kayhan.ir

رمز الخبر: 72453
تأريخ النشر : 2018February28 - 19:03

من جرابلس إلى معرّة النعمان: الاحتلال التركي يتمدّد

صهيب عنجريني

تطورات الشمال السوري بأكملها تصبّ في مصلحة أنقرة (حتى الآن). نجاح العدوان التركي في وصل مناطق «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي، بمناطق الانتشار التركيّة في إدلب لا يعني فقط تطويق عفرين، بل يحمل معه «مخاطر استراتيجيّة» بالغة التعقيد

قبل عام ونصف العام كانت مطالبات أنقرة الدائمة بإقامة «منطقة آمنة» في الشمال السوري تبدو أشبه بصراخ في الهواء، لكنّ الصورة اليوم تقدّم واقعاً مغايراً كليّاً مع نجاح الجيش التركي في ضم كامل الشريط الحدودي (بين منطقتي عفرين ولواء إسكندرون السوريتين) إلى قائمة المناطق السوريّة المحتلّة.

ومع إحكام قوات «غصن الزيتون» قبضتها على بلدة قرمنلق (ناحية شيخ الحديد) تبدو العملية مؤهلة للانعطاف نحو التّوغل في عمق النواحي التابعة لمنطقة عفرين، ما يعني ضرب طوق يحيط بالمنطقة بأكملها. ويحظى هذا التطور بأهميّة خاصّة، ليشكّل مع سائر تطورات اليومين الأخيرين في ريفي حلب وإدلب «تمدّداً» تركيّاً ذا تبعات استراتيجيّة لا يُستهان بها. وبات الجيش التركي حاضراً على مساحات واسعة تمتدّ من جرابلس (ريف حلب الشمالي الشرقي) إلى محيط مدينة معرة النعمان (ريف إدلب الجنوبي) حيث تقع أقرب نقطة تركيّة حوالى 15 كيلومتراً شرق المدينة (قرية صرمان، التي تبعد بدورها حوالى 5 كيلومترات عن أقرب نقطة سيطرة للجيش السوري وحلفائه). وعلى أهميّة تطوّرات العدوان على عفرين، غير أنّ هذه التطورات لا تشكّل سوى جزءٍ من الصورة الكليّة التي تشتمل أيضاً على تطورات المعارك الدائرة في ريفي حلب وإدلب بين «جبهة تحرير سوريا» و«جبهة النصرة». معارك «الإخوة الأعداء» التي بدت مع انطلاقتها مجرّد حلقة من سلسلة اقتتال المجموعات المسلّحة بدأت أخيراً في تظهير واحد من أهمّ أهدافها المُخفاة، وهو تأمين محيط «نقاط المراقبة التركيّة» ودفع «النصرة» بعيداً عنها. ويبدو لافتاً أنّ تحالف «جبهة تحرير سوريا» (المكوّن من «حركة أحرار الشام» و«حركة نور الدين زنكي») يظهر اهتماماً خاصّاً بطرد «النصرة» بعيداً عن النقاط التركيّة. فعلاوة على معرّة النعمان، سُجّل في خلال الأيام الأخيرة طردُ «النصرة» من مدينة دارة عزّة وجبل الشيخ بركات (ريف حلب الشمالي الغربي) حيث تبعد أقرب نقطة تركيّة قرابة أربعة كيلومترات فقط (جبل سمعان). كما طُردت «النصرة» من بلدة كفرناصح (ريف حلب الغربي) التي تبعد أقلّ من عشرة كيلومترات عن النقطة التركيّة في جبل عقيل. وعلى نحوٍ مماثل انتزعت «تحرير سوريا» بلدتي قاح وسلوى (ريف إدلب الشمالي) على مسافة أقل من أربعة كيلومترات عن النقطة التركيّة (2 كيلو متر شمال سلوى). ويأتي خروج «النصرة» من بلدة أطمة (مع معبرها الحدودي) ضروريّاً لاستكمال طردها من كامل منطقة «طوق عفرين» الممتد من إعزاز إلى جبل عقيل عبوراً بأطمة بشكل أساسي. ويمكن القول إنّ المشروع التركي في مرحلته الراهنة قد نجح فعليّاً في ضرب ثلاثة أطواق استراتيجيّة، أوضحها هو المحيط بعفرين، أما الثاني فالهادف إلى دفع «النصرة» نحو الانكماش في مناطق وسط محافظة إدلب. الطوق الثالث جزئيّ يحيط بمناطق الجيش وحلفائه عبر محورين: المحور الأوّل غربيّ يمتد من جنوب الزهراء وصولاً إلى جنوب أبو الضهور، أما المحور الثاني فشماليّ عبر مناطق «درع الفرات».

وتبعد النقطة التركية في جبل عقيل حوالى 10 كيلومترات عن أقرب نقطة للجيش السوري في ريف حلب الغربي، فيما تبعد النقطة التركية في العيس حوالى 4 كيلومترات عن نقاط الجيش في محيط الحاضر، وتبعد النقطة التركيّة في تل طوقان حوالى 6 كيلومترات عن أبو الضهور. وعلاوة على وصل مناطق «درع الفرات» بإدلب وريف حلب الغربي، تمهّد تطورات عفرين وإدلب لإقصاء «حكومة الإنقاذ» المحسوبة على «النصرة» من المشهد، وإحلال «حكومة الإنقاذ» محلّها لتكون الأخيرة غطاء إداريّاً للهيمنة التركيّة من جرابلس إلى معرّة النعمان (راجع «الأخبار، العدد 3402). وامتنعت ثلاثة مصادر سوريّة تحدّثت إليها «الأخبار» عن التعليق على تطوّرات «التمدّد التركي»، فيما اكتفى أحد المصادر بالقول إنّ «تركيّا دولة محتلّة، لكنّ هذا الواقع لن يدوم. العبرة دائماً في الخواتيم، وعلى أنقرة أن تعي هذا جيّداً». في الوقت نفسه اعترفت مصادر كرديّة سورية بـ«خطورة الوضع الراهن»، مشدّدة في الوقت نفسه على أنّ «هذا لا يعني أن التركي سينتصر». وقالت مصادر عسكريّة في عفرين لـ«الأخبار» إنّ «هدف العدوان التركي هو احتلال عفرين، وكانت التصريحات التركيّة توحي بأنّ العدوان سيكون نزهةً وأنّه سيُنجز أهدافه في غضون أيّام، لكنّ ما يحصل على الأرض هو فضيحة عسكريّة لثاني قوة عسكرية في حلف الناتو». وقالت إنّ «حروب النّفس الطويل من اختصاص المقاتلين الأكراد، وعلى (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان ومرتزقته أن يستذكروا درس كوباني (عين العرب) جيداً، لقد دحرنا تنظيم داعش الإرهابي رغم أن المدينة كانت على وشك السقوط أوّل الأمر». وأكّدت أنّ «العدوان سيُهزم في عفرين كما هُزم في كوباني وهو في الحالتين عدوان تركي بأدوات إرهابيّة فشلت في المرة الأولى، فتوهّم أردوغان أنها ستنجح في المرة الثانية إذا شارك جيشه بشكل مباشر إلى جانب الإرهابيين». بدوره، يؤكد «المستشار الإعلامي لوحدات حماية الشعب» ريزان حدّو أنّ «كل ما حقّقه العدوان التركي يمكن أن يُنسف في غضون يومين إذا ما تمّ تحييد الطيران». يرى حدّو أن «التركي لن يكتفي بمحاولات حصار عفرين، وسيسعى إلى اجتياحها بالاستفادة من احتلاله التلال الحاكمة، لأنّ الهدف الجوهري هو التمهيد لتغيير ديموغرافي». ويقول لـ«الأخبار» إنّ «العدوان التركي يرتكب إبادات جماعيّة، والمجتمع الدولي يراقب بصمت. الناتو شريك في هذه الجريمة والجميع يكتفي بالمشاهدة، ربما كان المجتمع الدولي يفكر في الانتظار مئة عام أخرى قبل أن يناقش المجزرة كما فعل بخصوص مجازر الأرمن». ويعدد بعض مظاهر المجزرة: «استهداف المدنيين بشكل مستمر، الاستهداف الممنهج لمقوّمات الحياة، محطّات ضخ المياه، الأفران، المشافي والقوافل الانسانيّة. إضافة إلى التمثيل بالجثث وخطف المدنيين وإعدامهم، هذه جرائم حرب ترتكبها قوة منضوية في حلف الناتو». ويؤكد أنّ «الموقف الروسي بدوره غريب وغير مفهوم، لا سيما في ظل انسحاب القوة الروسية من عفرين بشكل يشبه التمهيد للاجتياح الذي يبدو أصلاً وكأنه جزء من مخرجات أستانة». تفصيلٌ كانت المصادر السورية التي تحدثت إليها «الأخبار» قد نصحت بـ«عدم التسرّع في الحكم عليه»، وبوجوب إدراك أنّ «التحالف بين دمشق وموسكو أعمق بكثير ممّا يتخيّله الجميع».

التنسيق مستمر... والجيش في تل رفعت

التنسيق بين دمشق و«وحدات حماية الشعب» في عفرين مستمرّ. تؤكد مصادر من «الوحدات» أنّ «الدعم الاستراتيجي لم ينقطع ولم يتأخّر ساعة واحدة». تنفي المصادر صحّة كل ما أثير عن مطالبة الجيش لـ«الوحدات» بتسليم السلاح الثقيل، وتؤكد لـ«الأخبار» أنّ «دخول القوات الداعمة إلى عفرين تأخّر لأسباب ليست سوريّة، معركة عفرين هي معركة دوليّة والضغوطات التي تمارس على كل الأطراف السورية كبيرة جدّاً». في الوقت نفسه تؤكد المصادر أنّه «لا خطوط حمراء أمام انتشار القوات الداعمة في أي نقطة، دخول القوات إلى مركز المنطقة يعني أنها قادرة على الوصول إلى أي محور تراه القيادة العسكرية السوريّة». وتجزم، أيضاً، صحّة «دخول الجيش السوري إلى منطقة تل رفعت»، وتشير إلى أن المنطقة تحوي مركزاً للقوّات الروسيّة.