’اصحاب الرايات البيضاء’ واجندات التأزيم بعد ’داعش’!
عادل الجبوري
فجأة، ومن دون مقدمات، ظهر اسم جديد لتشكيل ارهابي، هو "اصحاب الرايات البيضاء"، وانشغلت المحافل السياسية، ووسائل الاعلام، والاوساط الشعبية، بهذا الاسم الجديد، لتختلط مشاعر الفرح والابتهاج بقرب انتهاء تنظيم داعش الارهابي، بهواجس الخوف والقلق من بروز تنظيم اخر، كما حصل حينما انحسر تنظيم القاعدة نوعا ما، ليولد من رحمه تنظيم داعش.
لا شك، انه لا مكان للمصادفات في مثل هكذا وقائع واحداث، بل ان ظهور "اصحاب الرايات البيضاء"، في هذه الظروف، وفي هذا التوقيت، محسوب بدقة، ويرتبط بأجندات سياسية خاصة، لايستبعد ان تكون بعض اطرافها داخلية، والبعض الاخر خارجية.
ربما نحتاج الى مزيد من الوقت للاحاطة بالتفاصيل الكافية للوقوف على حقيقة ذلك التشكيل الارهابي، وطبيعة ارتباطاته، وماهية توجهاته، ولكن في ذات الوقت، فأن التوقف عند ظروف وتوقيت ظهوره، يساعد بقدر معين في اجلاء بعض معالم وملامح صورته الغامضة والمشوشة.
وفيما يتعلق بظروف ظهوره، فيمكننا الاشارة الى ان تلك الظروف ارتبطت بالهزائم والانكسارات الكبيرة التي تعرض لها تنظيم داعش الارهابي، بحيث انه فقد كل قواعده ومنطلقاته ومواطيء قدمه في العراق، وكذلك ارتبطت تلك الظروف، بتداعيات الوضع الكردي، وقيام الحكومة الاتحادية بأستعادة بسط سيطرتها على المناطق المتنازع عليها في مدينة كركوك ومدن اخرى.
وهنا فأن البعض ربط ظهور "اصحاب الرايات البيضاء" بهزائم داعش على ايدي القوات الحكومية العراقية وفصائل الحشدين الشعبي والعشائري.
وفي ذلك يقول محافظ كركوك راكان الجبوري "أن مايسمى بأصحاب الرايات البيضاء هو تنظيم متطرف لا يفرق بين المدنيين والعسكريين.. وصحيح ان داعش اختفى ولكن هناك خلايا نائمة وهي تنفذ عمليات تعرضية على القوات الأمنية بين الحين والآخر، وقلنا للقوات الأمنية انها موجودة ومشخصة منذ عمليات فرض القانون والدولة، وان الجبال الوعرة في المحافظة سهلت اختباء الإرهابيين بين جحورها، وأصحاب الرايات البيضاء غير مشخصة، وهي منظمة متطرفة، هدفها التعرض للقوات الأمنية والمدنيين على حد سواء وهي تحمل فكر متطرف وتستفيد من المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة".
وبنفس الاتجاه يشير المتحدث بأسم الحشد التركماني علي الحسيني الى وجود معلومات تؤكد، أن اصحاب الرايات البيضاء هم بالأساس مجموعة تدعى جيش احرار السنّة، وهم من بقايا عصابات القاعدة وانصار السنة وجيش الراشدين وجيش الطريقة النقشبدنية وحزب البعث المنحل وتنظيم داعش، والانفصاليين الاكراد".
ويقول الحسيني "ان هذا التشكيل بدأ يرفع علم ابيض في وسطه صورة لأسد، فاصبح الشارع يطلق عليهم اصحاب الرايات البيضاء، وان اعدادهم تتراوح بحدود خمسمائة عنصر يعملون إلى جانب مجاميع انفصال كردية تسمى بخوبخش، بدأوا بقصف قضاء طوزخوماتو بقذائف الهاون مؤخراً وحرق بعض المركبات".
في ذات الوقت يقول الباحث الايزيدي رائد العيدروسي "المسألة وببساطة تعود الى يوم الحادي والعشرين من شهر ايلول الماضي حين انطلقت عمليات تحرير مدينة الحويجة التي تقع جنوب غرب محافظة كركوك، حيث نشرت وكالات الأنباء حينها خبر هروب المئات من مقاتلي داعش من المعركة, وقد سبقتهم اعدادا من قيادات التنظيم وعوائلهم قبل الشروع في المعركة, وذلك ما انتشر في وسائل الإعلام، اذ شوهدوا وهم يلتجأون الى قوات البيشمركة المتمركزة شمال كركوك، حيث جرى استيعابهم واعادة تنظيمهم وتمّ تزويدهم بالأسلحة والذخائر وتطعيم مجاميعهم بمقاتلين آخرين، وما يجري في هذه الأيام من اعتداءات مسلحة من قبل هؤلاء، ليس سوى ردود افعال انتقامية على عودة كركوك للسلطة المركزية، وتقدم القوات العراقية وسيطرتها على مناطق كانوا يسمونها بالمتنازع عليها، وهي ايضاً ردود افعال غير مدروسة على فشل الأستفتاء وتداعياته"
أما النائبة في البرلمان العراقي عن الجبهة التركمانية نهلة الهبابي ، فتذهب الى "ان اصحاب الرايات البيضاء نسخة محدثة من ما يسمى (انصار الاسلام)، التي تأسست في مدينة طويلة في اقصى شمال العراق في تسعينات القرن الماضي، وتتلقى الدعم من الانفصاليين الذين فشلوا في الاستفتاء، وان مركز عمليات اصحاب الرايات البيضاء في شمال صلاح الدين وفي محيط كركوك، وهم امتداد للمدرسة الوهابية والاخوانية وتنظيم القاعدة".
في مقابل ذلك، فأن ثمة من ربط ظهور اصحاب الرايات البيضاء بأنحسار النفوذ الكردي وتفاقم المشاكل والازمات بين الاكراد والحكومة الاتحادية في بغداد.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير الامني هشام الهاشمي، "ان تشكيل اصحاب الرايات البيضاء بعيد عن الحركات الاصولية المتطرفة، وانها جماعات كردية ظهرت عقب عمليات فرض القانون بكركوك والمناطق المتنازع عليها".
ويوضح الهاشمي "الراية البيضاء بعيدة عن ايديولوجية الجماعات الاصولية المتطرفة لانها لا تختار هذا اللون اضافة الى صورة الاسد التي تتوسط الراية، فهم يرون ان كل ذي روح حرام تصويره، وان اصحاب الرايات البيضاء ليسوا تنظيما ولايمتلكون القدرة على احتلال المدن لكنهم قد يحاولون ارباك الوضع الامني".
في حين يطالب النائب التركماني في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون جاسم محمد جعفر، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الى إنهاء تواجد جماعات الرايات البيضاء قرب مناطق جمبور وكفري وامرلي، لتجنيب القوات الأمنية الحكومية خوض عملية عسكرية في مناطق الخط الازرق التابعة للاقليم.
ويشير النائب جعفر الى ان هناك معلومات تقول بأن ما يقارب الف ومائتين عنصرا من تلك الجماعات يتواجدون في مناطق امرلي وجمبور واطراف كفري بقيادة الكرديان ملا عاصي وكوران جوهر.
ولعل ابرز ما قام به اصحاب الرايات البيضاء حتى الان، هو جريمة قصف قضاء طوزخورماتو بقذائف الهاون والكاتيوشا في الرابع عشر من شهر كانون الاول 2017، مما تسبب بأستشهاد واصابة عشرات المواطنين، ناهيك عن تدمير العديد من البيوت واحراق السيارات.
بينما يؤكد المتحدث باسم الحشد التركماني علي الحسيني "ان هذه المجاميع تتواجد في مناطق التماس بين القوات الاتحادية والقوات التابعة لإقليم كردستان على حدود محافظتي ديالى وكركوك، ويستغل عناصرها وعورة المناطق وكذلك رخوتها للقيام بنشاطات ارهابية".
ويرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني رفضا قاطعا، المعلومات المتداولة عن انتماء اصحاب الرايات البيضاء لاحزاب وقوى كردية.
ويقول الحزب على لسان القيادية فيه اشواق الجاف "ان وزارة الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي هما الجهتان اللتان تشخصان من هي الرايات البيضاء أو السوداء أو الحمراء بناء على وثائق تثبت ذلك، وان اطلاق التهم جزافا بهذا الشكل أصبح موضة قديمة وعلى الجميع استيعاب ما يمر به العراق".
وفي الوقت الذي دعت الجاف، الجهات الأمنية الى اعتقال عناصر تنظيم الرايات البيضاء لمعرفة هوياتهم ومن الذي أتى بهم إلى تلك المناطق، شددت على ضرورة "ان يتذكر الجميع بأنه يجب ان تكون هنالك وثائق تدل على ما يتم إطلاقه من اتهامات وإلا سوف يكونوا عرضة للمساءلة".
والى جانب الظروف التي رافقت ظهور اصحاب الرايات البيضاء، فأن طبيعة المناطق التي تواجدوا وتمركزوا فيها-وهي تعد مناطق تماس ونزاع بين الاكراد والحكومة الاتحادية، ويقطنها مواطنون من قوميات ومذاهب وديانات مختلفة-يؤشر الى ان هناك مخططا جديده-قديما لاشعال صراع داخلي من جهة، ومن جهة اخرى اضعاف سلطة الحكومة الاتحادية على تلك المناطق، وجعلها عصية على فرض الامن والقانون فيها، وبالتالي يعد محاولة اخرى لجعل التقسيم خيارا مفروضا وامرا واقعا لامناص منه، وهو ما يطمح اليه ويعمل عليه اكثر من طرف داخلي واقليمي ودولي.