ما أوجه الشّبه بين معركتي تحرير حلب بالأمس والغوطة الشرقية اليوم؟
شارل ابي نادر
ربما تتشابه الكثير من معارك التحرير في سوريا، وحيث امتدت الحرب لأكثر من سبع سنوات وطالت أغلب المناطق السورية تقريبا، يبقى للمقارنة بين معركة تحرير مدينة حلب في أواخر العام 2016 والمعركة المرتقبة لتحرير الغوطة الشرقية، أبعاد ومعطيات تستحق التوقف والمتابعة.
ويمكن تلخيصها بما يلي:
– الهدف هو نفسه ويصب في إطار استكمال تحرير كامل الجغرافيا السورية، وحيث شكلت معركة تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب – وبالتالي تحرير كامل المدينة – نقطة ارتكاز استراتيجية، ساهمت بفتح الخطوط الميدانية المناسبة لتحرير القسم الاكبر في شمال وفي شرق سوريا، يعتبر تحرير الغوطة الشرقية هدفا استراتيجيا آخر، سيُشَكّل عند اكتماله قريبا، نقطة ارتكاز أساسية لإقفال اغلب بؤر التآمر الإرهابية في سوريا وعليها.
– صحيح أن معركة تحرير حلب استدعت حينها وضع جهود كبيرة من الجيش العربي السوري ومن حلفائه في محور المقاومة، نظرا لتعدد المحاور التي اعتمدتها الوحدات المهاجمة، ونظرا للعدد الكبير من المسلحين الارهابيين الذين كانوا يتحصنون داخل أحيائها، ولكن ايضا تستدعي معركة تحرير الغوطة الشرقية اليوم، وضع جهود مماثلة تقريبا، لان المناورة تتطلب إطباق الحصار على كامل المحيط الواسع لمدنها وبلداتها، والتي تتمتع جبهات المدافعة عنها بخطوط دفاعية محصنة ومتماسكة.
– لا تختلف المجموعات المتواجدة داخل الغوطة الشرقية عن الأخرى التي كانت داخل حلب سابقا، وهذا المزيج المركب من عدة فصائل، إرهابية أو شبه إرهابية، هو نفسه تقريبا يتواجد اليوم في مدن وبلدات الغوطة الشرقية، من "جبهة تحرير الشام (النصرة)” الى "أحرار الشام” و”فيلق الرحمن”، وحيث يبقى بعض الخصوصية لفصيل "جيش الإسلام”، الذي لم يتواجد في حلب سابقا بالشكل الواضح كما يتواجد ويسيطر ويمتلك النفوذ في الغوطة الشرقية، تواجدت في حلب سابقا بعض المجموعات الارهابية دون اقترابها من الغوطة الشرقية، والسبب ارتباطها المباشر بتركيا لناحية الميدان القريب والعقيدة والتوجه والتسليح، مثل مجموعات "الزنكي” و”السلطان مراد” وبعض المجموعات التركمانية، بالإضافة إلى "الجيش الاسلامي التركستاني” او "الايغور” وغيرهما.
– ايضا لا يختلف رعاة وداعمو مسلحي الغوطة الشرقية عن داعمي مسلحي حلب سابقا، وهؤلاء الرعاة يقاتلون الدولة والجيش في سوريا بنفس المجموعات الارهابية، يتنقلون بهم من جبهة الى اخرى ومن موقع الى آخر، وهم مصرّون على متابعة المعركة ضد سوريا بهم حتى آخر مقاتل منهم، وحيث يتناقص هؤلاء يوما بعد يوم، اما في المواجهات المباشرة ضد الجيش وحلفائه، اما في التصفيات المتبادلة فيما بينهم، يبقى لهؤلاء الرعاة كما يبدو، القدرة على استيلاد وجلب الكثير من المغرر بهم، والمدفوعين على خلفيات مادية او ارهابية او الاثنين معا.
– قد يكون موضوع استغلال المدنين في المعركتين هو الاكثر تشابها، وحيث شكل ذلك في حلب سابقا مادة اساسية، استعملها الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الاميركية في مناورة اعاقة تحرير المدينة، عبر قرارات ومشاريع مشبوهة للامم المتحدة، تأخذ اليوم مناورة اعاقة وتأخير تحرير الغوطة الشرقية الطابع نفسه، وايضا من خلال قرارات ومشاريع اممية مشبوهة، في فرض هدنة هي في الظاهر انسانية لادخال المساعدات واخلاء الجرحى، ولكنها في الواقع لوجستية وتكتيكية لتحسين ظروف المدافعة لدى المسلحين الارهابيين، وحيث طرحت الدولة السورية وروسيا حلا، يعالج الحالات الانسانية وحالات اخلاء المدنيين عبر معبر الوافدين المحمي والمراقب، ادار المسلحون الارهابيون ومن خلفهم رعاتهم ظهرهم لهذا الحل، ومنعوا المدنيين من الخروج للحفاظ عليهم كدروع بشرية لمعركتهم.
– ايضا، لا ننسى الملف الجاهز الحاضر دائما، كشمّاعة او كحجّة للتصويب والضغط على الدولة السورية وعلى حليفتها الاساسية روسيا من ورائها، وهو ملف الاسلحة الكيميائية، والذي كما كان حاضرا في حلب سابقا، ولعب دورا غير بسيط في الضغط الدولي على سوريا، هو اليوم جاهز ويتم الاستعانة به كعنصر من عناصر المدافعة عن الارهابيين في الغوطة الشرقية.
وأخيرا… تبقى النقطة الاكثر تشابها بين المعركتين هي ان الغوطة الشرقية كما مدينة حلب، سوف تتحرر في النهاية من الارهابيين، وكما عادت عاصمة الشمال السوري الى توازنها والى امنها وحياتها الطبيعية، ستعود الغوطة الشرقية واهلها الى كنف الدولة الواسع والى حضن الوطن الآمن، بعد ان تنزع عنها رواسب الارهاب والاستغلال الاقليمي والغربي.