حرب عالمية في سوريا .. تهديدات ترامب بضرب سوريا هل موجهة للأسد أم لبوتين؟
عبد الباري عطوان
بعد اتّصال هاتفيّ أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيريه الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل مساء الجمعة، أطلقت الإدارة الأمريكيّة حملة تصعيد في لهجتها مرفوقة بتهديدات صريحة بـ”محاسبة” النّظام السوري كردّ على الهجوم الذي تشنّه قوّاته وطائراته بغطاء جويّ وسياسيّ روسيّ في الغوطة الشرقيّة.
الحديث عن احتمالات متزايدة لضربات أمريكيّة لأهداف عسكريّة سورية، على غرار قصفها لقاعدة الشعيرات الجويّة جنوب حمص بصواريخ كروز في نيسان (إبريل) الماضي، بدأ يتردّد بطريقة متسارعة في أروقة البيت الأبيض والدّوائر الأوروبيّة، ولعلّ المطالبة الأمريكيّة مجلس الأمن بإنشاء لجنة تحقيق دوليّة لتحديد المسؤولين عن شنّ هجمات بأسلحة كيماويّة في الغوطة (غاز الكلور) هي المقدّمة، أو "الذّريعة” لتبرير هذه الهجمات.
الأمير زيد بن رعد بن الحسين مفوّض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في إطار التّمهيد لهذه الضّربات الصاروخيّة أو الجويّة المتوقّعة بوصفه القصف الجويّ للغوطة الشرقيّة يرتقي إلى "جرائم حرب” ويستدعي بحثه أمام محكمة الجنايات الدوليّة، وأكّد أن التحضيرات بدأت في إعداد ملفّات بأسماء من ارتكبوا جرائم الحرب هذه.
التّهديدات الأمريكيّة ليست موجّهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وإنّما إلى الرئيس بوتين أيضا، وجاءت بعد يوم واحد من إعلان الأخير عن امتلاك بلاده أسلحة حديثة متطوّرة لا يمكن التصدّي لها، من بينها صواريخ باليستيّة عابرة للقارات يمكن تحميلها رؤوسا نوويّة، وكذلك طائرات "مسيّرة” تعمل تحت الماء يصعب اعتراضها أو رصدها.
لا شك أن الوضع الإنساني في الغوطة الشرقيّة مأساوي ومؤلم بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، خاصّة بعد وصول أعداد القتلى، ضحايا القصف الجويّ إلى أكثر من 670 قتيلا، ولكن الكثير من المراقبين ينتقدون تجاهل الأمريكيين والأوروبيين لضحايا القصف بقذائف الهاون لأحياء في العاصمة السورية من قبل الجماعات المسلحة الذي أوقع حوالي 20 قتيلا، وأضعاف هذا الرّقم من الجرحى، كذلك مقتل مدنيين أيضا في حرب أخرى مشتعلة في منطقة عفرين شمال غرب سورية.
من الواضح أن المبادرة الروسيّة بإعلان "هدنة” من خمس ساعات يوميّا وفتح "كوريدور” أو ممر آمن لخروج المدنيين من الغوطة لم تجد التّجاوب المأمول، ويعلّل الرّوس والحكومة السوريّة ذلك بمنع المسلّحين لهؤلاء من المغادرة واستخدامهم كدروع بشريّة.
لا نعتقد أن إدارة الرئيس ترامب ستنتظر تشكيل لجنة دوليّة للتّحقيق في الاتّهامات باستخدام السّلطات السوريّة لأسلحة كيماويّة، وهي جريمة مدانة، أيّا كان الذي يقف خلفها، لأن هذه الخطوة قد تستغرق وقتا طويلا، وهذه الإدارة في عجلة من أمرها، تماما مثلما فعلت بعد اتّهامات مماثلة في خان شيخون في نيسان (إبريل) الماضي عندما قصفت مطار الشعيرات العسكري، ولن يكون مفاجئا بالنّسبة إلينا إذا ما أفقنا في فجر أي يوم قادم على ضجيج ضربات مماثلة.
السيد بشار الجعفري، مندوب سورية الدّائم في الأمم المتحدة، حذّر قبل بضعة أيّام من احتمال استخدام المعارضة المسلّحة أسلحة كيماويّة في الغوطة الشرقيّة واتّهام حكومته بالوقوف خلفها، وتحدّثت وسائط إعلام سورية رسميّة عن الشيء نفسه في تقارير إخباريّة طوال الأسبوع الماضي في تأكيد واضح بأن التّهمة جاهزة لتبرير أي عدوان أمريكيّ جديد، وامتلأت صحف غربيّة بتقارير أمريكيّة مسرّبة عن إرسال كوريا الشماليّة كميات كبيرة من الأسلحة الكيماويّة للنّظام السوري، وهو ما نفاه الطّرفان.
جيم ماتيس، وزير الدّفاع الأمريكي، تحدّث قبل أسبوعين عن استخدام السلطات السورية أسلحة كيماوية في الغوطة، مؤكّدا أن إدارته لا تملك الأدلّة للإقدام على إجراء انتقاميّ، والشيء نفسه كرّره الرئيس الفرنسي ماكرون، معلّلا عدم الرّد بعدم وجود الأدلّة أيضا، ومن غير المستغرب أن تكون هذه الأدلّة جرى تجهيزها منذ وقت طويل وإخراجها إلى العلن في انتظار الغطاء الأممي، فالضّربات الجويّة أو الصاروخيّة قد تتقدّم على الأدلّة التي ربّما تأتي لاحقا.
الجبهة السورية تهيء لتكون ميدان مواجهة عسكريّة أمريكيّة روسيّة، ومن غير المستبعد أن تكون إسرائيل طرفا مباشرا فيها بعد تهديد نتنياهو أكثر من مرّة بضرب أي قواعد عسكريّة إيرانيّة في سورية، فالطّيران السوري يقصف الغوطة جنبا إلى جنب مع الطيران الروسي، وقرار إخراج "الإرهابيين” من الغوطة الذين يهدّدون العاصمة السوريّة وأمنها واستقرارها بقصفها بقذائف الهاون بتحريض من أمريكا وحلفائها، هو قرار روسيّ سوريّ إيرانيّ مشترك ولا رجعة عنه.
لا نعرف كيف ستكون طبيعة هذه المواجهة وحجمها، مثلما لا نعرف توقيتها، وكيف نعرف مثل هذه الأمور من الأسرار العسكريّة بالغة السريّة، لكن ما يمكن قراءته من بين السّطور التّهديدات الأمريكيّة، وحشد فرنسا وألمانيا خلف الضّربة المتوقّعة (بريطانيا تحصيل حاصل ودعمها مضمون ولا يحتاج إلى اتّصال هاتفيّ)، يمكن القول بأن القرار بالضّربة العسكريّة جرى اتّخاذه منذ مدّة، والحرب في الغوطة الشرقيّة، وباستخدام أسلحة كيماويّة أو بدونها، ستكون شرارة التّفجير.
نختم هذه المقالة بسؤال: هل سترد روسيا هذه المرّة على أيّ عدوان أمريكيّ؟ وهل ستطلق صواريخ "إس 400” لاعتراض صواريخ كروز، أو طائرات أمريكيّة تشارك فيه؟
نترك الإجابة للأسابيع، وربّما الأيّام القليلة المقبلة التي ستكون حافلة بالمفاجآت، فمنسوب التوتّر يقترب من ذروته.. وترامب أعلم.