سورية يشكل توازناً استراتيجياً في مواجهة القوة الأميركية، وبالتالي يصبح من الطبيعي القول إنّ من تردّد في الإقدام على شنّ الحرب عام 2013 عندما كانت موازين القوى مواتية أكثر له، لن يجروء على الإقدام عليها في عام 2018 في ظلّ موازين قوى لم تعد لمصلحته، لا سيما أنّ الأسباب التي دفعت أميركا إلى الامتناع عن شنّ الحرب عام 2013 رغم الضغط الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية، أصبحت اليوم أكثر حضوراً وتشكل مانعاً أكبر أمام شنّ الحرب، خصوصاً بعد استعراض الرئيس بوتين بعضاً من أسلحة القوة الصاروخية والجوية الروسية الرادعة، في حين أنّ سورية وحلفاؤها في محور المقاومة يملكون قدرات كبيرة على المواجهة وتحويل ايّ حرب أميركية غربية إلى حرب استنزاف للقوات الأميركية وكيان العدو الصهيوني إلى جانب ضرب القواعد والمصالح الأميركية الغربية في المنطقة، وهذا يعني أنّ الحرب لن تكون محصورة في سورية بل ستكون حرباً واسعة في كلّ المنطقة وقد تتدحرج لتتحوّل إلى حرب عالمية مدمّرة للعالم لن يكون في نهايتها من منتصر.
طبعاً إلى جانب كلّ ذلك فإنّ أميركا تعاني من أزمة اقتصادية ومالية كبيرة نتيجة تراجع معدلات النمو وبلوغ الدين العام عتبة الـ 20 تريليون دولار وهي غير قادرة على تأمين الإنفاق على حرب مكلفة جداً، في حين أنّ الشعب الأميركي لا يؤيد الحرب لا سيما بعد فشل حرب العراق والنتائج الكارثية التي تسبّبت بها على الداخل الأميركي اقتصادياً واجتماعياً.
انطلاقاً من ذلك فإنّ على الأرجح أن يكون التهديد يندرج في إطار التهويل لإرهاب سورية وحلفائها، غير أنّ ذلك لا يبدو أنه يجدي نفعاً مع القيادة السورية ومحور المقاومة وروسيا فهم أصبحوا أكثر تصميماً على إنهاء ما تبقى من وجود إرهابي وإنهاء الحرب على القاعدة التي تحفظ وحدة وسيادة واستقلال سورية، وحق شعبها في تقرير مصيره بعيداً عن ايّ تدخل خارجي. أما مسرحية التهويل باستخدام السلاح الكيماوي فإنها باتت مكشوفة ولا تملك واشنطن القدرة والحرية على توظيف مجلس الأمن في هذه المسرحية في ظلّ القرار الروسي والمدعوم من الصيني بمنع تكرار استخدام المنظمة الدولية منصة لفبركة وتلفيق الاتهامات لتدمير الدول وتبرير فرض مخططاتها الاستعمارية كما حصل في العراق وليبيا. لذلك فإنّ معركة تحرير غوطة دمشق، التي بدأت تسلك المسار الذي حدّد لها والقاضي بإنهاء وجود الإرهابيين فيها، يبدو أنها تتجه في منحى مماثل لما حصل في معركة تحرير الأحياء الشرقية من حلب