سوريا في ’أجواء حرب’ إقليمية دولية متفجرة
سركيس أبوزيد
تتسابق القوى الإقليمية والدولية المتشابكة في الأزمة السورية، خصوصا أميركا وروسيا، لحجز مكان لها على الأرض السورية، وهي ترتبط مباشرة بمصالح حيوية فائقة الأهمية لها. هذه القوى تحاول خلط أوراق اللاعبين الآخرين، ما يعني أن الأمور على أبواب مرحلة غاية في التعقيد والخطورة على سوريا.
فالمنطقة في "أجواء حرب"، والتطورات متسارعة وعلى كل الجبهات: الحرب الداخلية بين "نظام ومعارضة" انكفأت، الحرب الإقليمية تتقدم وتحتدم بين ثلاثة لاعبين: تركيا و"إسرائيل" وإيران. التفاهمات الأميركية - الروسية حول سوريا تتآكل والحرب الباردة تلمع مجددا.
في وقت كانت تركيا تتوغل في العمق البري السوري وتغرق في عملية واسعة ضد الكرد، كانت "إسرائيل" تتوغل جوا في العمق الجوي السوري وتضرب أهدافا سورية وحليفة وتُصدم بسقوط طائرة "أف-16" بعدما فوجئت روسيا قبل أيام بسقوط طائرة "سوخوي"، وفوجئت أيضا بالضربة الأميركية القاسية في دير الزور ضد أهداف حليفة.. إنها مرحلة الرسائل العسكرية الساخنة في موازاة العملية السياسية المتعثرة.. إنها الغيوم التي تتجمع في سماء سوريا والمنطقة منذرة بربيع عاصف.
ولأن سوريا تتميّز بموقعها الاستراتيجي، تتنافس الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في تقاسم النفوذ، في إطار إنشاء قواعد عسكرية على الأراضي السورية.
* الولايات المتحدة متمسكة بلعب دور متقدم في الصراع على سوريا، وعلى هذا الأساس حددت خطتها وأهدافها كما يلي:
- هزيمة "داعش" و"القاعدة" في سوريا مع تجاهل بؤر نائمة.
- تحريك عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة.
- تقليص نفوذ إيران وإعاقة إنشائها قوسًا شماليًا يمتد من إيران إلى لبنان.
- نشوء ظروف تمكّن النازحين من العودة إلى سوريا بشكل آمن.
- خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.
لكن، في سوريا، يجد الأميركيون أنفسهم في وضع صعب بين تنفيذ خطوة تشكيل القوة الحدودية الجديدة عبر مساعدة الكرد، وبين خسارة حليفهم الاستراتيجي التركي، وبين - وهذا هو الأهم - الوقوف على الحياد وخسارة حضورهم شرق الفرات الذي يؤمن لهم دورا رئيسا للحفاظ على مصالحهم في سوريا.
في الواقع، الولايات المتحدة تعرف أن مسار الحل يمرّ عبر الشراكة بينها وبين روسيا وأوروبا، لكنها في الوقت نفسه، لا يمكن أن تتنازل إلى درجة تسمح للكرملين باكتساب شرعية دولية في توزيع الحصص في المنطقة.
* أما روسيا، تسعى من أجل تحقيق عدة أهداف:
- حماية مصالحها بالوصول إلى المياه الدافئة.
- حماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية الكبيرة في سوريا، وخصوصا القاعدة العسكرية في طرطوس.
- الحفاظ على المصالح الاستراتيجية عبر تأكيد موسكو أنها لا تزال قوة يعتد بها على الساحة الدولية.
- قتال الجماعات المتطرفة.
- عمليات استعراض الأسلحة في سوريا يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي.
- تحقيق حلمها التاريخي بوجودها كقوة أرثوذكسية في المنطقة منذ الإمبراطورية العثمانية.
إن الدور العسكري الروسي في سوريا تحوّل من مجرد دور حصري محدود في المكان لإنقاذ آخر ما تبقى من نفوذ روسيا خارج حدودها، إلى نظام مرجعي على مستوى الشرق الأوسط يوازن بين دول المنطقة.
لكن روسيا وحدها لا تستطيع فرض حل، كما أنه ليس هناك حل دبلوماسي في الأفق. والواقع أن مصالح الدول الفاعلة في سوريا متضاربة إلى حد كبير. فبعدما كانت الأنظار متجهة الى العمليات التركية العسكرية على الحدود مع سوريا، حدث تحول في المشهد والأولويات واتجهت الأنظار الى حدود فلسطين المحتلة مع سوريا، ونشأ وضع متفجر يمكن أن يتدحرج الى الحرب إذا لم توضع له ضوابط أميركية - روسية.
في الوقائع أولا: جاءت التطورات متسارعة بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مركزا للبحوث العلمية في ريف دمشق، لكن الدفاعات الجوية السورية تمكنت من إسقاط طائرة إسرائيلية متطورة من طراز "أف-16"، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ نحو أربعين عاما.
ثانيا: في الخلفيات والظروف المحيطة، فإن الاشتباك الجوي يعكس وضعا شديد التعقيد ومتداخلًا في خيوطه الدولية والإقليمية على أرض سوريا وفي أجوائها، فثمة صلة غير مباشرة بين سقوط طائرة "سوخوي" الروسية وسقوط طائرة "أف16" الإسرائيلية.
في الحقيقة ثمة وضع جديد نشأ: سوريا وحلفاؤها أعلنوا أن القرار اتخذ بالمواجهة والتصدي لأي هجمات واعتداءات إسرائيلية، وأن الوضع تغيّر من الآن فصاعدا، و"إسرائيل" التي وصلتها الرسالة، باتت الكرة في ملعبها وعليها أن تقرر بين وقف الغارات مع ما يعنيه ذلك من اعتراف بقواعد جديدة تحد من نفوذها، أو مواصلة الغارات مع ما يعنيه ذلك من خطر نشوب حرب أو مواجهة يصعب التحكم بمجرياتها ومسرحها.. مواجهة يعرف الجميع كيف تبدأ ولكن أحدا لا يعرف كيف تنتهي.. فهل ستشهد المنطقة إعادة تنشيط الصراعات القديمة، وإعادة تحديد التحالفات؟ مما يفتح الباب أمام صراعات جديدة، إنها مقدمات حرب إقليمية دولية عناصرها متوافرة ولكن وقوعها محظور وربما مستبعد.