سامي كليب يكشف عن ما ينتظر المنطقة!
سامي كليب
رحب لبنان بزيارة دايفيد ساترفيلد القائم بأعمال وزير الخارجية الاميركي، وسوف يرحب أيضا بعد فترة قصيرة بوزير الخارجية ريكس تيلرسون.. لبنان كما كل الدول العربية المعتدلة او غير المعتدلة يعتبر أن العلاقة القوية مع واشنطن هي الاساس.
وبما أن الذاكرة العربية بشكل عام قصيرة، فلا شك أن الجميع نسي موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قرار قديم للكونغرس يقضي بنقل السفارة الأميركية الى القدس واعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. تماما كما نسي الجميع ان الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق أحدث أسوأ كارثة دموية في أواخر القرن الماضي وأسفر عن قتل نحو مليون عراقي وربما اكثر من نصف مليون طفل ناهيك عن نهب الآثار وتقسيم البلاد واغتيال أبرز العلماء.
نعم العلاقة مع واشنطن هي الاساس.. وكل القضايا تسقط اذا ما فتحت أميركا أبوابها لاي دولة. لا العرب اقتنعوا بإمكانية الاعتماد على طرف آخر، ولا الأطراف الأخرى وفي مقدمها روسيا استطاعت حتى الآن ان تقدم بديلا فعليا للتخلي عن العلاقة مع أميركا ربما لان فوبيا تفكك الاتحاد السوفياتي لا تزال متحكمة بالعقول والنفوس… صحيح أن الرئيس فلاديمير بوتين يجاهد لتقديم نموذج ناجح في سوريا لسياسته الرافضة التدخلات الخارجية والقول بأنه يستطيع أن يحمي اي دولة اذا ما قرر ذلك، لكن ما نشهده هذه الايام من عرض عضلات أميركي ومن غض طرف عن الغزو التركي ومن صمت على اعتداءات إسرائيل على سوريا وعلى حزب الله والقوات المدعومة من إيران على الأراضي السورية، ومن إسقاط لأحدث طائرة روسية، يشير بوضوح الى محدودية التحرك الروسي وعدم القدرة على إنهاء أزمة دون التعاون مع أميركا.
حاليا يستعد بوتين للانتخابات الرئاسية المقبلة ولا يريد لاي عقبة ان تقف في طريق ولايته الجديدة شبه المضمونة حتى الآن. نقول شبه المضمونة لان لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور الأوضاع في ما بقي من وقت قبل شهر آذار/مارس المقبل . تعرف أميركا جيدا هذا الأمر وتضغط بإتجاهات ثلاثة، أولها على الداخل السوري عبر التواجد والتحرك العسكريين المباشرين، وثانيها من خلال تحذير بوتين من التدخل في انتخابات الكونغرس مع ما تخلل ذلك من فرض عقوبات جديدة، وثالثها عبر تكثيف التحركات لإقناع بوتين او الضغط عليه لإنهاء الوجود الإيراني وحزب الله في سوريا بالتنسيق المباشر مع إسرائيل والا فإن ورقة الكيماوي جاهزة لتبرير قصف الجيش السوري وربما اكثر .
في هذه الاجواء بالضبط تأتي الزيارات الأميركية الى لبنان متزامنة مع ٣ خطوات إسرائيلية: الاعتداء على سوريا، القول بأن البلوك النفطي اللبناني رقم ٩ تابع لها، وتكثيف إجراءات إقامة الجدار العازل الحدودي.
لبنان الذي تعرض لضغوط أميركية هائلة على مصارفه لتجفيف المصادر المالية لحزب الله وأحداث جو نفسي لبناني ضاغط على الحزب، يشارف على انهيار اقتصادي كبير ما لم يباشر بوضع خطة فعلية لوقف نزيف الديون . لذلك فهو وجد في الوساطة الأميركية بينه وبين إسرائيل حول النفط والحائط مخرجا مقبولا لا بل مطلوبا أيضا لمنع التصعيد . ذلك أن التصعيد العسكري هذه المرة سيكون خطيرا جدا على لبنان وإسرائيل وسوريا وسيعرض لبنان لافلاس حتمي.
اعتقد شخصيا ان ساترفيلد وكذلك تيلرسون يأتيان الى لبنان في لحظة دقيقة تسبق الانتخابات المريحة لحزب الله وحلفائه. هو يريد أن يقول للبنان، ان الرفاهية النفطية لن تحصل طالما لحزب الله موقع الصدارة، وأن أي خطوة من قبل الحزب ضد إسرائيل تعني نقل لبنان الى محور الشر وبالتالي حلول الغضب الأميركي والغربي عليه . وجاء يقول أيضا أن أميركا تبقى الاساس وان على الجميع نسيان القدس وفلسطين والاهتمام بشؤونهم الداخلية.
لقد نجحت أميركا الى حد بعيد في فرض هذه المعادلة على كل الدول العربية. والجميع حاول التقارب معها خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. ومن يقرأ محاضر اللقاءات بين المسؤولين والموفدين الأميركيين إلى سوريا منذ عهد الرئيس حافظ الأسد حتى السنوات الأولى للرئيس بشار يدرك أن الطلب الأميركي الأهم هو القبول بدولة إسرائيل كامر واقع ووقف كل مقاومة فلسطينة او لبنانية ضدها.
اما وقد سلمت أميركا القدس لإسرائيل ونقلت سفارتها اليها، فهذا اهم واخطر تحدي للعرب والمسلمين والمسيحيين، وطالما أن الاعتراض عليه كان لفظيا، او انه يتم فقط من خلال بعض شبان فلسطين بلحمهم العاري، فإن من مصلحة لبنان ان يفكر مليا قبل الدخول هذه المرة بحرب ضد إسرائيل، لأنه لن يعرف تماما هذه المرة هل سيكون العرب الى جانبه أم الى جانب إسرائيل.
لنكن واقعيين ، صحيح أن القسم الأكبر من الرأي العام العربي لا يزال يحب فلسطين ويناصرها بالتظاهرات. لكن الصحيح أيضا أن هم النظام العربي من المحيط إلى الخليج (الفارسي) ومن المشرق الى المغرب هو رضى أميركا عنه وليس القدس.. ولا فلسطين.
لو كان الأمر غير ذلك لكانوا طردوا السفراء الأميركيين من دولهم بعد إعلان نقل السفارة الى القدس، أو رفضوا استقبال مسؤول أميركي، أو كانت التظاهرات الغاضبة قد عمّت اي عاصمة يزورها ساترفيلد او تيلرسون.. كفانا استخفافا بالعقول.
اميركا لا تزال الأقوى في عقول وقلوب القادة العرب.