kayhan.ir

رمز الخبر: 69063
تأريخ النشر : 2017December31 - 19:25

ليس دفاعاً عن «حزب الله»..

نبيه البرجي

ليس دفاعاً عن «حزب الله». دفاعاً عن الحقيقة. عن الدماء التي ننحني أمامها. أولئك الذين سقطوا بالنيران الهمجية لم يكن ذنبهم سوى أنهم جنوبيون، شاء التاريخ وشاءت الجغرافيا أن يكونوا هناك. لم يكن ذنبهم سوى أنهم لبنانيون لم ينجح ملوك الطوائف في تحويلهم الى فتات بشري.

باحثون وأساتذة جامعيون بارزون لم يكتفوا باعادة تشكيل المشهد، وفقاً للمزاج الطائفي أو الانتقائي. لجأوا الى نظريات فلسفية غربية للوصول الى هذه النتيجة: «حزب الله» «عدو داخلي». بالتالي لا مجال لقيام الدولة الا باجتثاثه أو باستيعابه.

هكذا يكتبون، وهكذا يحاضرون. كما لو أن الحزب ظاهرة غرائبية هبطت للتو من المريخ. كائنات مدججة بالصواريخ التي لا مبرر لها ما دام لبنان يتاخم امارة موناكو أو سلطنة بروناي، لا الدولة التي تقرأ النص الالهي بأسنانها، وتأخذ بالايقاع التوراتي في تشريع الدم.

لا مناص من استعادة الوقائع. اولئك الذين لا ذكر البتة لكلمة «اسرائيل» في مطالعاتهم التي لا تعوزها المصطلحات، وغالباً لفلاسفة أو لمفكرين اما انهم كتبوا في ظروف لا تمت الى واقعنا بصلة، او أنهم يرتبطون بالمؤسسة اليهودية الضاربة في اللاوعي الثقافي، والايديولوجي، على امتداد نصف الكرة الغربي.

يا جماعة، نحن على تخوم "اسرائيل"، وحتى على تخوم العرب الذين أداروا ظهورهم لابن رشد (وقد ماتت بموته الفلسفة) ودخلوا في ثقافة الأقبية. لا ندري لماذا نصنع أفكارنا، وسياساتنا، داخل جدران المقابر.

أليس ذلك العقل الميت، اللاوعي الميت، هو الذي أنتج رجالاً مثل أبي مصعب الزرقاوي، وأبي بكر البغدادي، وأبي محمد الجولاني. عندنا في لبنان ما يكفي من الأسماء، وكادت قوى سياسية، ولا تزال، تحاول أن تضفي على المغول الجدد لبوس أولياء الله.

اولئك الذين يكتبون بلغة أكاديمية رصينة (هكذا يخيّل الينا واليهم) لم تهدم بيوتهم فوق رؤوس أطفالهم، ولم يناموا أياماً وأياماً في العراء، ولم تطارد القاذفات حتى حقول الزنبق في قراهم.

هي ثقافة اللحظة، ويحاولون تسويقها في أدمغتنا التي يتم غسلها بالاثارة الغرائزية، وبالبهلوانيات اللغوية (والفلسفية)، وبالشعوذة السياسية. هل يعلمون أن الذي يحصل نتيجة جدلية لن نقول لوجود "اسرائيل" على حدودنا، وهنا الأساس، وانما لذلك اليوم حين تم توقيع اتفاق القاهرة عام 1969ووضع جـزء من لبنان، بل كل لبنان، بامرة ياسر عرفات ؟.

أين كانت الدولة آنذاك؟ أين هي الدولة اليوم؟ لو لم يكن هناك في القصر رجل يدعى ميشال عون أين كان رئيس حكومة لبنان الآن. لا مجال للحديث عما قامت به قهرمانات هذا الزمان.

ألم يجزم مناحيم بيغن، عشية غزو لبنان عام1982 ، بأن الغاية من العملية العسكرية تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية. حدث هذا أم لم يحدث؟ أخرج ياسر عرفات من بيروت، وتم ترحيل «الفدائيين» الى بلدان بعيدة. هل يقول لنا السادة الأكاديميون والباحثون لماذا بقيت "اسرائيل" على أرضنا طوال ثمانية عشر عاماً؟ ومن أرغمها على الانسحاب بالنار لا بالديبلوماسية؟.

نقول لهؤلاء، ان كانوا لا يعلمون، أن الطائرات الاسرائيلية كانت تختال فوق بيروت حتى خلال الخمسينيات من القرن الفائت. لا أحد كان ينبس ببنت شفة مادام لبنان ينبغي أن يكون الكازينو لا الدولة، وما دام يفترض بالمؤسسة العسكرية أن تكون «جيش أبو الزلف».

الا اذا كان السادة الأكاديميون والباحثون يتباكون على اتفاق 17 أيار الذي يجعل من لبنان ضاحية من التنك لهيكل سليمان الذي نفاخر بأنه بني بخشب أرزنا.

متى توقفت "اسرائيل" عن لغة القوة؟ ومتى نفذت القرارات الدولية؟ الآن يصف بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة بـ«معسكر السكارى».

من الطبيعي، من الناحية السياسية، أن تطرح ترسانة « حزب الله» اشكالية معقدة، وتحدث حساسيات هنا وهناك، داخل دولة يأكلها ملوك الطوائف. دولة تخلو كلياً من المنطق الاستراتيجي، حتى في المسائل الخدماتية. ألم تكن، وتبقى، فضيحة النفايات، أم الفضائح ؟.

لو كانت هنــاك دولــة تحــمي أهلها وأرضها لما قام «حزب الله»، ولا كان ارييل شارون دق، بحذائه العسكري، باب رئيس الجمهورية.

سلاح «حزب الله « اشكالية حقاً حين تكون هناك دولة المواطنة لا دولة اللوياجيرغا. لا دولة. المنطقة بأسرها تطفو فوق الحرائق. من يدري الى اين يمضي بنا الصراع الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم؟.

في هذه الحال، ما المشكلة لوكنا شعباً، لا قصاصات قبلية، حين تكون هناك في بيتنا، ومن أهل بيتنا، قوة قادرة على مواجهة الاحتمالات، وسواء من برابرة حائط المبكى أم من برابرة تورا بورا؟.

هؤلاء الذين يتصدون لـ"اسرائيل" ليسوا غرباء، ولن يكونوا غرباء. لبنانيون ويدافعون عن كل لبناني، عن كل ذرة تراب في لبنان. هل هم من يحولون دون بناء الدولة ؟ اسألوا «أكلة الجبنة»، بل اسألوا أكلة لحوم البشر!.