التكلفة الواقعية لإعادة إعمار سوريا..
ابراهيم شير
الايام الماضية كانت حبلى بالتصريحات والتخمينات عن تكلفة اعادة اعمار سوريا، والارقام وصلت الى نصف تيرليون دولار واخرى تجاوزت هذا الرقم بكثير ووصلت الى 950 مليار دولار .
وهذه الارقام سوق لها صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة والاعلام الغربي، وهذا المبلغ سيكون واقعيا وحقيقيا لو ان هذه الحرب حدثت في دولة مساحتها ضعف مساحة سوريا ومن الدول الحديثة والمتطورة التي يوجد فيها مراكز بحوث فضاء ومصانع سيارات وطائرات ومحطات نووية ومحطات مترو وابراج سكنية وتجارية وغيرها من الامور المتطورة، ولكن هذا الرقم مبالغ به جدا لاعادة اعمار دولة في الشرق الاوسط.
ولنكن واقعيين الشعب السوري ليس بالشعب المتطلب والذي يبحث عن الرفاهية بكل شيء، فالشعب الذي صمد تحت القصف بشتى انواعه، وفي ظل ارتفاع الاسعار وانقطاع الماء والكهرباء والحصار والارهاب، قادر على الخروج من هذه الحرب باقل الاضرار وعلى عكس ما يتوقع الكثيرون.
اكثر المدن تضررا هي حلب ثم حمص ثم الرقة ثم دير الزور وبعدها تأتي ادلب وريف دمشق، وبحسب مراكز الدراسات الغربية فأن تكلفة اعادة اعمار المدينة الواحدة وفق النظام الحديث وغير المبالغ فيه بالرفاهية الخادعة سواء بالابراج وغيرها، تبلغ التكلفة 4 مليارات دولار فقط، وبحسبة بسيطة فان تكلفة اعادة اعمار جميع محافظات البلاد ستبلغ 56 مليار دولار.
ماهي خطوات اعادة الاعمار؟
اولا : عملية اعادة الاعمار يجب ان لا تكون عشوائية ومن الضروري ان تبنى وفق رؤوية اقتصادية وطنية شاملة، وهو ما نجحت فيه سوريا طوال العقود الماضية وبصورة ادق منذ الخطط الخمسية ما بعد عام 1975، وهي التي سمحت لهذه الدولة بان تكون مكتفية ذاتيا من عدة امور اساسية بحياة الفرد تبدأ بالطعام ولا تنتهي بالتصنيع. ولولا هذه الخطط لما استطاعت سوريا الصمود طوال السنوات الماضية في ظل حصار اركع دولا اكبر منها واغنى، والحصار ليس بشيء جديد على سوريا وهي التي اعتادت ذلك منذ عام 1955 اي ايام حلف بغداد عندما وقفت ضده وفرض عليها اول حصار دولي.
ثانيا : يجب اعادة الامان وان يشعر المواطن بهذا الامر، واهم نقطة باعادة الامان هي انهاء المظاهر المسلحة في المدن، ومن ثم انهاء اهم نقطة تثير غضب السوريين وهي الفساد، ويجب القضاء عليه بشكل كامل، كي تتمتع عملية اعادة الاعمار بالنزاهة، ومن ثم محاسبة اثرياء الحرب او ما عرفوا خلال الازمة بتجار الحرب، ومن بعدها اعادة اعمار الاساسيات اي البنية التحتية ومن ثم الماء والكهرباء والمواصلات ثم المدارس والمصانع، وبهذه الطريقة تكون الدولة قد بدأت من الاسفل الى الاعلى.
ثالثا : يجب ان تكون عملية اعادة الاعمار في الاساس للسوريين ومن ثم الحلفاء، فبحسب التقديرات تحتاج سوريا لمليون يد عاملة في هذه المرحلة، وهو ما سيقضي على البطالة لسنوات طويلة، ومن المهم عدم الانتقام من الطرف الاخر في عقود التوظيف.
عدة امور تجعل من تكلفة اعادة الاعمار اقل مما يشار اليها.. اهمها تنافس الحلفاء على هذه الفترة المهمة من مرحلة ما بعد الحرب، وبهذا التنافس ستمتلك دمشق افضل العقود وارخصها ايضا. قد يتسائل شخص من اين ستأتي اموال اعادة الاعمار؟ وهو سؤال مشروع ولكن بتفكير بسيط نرى ان سوريا تتمتع باحتياطي مهم من الغاز الطبيعي والنفط، اضافة الى الفوسفات وغيرها من الثروات الطبيعية، فضلان عن الزراعة والصناعة، ولا ننسى القطاع السياحي، وبفترة اعادة الاعمار تستطيع الدولة ان تمنح الدول الاخرى عقودا سياحية، وبهذه الطريقة تستطيع الدولة تأمين المبالغ الرئيسية لاعادة الاعمار.
وفي النهاية تبقى عملية اعادة اعمار الانسان السوري هي الاساس.. فبناء الوطن والمجتمع على طرق سليمة بعيدة عن الطائفية والمناطقية هي السبيل الوحيد لمنع عودة فتنة اخرى الى المجتمع السوري.