لماذا يحذر لافروف أمريكا من البَقاء في سوريا؟
عندما يُعلِن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن لدى بِلاده شُكوكًا بأنّ أمريكا تُريد إبقاء قُوّاتها في سوريا لفَترةٍ طَويلة، وحتى انْتهاء المَهام العَسكريّة، وتُطلِق عمليّة سياسيّة مُستقرة مَقبولة للجَميع، أي انتقال السُّلطة، فهذا يَعني تغيير النِّظام، فإنّ هذا ربّما يُشكّل تحذيرًا روسيًّا واضِحًا تتم تَرجمته عَمليًّا في اتّخاذ خَطوات أمنيّة، وربّما عَسكريّة لزعزعة هذا الوجود الأمريكي في المُستقبَل المَنظور.
ما يُقلِق الرُّوس والأتراك والإيرانيين، والسُّوريين بطَبيعة الحال، أن المُخطّط الأمريكي لإنشاء دولة، أو ما يُشبِه الدَّولة الكُرديّة، شَرق الفرات، وحتى الحُدود العِراقيّة بات يتبلور بِشَكلٍ مُتسارع، وكانت المَجزرة التي ارتكبتها الطَّائِرات الامريكيّة قبل أُسبوع شَرق دير الزور، واسْتهدفت مَجموعات مُسلّحة مُوالية للسُّلطات السوريّة، تأكيدًا لهذا القَلق وتَجسيدًا لهذا المُخطّط في الوَقت نَفسِه.
لا نعتقد أن تزامن تَصريحات وزير الخارجيّة الروسي مع أُخرى أدلى بِها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقال فيها أنّه لا يَحِق لأحد التذرّع بتنظيم "داعش” للبَقاء في سوريا والعِراق، جاءَ من قبيل الصُّدفة، وإنّما في إطار تفاهُم تُركي روسي أيضًا، خاصة أن هذا التّزامن في التّصريحات يأتي قَبل يومين من زِيارة ريكس تيلرسون، وزير الخارجيّة الأمريكي لأنقرة، وهي زِيارة سَتكون حاسِمة في الكَثير من القَضايا.
الخِلافات تتفاقَم بين تركيا وحَليفها الأمريكي لأكثر من 70 عاما، وباتت تُؤشّر إلى تَزايد احتمالات صِدام عَسكري بين الطّرفين يَنتظر الشّرارة فقط، وقد تأتي بعد خِتام زيارة الوزير تيلرسون وانعِكاسًا لنتائِجها، حتى يَستبعد الكثير من الخُبراء تَبديد حالة التوتّر، والتوصّل إلى "تفاهمات” تُبقي شَعرة مُعاوية.
الجِنرال الأمريكي بول فونك الذي يتزعّم القوّات الأمريكيّة في سوريا أطلق تَصريحًا استفزازيًّا للأتراك، يوم أمس قال فيه "إذا ضَربتمونا سنرد بعُدوانيّة.. سَنُدافِع عن أنفسنا”، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز” التي نَشرت هذه التحذيرات، أو التهديدات، على وَجه الدقة، أنّها رسالة لتركيا التي هددت بِضَرب القوّات الأمريكيّة إذا لم تَنسَحِب من مَنبج.
الرئيس رجب طيب أردوغان لم يَنتظِر طَويلاً وبادر بالرد فورا على هذه التّهديدات عِندما قال "مِن الواضِح جِدا أن من يَقولون سنَرد بِقُوّة إذا ما ضَربونا لم يُجربوا في حياتِهم صَفعة عُثمانيّة”.
مُعادلات القُوة تتغيّر أيضًا على الجَبهة الأمريكيّة الروسيّة في سوريا، وربّما نَرى مِحورا سِياسيًّا عَسكريًّا ثُلاثيًّا روسيًّا تُركيًّا إيرانيًّا يَنبَثق عن قِمّة إسطنبول التي ستُعقد بعد أيّام مَعدودة من زِيارة تيلرسون للعاصِمة التركيّة، يكون هَدفه الرئيسي الوجود العَسكري الأمريكي في سوريا والعِراق بِكُل الطُّرق والوَسائِل.
تحذير لافروف من قِيام دولةٍ كُرديّة في شَمال سوريا يُفنّد الكَثير من النّظريات التي تَقول تَلميحا أو تصريحا، بأن روسيا لا تُعارض قِيام هذهِ الدولة، وأن تَحالفها مع الأكراد تحالف استراتيجي، ويُعزز وِجهة النّظر التي تُؤكّد أن تركيا باتت هي الشَّريك الاستراتيجي لموسكو.
زيارة تيلرسون لأنقرة سَتكون حاسِمة، فإمّا المُواجهة التركيّة الأمريكيّة في منبج وشمال سوريا، أو إصلاح العَلاقة، ونَحن لا نَستبعد الخِيار الأوّل، لأن العَلاقات التركيّة الأمريكيّة وصلت إلى مَرحلة مِن الانهيار وانعدام الثِّقة بحيث باتت تَستَعصي على الإصلاح.
"رأي اليوم”