الرضوخ الأميركي أمام إيران
غالب قنديل
... ورضخت الإمبراطورية الأميركية أمام إيران وحقوقها النووية بقرار الرئيس المتنمر دونالد ترامب وبعد فترة من التصعيد والتهديد والغوغائية أرغم الرئيس اليميني الأهوج على تمديد تجميد العقوبات بموجب الاتفاق النووي الذي هدد بتمزيقه وإلغائه منذ حملته الانتخابية.
إنها القوة القاهرة للتوازنات والمعادلات والصانع الفعلي لحسابات المؤسسة الحاكمة التي دجنت دونالد ترامب وفرضت عليه مجلسا عسكريا هو المصدر الفعلي للقرار الإمبراطوري ووضعت حدا للتهديدات وأملت عليه تمديد تجميد العقوبات تماما كما فرضت عليه الرضوخ لحقيقة القوة الكورية والكف عن الصراخ والتهديد بعد انكشاف قوة الردع التي يستند إليها القائد الكوري الصلب كيم جونغ اون وشعبه الفذ الصامد.
إيران فرضت الاعتراف بحقوقها النووية في اتفاق وقعته مع الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة التي استهلكت مؤسستها الحاكمة جهود جناحها العسكري والمخابراتي بجميع قدراتها وقدرات الحكومات التابعة في المنطقة واستنفذت سبل تجريب لي ذراع إيران ومحاصرتها.
قبل أيام كان الوهم يطوف مواقع القرار في واشنطن وجميع العواصم الإقليمية التابعة حول فرص متوهمة للنيل من إيران ودفعها في طريق الاستسلام للمشيئة الاستعمارية وتساقطت الأوهام سريعا وتبدت سيناريوهات الهذيان الأميركي والسعودي بمثابة خطاب هستيري لا قيمة له امام صلابة القيادة الإيرانية ومتانة تمسك الشعب الإيراني باستقلاله وحريته وقدرته على التفاعل مع مؤسسات الجمهورية ومن خلالها بما يحمي الاستقلال ويعزز التماسك الوطني.
إيران القوية انبثقت من قلب الحصار والضغوط والحروب والتهديدات طيلة أربعين عاما واستطاعت بقدراتها الذاتية ان تطور جيشا من المبدعين والمهندسين الذين أتقنوا أرقى التقنيات الصناعية في العالم وطوعوها لصالح بلدهم والبرنامج النووي الإيراني هو مفتاح ثورة علمية وصناعية قادمة تنقل إيران بثرواتها وقدراتها إلى دولة من مصاف الدول العظمى التي تثير الشراكة معها شهية متفاقمة في الغرب وخصوصا في الولايات المتحدة لكن ترامب الصهيوني يعاكس تطلعات مجموعات اقتصادية اميركية عملاقة املت بعد الاتفاق النووي بمواسم تجارة وربح من طهران مثل شقيقاتها في الغرب الأوروبي ولا سيما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي تفلتت من بين الأصابع الأميركية في الموقف من النووي الإيراني بعدما كانت ممنوعة من التعامل مع إيران لسنوات طويلة بقوة الإرغام الأميركي.
جاء الاتفاق النووي بعد اختبار جميع البدائل وفي ذروة الحرب الاستعمارية على سورية التي وضعت إيران على قائمة استنزاف كبير وتحت تهديد عصابات الإرهاب التكفيرية متعددة الجنسيات التي استقدمت إلى سورية تمهيدا للانتقال بها إلى إيران والصين وروسيا.
توقيع الاتفاق النووي جاء تتويجا لملحمة صمود كبير شاركت فيه مع إيران سورية بدولتها وجيشها وشعبها وقائدها الرئيس بشار الأسد وسائر اطراف محور المقاومة التي قدمت مساهمات جليلة في بناء معادلات القوة التي أرغمت اعداء الشعب الإيراني على الرضوخ والتسليم بحقوقه الطبيعية من خلال الاتفاق الذي ثبت سقوط اوهام ترامب عن إمكانية إلغائه بل تبين ان قوة نووية إيرانية لا تقل اهمية وخطورة عن القوة الكورية القاهرة ستكون هي حصيلة قتل الاتفاق وفي كل ذلك وقفت إيران متشابكة مع حليفيها الشرقيين روسيا والصين وشركائها في محور المقاومة كما اتقنت مخاطبة مصالح الغرب الأوروبي المختنق بالركود ودقت إسفينا بين اوروبا والولايات المتحدة فكسبت الجولة بهدوء وثبات.
كما هو الرضوخ للقوة الكورية جاء الرضوخ للقوة الإيرانية وكلاهما كوريا وإيران بالنسبة لليمين الأميركي هما ما يسمى بالدول المارقة الموضوعة على رأس قوائم الاستهداف السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي.
معادلات القوة تثبت أصالتها وجذرية مفاعيلها وصعوبة المس بها ولا يعني اعتراف الإمبراطورية المتغطرسة ورضوخها تراجعا عن نهج العدوان والاستفزاز فالصراع مستمر والمحاولات قد تتكرر والمطلوب من معسكر الاستقلال والتحرر ان يجذر مواقع صموده وأن يبقى يقظا يطور مصادر قوته وبالنسبة لإيران يشكل البناء على قوة محور المقاومة وقدراته اهم ادوات الردع والتفوق للتغلب على خطط الاستعمار تماما كما يمثل الاستثمار في التنمية وترسيخ الاستقرار الداخلي بشتى الوسائل سبيل المناعة والقوة والحماية.
ينبغي الالتفات إلى اهمية الجغرافية الشرقية التي تقع فيها إيران الحرة حيث تتواجد القاعدة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين المحتلة والتي تحرك خيوط اللوبي الصهيوني وأدواته السياسية والمالية والإعلامية الأميركية المستنفرة ضد إيران بسبب موقفها التقدمي والريادي من قضية فلسطين وهي المدركة من زمن الثورة ان استقلال إيران وصعود نجمها عالميا رهن بالنيل من الكيان الصهيوني وغطرسته في مجالها الإقليمي الذي تنتمي إليه وهو ما جعل الالتزام بفلسطين وبمحور المقاومة بعدا تأسيسيا في تبلور هوية الجمهورية ودورها.