ثورة وشعب يتجدد كل عام !!
عامر الحسون
مرة اخرى يستعرض الايرانيون عنفوانهم وكبريائهم وحسهم الوطني وشعورهم العالي،في بيعة مجددة مع الثورة الاسلامية وهي تودّع عامها ال ٣٩ لتضيء شمعتها الاربعين ، وبذا تجتاز ربيعاً جديداً تقضي معه اربعة عقود من الجهاد والاستقامة والصمود والتنمية والاستقلال .
رغم كل الضغوط والتحديات والمؤامرات التي ما انفكت تطوّقها منذ انبثاقتها الاولى عام ١٩٧٩ وما حرب الثمان سنوات واصطفاف الشرق والغرب والاقليم ضدها آنذاك ، كما عربدة (امريكا - ترامب) وأذنابها من بني صهيون وآل سعود اليوم، إلاّ مظهراً ومحطة في مسيرة لم تعرف الرضوخ واليأس والاستسلام ..
الملايين الايرانية رسمت اليوم وعِبر مسيرات حاشدة، كان المرشد الاعلى السيد علي الخامنئي قد توقعها قبل ايام - وفي ذلك دلالات عميقة - رسمت لوحة زاهية من الوفاء والحضور والبيعة والاحساس العالي والشعور الوطني الرفيع، الذي قد لا نجد له نظيراً بين الشعوب وعلى امتداد التاريخ !
ولست مبالغاً فيما ذكرت ، فبلد كايران عانى ولا يزال من اسوأ الحروب والمؤامرات والاغتيالات والضغوط والحصار والتكالب ، سياسياً وأمنياً واقتصادياً ، فدفع من دماء ابنائه وقوت حياته ورفاهية شعبه الأثمان وما يزال ، كان مُبَررَاً أن نجد شعبه نافضاً يديه من ثورته وحكومته ورجال حكمه ، بعد هذه الأعوام، لكننا وجدنا ورغم كل ذلك ، التحاماً جماهيرياً قل نظيره ، مما يؤشر وعياً ونباهة وادراكاً ، جعل الشعب يُميّز بين ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا وبين ما تطلبه الحاجة الفردية او المجتمعية ، والمعيشية !
وبالتالي فانه بحق شعب حيٌّ استحق بجدارة ان يوصف بما ذكرت اعلاه ، بَرهن لمرات عديدة ومنها جولات الانتخابات المتعددة والقوية بنسب المشاركة ، انه يُدرك الزمان والمكان ولم يفقد البوصلة ، تحت ضغط وألم الظروف الصعبة التي يمرّ بها .
شعب يتمتع بحنكة وصبر وطول أناة ، وشعور عالي بالمسؤولية، وإن أخطأ معه بعض حكامه او فشلوا او أُفشلوا في تحقيق بعضٍ من طموحاته ، لكنه في النهاية ومع مضي كل هذه السنين وتنوّع الاجيال والملل والطوائف والمذاهب ، التي تشكل بحد ذاتها ، تحدياً وجودياً ومجتمعياً ، خاصة مع استثمار الاعداء في ذلك ، لكننا نجده ، يحقق مديات رفيعة من الحصانة الوطنية والامن القومي والاندكاك الثوري !! الذي يُعطي لمسيرة الجمهورية الاسلامية دفعاً وطاقة متجددة ، هي بأمسّ الحاجة لها في مواجهتها المفتوحة والمتصاعدة مع الارادات الشريرة في العالم وعلى رأسها امريكا والصهيونية و...
كثيرون - وعلى مدى العقود الاربعة المنصرمة - عوّلوا وراهنوا وخططوا واستثمروا وانفقوا وباشروا على امحاء او الانقضاض او تطويق او تطويع او تدجين الثورة الاسلامية وجمهوريتها ، لكن احلامهم تبدّدت وآمالهم تحطمت على صرخة صمود ومقاومة هذا الشعب وهذه الجمهورية !!
ولم يكن ذلك شعاراً او زعماً فارغاً ، انما هو حقيقة ملموسة على الارض وما الحضور الشعبي الملحمي اليوم في عموم ايران ، إلاّ شاهداً على ذلك !
ولم يكن ذلك بالامر اليسير ، فحصاد التضحيات التي أمّنت النظام وهو اليوم يدخل عامه الاربعون، كان عشرات الالاف من خيرة ابنائه ونخبه وساسته ورجالاته ، أضف الى ذلك تفويت الفرصة عليه لتحقيق التنمية المنشودة والاستمتاع بخيراته وموارده ، لكنه في المقابل حقق ما كان يصبو اليه من عزة وكرامة واستقلال وحضور مؤثر في المعادلات الدولية ، وهذا ما يجعل الشعب الايراني - رغم ما عاناه ويعانيه من تدهور اقتصادي نسبي - متمسك بل ومتشبث بحماية ثورته ودولته في ظاهرة فريدة قل نظيرها !!
الرئيس روحاني وفي احتفالية ذكرى النصر البهمني(شباط٧٩) وامام مئات الالاف من الطهرانيين في ساحة الحرية بالعاصمة اليوم ، استعرض قائمة طويلة من الانجازات التي تحققت طيلة عقود الثورة وعلى عهد حكومته وخاطب جماهيره بالقول ؛ (العالم - ويقصد اعداء ايران - أجهد نفسه طوال العقود الماضية على اخضاعنا والاساءة لنا والتضييق علينا والتآمر ضدنا ، ولم يجن سوى الخيبة ، فايران أضحت اليوم سيدة نفسها تمتلك التقنية النووية بكل تفاصيلها ، أحرزت المراتب العلمية المرموقة عالمياً ، حققت الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية الستراتيجية ، تصنع كل متطلبات الامن والردع العسكري ، تُتنج كل منظومات الدفاع الصاروخي والطائرات المُسيّرة والبوارج والغواصات الحربية) ، واضاف: (حققنا الاكتفاء الذاتي في انتاج الكازوئيل وسنكون هذا العام من مصدري البانزين ، حققنا ولاول مرة مستويات انتاج واستخراج عالية للغاز تفوق قطر في الحقل الغازي المشترك في المياه البحرية ، استرجعنا حصتنا في اسواق النفط العالمية ، شاركنا اصدقائنا في القضاء على الارهاب وتطويقه ، منعنا مؤامرات تقسيم بلدان صديقة كالعراق ، حققنا افضل حضور وتأثير في المحافل الدولية ، أفشلنا خطط امريكا في اثارة الفوضى في بلادنا ).
نعم هذه هي الجمهورية الاسلامية بعمامتها ونظامها وجماهيرها ، تنتصر لنفسها اليوم في عيدها التاسع والثلاثين وهي أصلب عودا واقوى عزيمة وأشد خطراً على اعدائها ..
لم تكل ولم تخنع ولم تجترّ مآسيها ولم تتوقف عند كبواتها ، ولم يجلد اهلها حكامها حد الانتحار ، كما لم تُطأطأ رأسها طمعاً لمغنم وهمي وسراب لا خير فيه سوى مزيد من الذل والتبعية والخديعة !!
فيا احرار العالم ! ويا شعوباً حرّة تتوق الى الاستقلال والكرامة والازدهار ، عليكم بقراءة وتأمل التجربة الايرانية بحلوها ومرّها ، ففيها الكثير مما ينفع قرّاء التاريخ والمنتفعين من سيرته ...