kayhan.ir

رمز الخبر: 71597
تأريخ النشر : 2018February12 - 20:29

الرئيس الأسد يرفض الرسائل التركية.. الجيش السوري إلى الغوطة الشرقية


إيلي حنا

تعمل دمشق وفق أجندتها الخاصة بالتنسيق والتشاور مع حلفائها، وبمرونة «تناور» بين الاتفاقات الخارجية الكبرى من دون الاستسلام لها. ورغم أنها تتفهّم وتستوعب مقدار تأثير كل طرف، لكنها في النهاية تضع خططها على الطاولة وتعمل على تنفيذها عندما تستطيع.

وفي هذا المجال، يؤكد الرئيس بشار الأسد أن إطلاق عمليات جديدة سيحصل «كلما كانت هناك جاهزية له». ولذلك، مع التقدم الضخم في مثلث حلب ــ حماة ــ إدلب حيث منطقة «خفض التصعيد»، توقفت العمليات، لكن القيادة السورية وضعت أمامها سريعاً «ملفاً مغلقاً» منذ مدة طويلة: قوات إدلب تنتقل إلى الغوطة الشرقية لبدء عمل عسكري

كلما ضاقت محاور القتال في سوريا يرتفع منسوب التوتر على خطوط التماس في الميدان والسياسة. داخل «مثلث أستانا» التركي ــ الإيراني ــ الروسي تناقضات لم تصل حدّ الطلاق. فالأطراف الثلاثة لديها ما يكفي من المشتركات، أساسها الصراع مع الرؤية الأميركية للحرب (وما بعدها) في سوريا. الغزو التركي لعفرين، المغطّى من موسكو، قوبل بردّ غير متوقع من دمشق، رغم أنها غير قادرة حالياً على منعه، خاصة مع فشل محادثات حميميم في سبيل إقناع «وحدات حماية الشعب» الكردية بدخول الجيش السوري عفرين وتجنيب المنطقة الحرب.

القيادة السورية رفضت أيّ نوع من التواصل مع الجانب التركي. «حاول الأتراك التواصل معنا وأرسلوا عدة رسائل قبل الهجوم على عفرين عبر موسكو، لكن رفضنا ذلك وأبلغنا الروس أن أيّ تحرك تركي سيعتبر قوات احتلال»، وفق ما قال الرئيس بشار الأسد لزوار قبل أيام. استطاعت دمشق إقناع موسكو برفض استخدام أنقرة لسلاح الجو، «لأن الأجواء المفتوحة للأتراك تعني مستقبلاً فتح شهيتها لضربات في مواقع مختلفة من البلاد»، أضاف الرئيس السوري.

هذا الموقف من استخدام المجال الجوي انعكس على سير عملية «غصن الزيتون»، وهو ما جعلنا نرى بعد أكثر من 20 يوماً على بدء القتال تدمير عدد كبير من المدرعات التركية على يد «الوحدات»، وفشل الأتراك في تحقيق أي خرق كبير في الميدان، اعتماداً على ضربات المدفعية.

ورغم أن قيادة الجيش التركي قد أعلنت في بياناتها، خلال أول أيام العملية، تنفيذ ضربات جويّة، فقد مرّت الأيام الأخيرة من دون ذكر لأي من تلك الضربات، وهو أمر ربطه مراقبون أيضاً بالتوتر الذي ولّده إسقاط القاذفة الروسية «سو 25» فوق ريف إدلب، في منطقة تحسب فصائلها على تركيا، مع تحميل موسكو أنقرة (هذا ما عبّرت عنه لدمشق وطهران) مسؤولية إسقاط الطائرة من قبل «هيئة تحرير الشام»، بسبب رفض الأولى استخدام الأتراك لسلاح الجو في معركة عفرين.

وتزامن ذلك أيضاً مع ما نقلته وكالة «رويترز» عن قائد عسكري من القوات الرديفة للجيش السوري، بشأن نشر الجيش وحدات دفاع جوي جديدة وصواريخ مضادة للطائرات في الخطوط الأمامية في ريفي حلب وإدلب، بشكل «يغطي المجال الجوي في شمال سوريا».

دوائر القرار في دمشق تعمل على مراعاة «الحساسيات الدولية» وعدم الدخول في معارك لا تريدها حالياً «لكنها لا تتشاور سوى مع إيران وروسيا بما يخص الأوضاع لديها»، وفق ما أوضح الأسد لضيوفه. وأضاف أن الجانب السوري يركّز حالياً على إعادة بناء الجيش وتعزيز قدراته، مع بقاء أمر إطلاق عمليات عسكرية جديدة «كلما كانت هناك جاهزية» لها. على الأرض، استطاع الجيش السوري تحرير منطقة ضخمة في مثلت أرياف ادلب ــ حماة ــ حلب منذ إطلاقها المعركة في منتصف كانون الأول من العام الماضي. أكثر من 3500 كيلومتر مربع سيطر عليها، عبر دخول قرى وبلدات شرق وغرب سكة قطار الحجاز، والوصول إلى بعد نحو 14 كيلومتراً عن بلدة سراقب.

ومع التقاء القوات المتقدمة من ريف حلب الجنوبي مع تلك في ريف إدلب الشرقي وريف حماه الشمالي الشرقي، تواصلت التحضيرات من جبهة الحاضر (ريف حلب) والتحشدات قرب أبو الضهور، بما وضع بلدات على طريق حلب ــ دمشق الاستراتيحية تحت مرمى النيران وداخل الخطط العسكرية.

سارعت أنقرة إلى تلقّف كرة النار المتدحرجة ومحاولة تثبيت الوضع القائم، مستندة إلى تفاهمات أستانا التي وضعت تلك المنطقة ضمن مناطق خفض التوتر، والأهم أنها «خزانها» الأهم ومكان «الكباش النهائي»، وهي تريد هدوءاً في تلك الجبهة منعاً لمزيد من الارتباك في معركة عفرين حيث تحشد قوات سورية من إدلب. وهي أرادت طمأنة الفصائل المسلحة الموجودة في محور العيس إلى أن الجيش وحلفاءه لن يشنّوا أيّ عملية عسكرية ضدهم، ولذا استعجلت تلك الفصائل وصول الأتراك إلى العيس لمنع الهجوم المحتمل.

بلدة العيس مطلة على الطريق الدولي، وهذا يمنحها أهمية كبرى؛ ففي اتفاق أستانا ثمة بنود تتعلق بنشر قوات مراقبة تركية على الطريق نفسه، وإذا سقطت العيس سقط الطريق ومعه تلك النقاط، وبالتالي يسقط جزء مهم من «الاتفاق».

ووفق معلومات «الأخبار»، أبلغ الجانب الروسي دمشق «ضرورة وقف العمليات حفاظاً على مخرجات أستانا»، وأيضاً أفاد القوات السورية العاملة على الأرض هناك بقراره. توقف العمليات في «المثلث» جاء متأخراً بالنسبة إلى تركيا، إذ لم يكن من المتوقع لديها أن تتخطّى القوات السورية خط سكة الحجاز، وعند دخول قواتها نقطة العيس لوضع نقطة مراقبة، ووجهت بإطلاق قذائف عليها، ما أجبرها على الانسحاب (30 كانون الثاني).

ثم عاد الضغط الروسي، ليتم إقرار وقف العمليات والعمل على تثبيت الإنجاز، والتوجه نحو تطهير الجيب «الداعشي» في ريف حماه. إذاً، في الخامس من شباط، ثبّتت القوات التركية نقاط مراقبة في العيس، كما من المتوقع أن تنتشر أيضاً في مطار تفتناز وفي سراقب وفي منطقة الشيخ عيسى شمال جسر الشغور. وفي موازاة ذلك، وضع الجانب الإيراني نقاط مراقبة في ريف حلب الشمالي على حدود عفرين. وهو يعمل من هناك على دعم منطقة عفرين بالمواد الغذائية والطبية، وجاء إطلاق النار نحو القوة التركية أول مرة في العيس ضمن هذه الأجواء.

ومع تعزيز أنقرة لوجودها في ريفي حلب وإدلب، وقُرب انعقاد قمّة ثلاثية رئاسية بين روسيا وتركيا وإيران، في اسطنبول، لتعزيز نتائج مساري «سوتشي» و«أستانا»، يتجه الوضع في إدلب ومحيطها نحو ضبط لإيقاع الميدان وتجميد الخطوط العسكرية. وهو ما ركّز عليه اتصالا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيريه الروسي والإيراني، إذ أفاد المصدر في الرئاسة التركية بأن أردوغان ونظيره فلاديمير بوتين اتفقا خلال مباحثاتهما أمس على «تسريع» إقامة مواقع مراقبة جديدة في محافظة إدلب، في إطار إحدى مناطق «تخفيض التصعيد». الحساسية العالية لمنطقة إدلب ومحيطها، وما وصلت إليه نتائج العمليات، جعلا القوات العاملة هناك (الثقل الأساسي بقيادة العميد سهيل حسن) تبدأ التحضيرات للتوجه نحو جبهات الغوطة الشرقية، حيث ستبدأ عمليات تسهم في قضم جزء أكبر من البلدات المحيطة بالعاصمة دمشق، التي لا تزال تستقبل أحياؤها قذائف وصواريخ يومياً.

معركة الغوطة هي جزء من خطة مؤجلة، تهدف إلى تشديد حماية العاصمة، وإلى تضييق الخناق أكثر على البقعة الكبيرة الأخيرة التي يسيطر عليها المسلحون من «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن و«هيئة تحرير الشام» وغيرها من الفصائل. وهي معركة حاولت الفصائل التأثير على انطلاقها عبر المعارك المتجددة التي فتحتها على جبهة إدارة المركبات، التي تشكل نقطة متقدمة في محيط حساس ومهم، يضم مدينتي حرستا وعربين، وبلدات أخرى.

قصف أميركي يستهدف حلفاء الجيش

استهدفت طائرات التحالف الأميركي، فجر أمس، عدة مواقع تتمركز فيها قوات حليفة للجيش السوري في ريف دير الزور، شرق نهر الفرات. وفي معلومات «الأخبار»، فإن هذه الضربات جاءت إثر عمل تلك القوات على التقدم نحو المنطقة الصناعية في دير الزور، واستهدافها بالقذائف محيط نقاط لمجموعات محلّية عربية تعمل مع القوات الأميركية في المنطقة، وذلك بهدف تحذيرها وإيصال رسالة بأن عليها الانسحاب من تلك المنطقة. وبالتوازي، كانت قوات أخرى تعمل مع الجيش السوري تتحرك من الطابية شرقاً نحو جديدة عقيدات، لتعمل واشنطن على استهداف نقاط خلف القوات المهاجمة تضم مرابض مدفعية وتحشدات أخرى، ما تسبب في سقوط عشرات الضحايا (بين شهداء وجرحى)، على عكس الرقم الذي تتناقله بعض التقارير الإعلامية عن وقوع أكثر من «مئة قتيل».

كذلك أصيب في القصف، حسب معلومات «الأخبار»، عدد من عناصر القوات الروسية العاملة في تلك المنطقة مع الجيش السوري.

وتعيد هذه الضربة التذكير بما جرى في محيط التنف سابقاً، عندما واصلت قوة من القوات الحليفة لدمشق التقدم باتجاه نقاط تعتبرها واشنطن «تهدّد أمن» قواتها، وهي كانت أبلغت حينها موسكو سابقاً أنها ستهاجم أي قوة تتقدم. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس، أن القوات الحليفة للجيش السوري «لم تطلع الوحدات الروسية على مهمتها في المنطقة»، غير أنها قالت في الوقت نفسه إن «هذه الحادثة تثبت مرة ثانية أن الهدف الحقيقي من الوجود العسكري الأميركي غير القانوني في سوريا ليس مكافحة تنظيم داعش، بل السيطرة على المواقع الاقتصادية في سوريا».