ايران خرجت بأقل الخسائر ، فماذا عن دول القمع والاستبداد العربية!
عبد الباري عطوان
توقفت الاحتجاجات في ايران التي انفجرت بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، لتبدأ في العديد من الدّول العربيّة التي تواجه شعوبها المعاناة نفسها، مضافا إليها غياب الحريات وارتفاع وتيرة القَمع واستفحال الفساد، وتفاقم معدلات البطالة في أوساط الشباب خاصة.
حكومات عربية عديدة احتفت بـ"المظاهرات الإيرانية" وهللت لها، وأوعزت لأجهزة إعلامها الرسمية وغير الرسمية لتسليط الأضواء عليها، ليس تعاطفا مع الشعب الإيراني، وإنما "كرها بالنظام الحاكم في طهران"، ونسيت هذه الحكومات أن شعوبها، أو معظمها تعاني من الأعراض نفسها، وأن انفجار احتقانها ينتظر عود الثقاب فقط في معظم الحالات.
تونس التي دخلت التاريخ الحديث كحاضنة للشرارة الأولى لثورات "الربيع العربي”، كانت السباقة في التقاط شرارة الاحتجاجات، وأفادت تقارير إخبارية عن اتساع دائرة الاحتجاجات في طبربة غرب العاصمة، ومدينتي القصرين وسيدي بوزيد، وسقوط "شهيد” برصاص رجال الأمن، يمكن أن يتحوّل إلى "بوعزيزي” آخر، رغم نفي السلطات رواية مقتله هذه، والتأكيد على أنها كانت بسبب الاختناق.
المتظاهرون التوانسة كانوا مثل أشقائهم السودانيين الذين نزلوا إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور احتجاجًا على اختفاء الخبز من المخابز، وارتفاع أسعاره، وتوقف المخابز لعدم وجود الدّقيق أساسا، قوات الشرطة تصدت للمتظاهرين، وحاولت تفريقهم بالقوة، أسوة بنظيرتها التونسية.
إذا كان العاهل السعودي قرر إنفاق 56 مليار ريال لشراء صمت موظفي الدولة والقطاعات العسكرية، ودفع ألف ريال لكل موظف كتعويض عن غلاء المعيشة، ورفع الدعم عن المحروقات والمياه والكهرباء، وفرض ضريبة القيمة المضافة، في خطوة استباقية لإمتصاص حالة الغضب المتضخمة، ومنع انفجارها في مظاهرات غير مسبوقة، فإن دولا مثل الأردن ومصر وتونس والسودان لا تملك مثل هذا "التّرف”، مثلما لا تملك نفطا أو غازا، ولا احتياطات نفطية، وإنما تملك جبالاً من الديون المتراكمة على شكل عشرات المليارات من الدّولارات.
دولتان تعيشان حالة من الغليان الشعبي بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة هما الأردن ومصر، وبدرجة أقل المغرب، ولعل وضع الأولى، أي الأردن، هو الأخطر، حيث رفعت حكومة الرئيس هاني الملقي الدعم عن جميع السلع الأساسية، و”حررت” سعر رغيف الخبز في السوق، في محاولة لتوفير الموارد المالية لسد العجز في الميزانية الذي وصل إلى ملياري دولار بسبب عقوق الدول الخليجية وعدم تنفيذ وعودها باستثناء دفع مليار دولار كمنحة سنوية على الأقل، علاوة على استفحال الفساد، وفشل نظام الجلب الضريبي، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء بشكل مرعب.
البرلمان الأُردني وافق على تقديم بدل نقدي مباشر للأُردنيين الذين يستحقون الدعم، ولكن لا توجد آلية كفؤة سواء لتحديد هذا البدل، أو كيفيّة تحديد الجهات التي تستحقه بدقة، مثلما يؤكّد الكثير من المراقبين.
الحلول الأُردنية المتوقعة لا تتمثل في التراجع عن الضرائب التي فرضتها الحكومة على أكثر من مئة سلعة، إلى جانب الكهرباء والمياه، وأخيرا الخبز، فهذا خيار "انتحاري”، وإنما ربما بالإطاحة بالحكومة التي فرضتها على الأرجح، وتحويلها إلى كبش فداء، وتحميلها المسؤوليّة، والإتيان بحكومة جديدة بصفحة ناصعة البياض، ولكن إلى حين، وقَد يتم اللّجوء إلى حل وسط، أي إجراء تعديل وزراء موسع يطيح بالوزراء المسؤولين عن زيادة الأسعار، لامتصاص حالة الغضب، ولكن خبراء اتّصلت بهم "رأي اليوم” رجحوا الخيار الأوّل وهو الإطاحة بالحكومة الحاليّة التي تفتقد للشعبية في أوساط المواطنين الأردنيين والنّخبة معًا.
الحال في مصر أكثر سوءا من نظيره الأُردني، لأن الإعلام في الأُردن يملك مساحة أوسع للتعبير عن معاناة الشارع، وانتقاد إجراءات التقشف الحكومية، مضافا إلى ذلك أن هناك برلمانًا يضم بعض النواب "المشاغبين” أو "المناكفين”، للحكومة، وينتقدون سياساتها، ويطالبون برحيلها، أمّا الإعلام في مصر فيرسم في معظمه صورة وردية للأوضاع المعيشية بطريقَة أو بأخرى، أما مجلس الشعب، أو برلمان الحكومة، فشبه مغيب، ويردد ما تريد قوله السلطات العليا، ومن غير المستبعد أن تنتقل "عدوى” الاحتجاجات الإيرانيّة إلى الشّارع المصري، رغم أنّه، أي الشارع، يعاني من الإنهاك من سنوات الاحتجاج والاعتصام في الميادين العامة، فالغلاء بات أصعب من أن يحتمل، والأسعار وصلت إلى معدلات فلكيّة مع تدهور الخدمات العامة، وانخفاض الأجور، وتفاقم معدلات البطالة.
إيران قد تكون خرجت من نفق الاحتجاجات المظلم بأقل الخسائر، ولا نستبعد أن تدخله دول عربيّة عديدة في المستقبل المنظور، وقد يكون نفقها في هذه الحالة طويلا، وأكثر ظلاما، لغياب الحريّات واستفحال القَمع والفساد.
فإذا كان الأُمراء تمردوا في دولة غنيّة مثل السعودية، واعتصموا في قَصر الحكم احتجاجا على خفض الدّعم عنهم، حسب الرواية الرسمية، فكيف سيكون حال الشعوب في السعودية (المنحة الشهرية لم تشمل موظفي القطاع الخاص وهم الأغلبيّة ولا الوافدين)، وجوارها العربيّ.
نترك لكم إكمال بقية القصّة.