سيناريوهات الاتفاق الاميركي الاسرائيلي السري لمواجهة ايران
عبد الباري عطوان
في الوَقت الذي تَعكفْ فيه القِيادة الروسيّة على وَضع خُطَطٍ لانتقال سورية من مَرحلة الحَرب والفَوضى الدمويّة، إلى مَرحلة السّلام والاستقرار، وإعادة الإعمار مِن خِلال عَقد مُؤتمرٍ مُوسّع للحِوار بين مُختلف الأطراف المُتصارعة في مُنتجع سوتشي نِهاية الشّهر المُقبل، للاتفاق على خَريطَةِ طَريقٍ تَتضمّن وَضع دُستورٍ وإجراء انتخاباتٍ رئاسيّةٍ وتَشريعيّةٍ، تَضع إسرائيل والولايات المتحدة خُططًا لتَفجير المِنطقة وإغراقٍها في الحُروب تَحت ذَريعة إنهاء التّهديد الإيراني.
القناة الإسرائيليّة العاشرة نَشرتْ تقريرًا كَشفت فيه عن عَقد اجتماعٍ سرّيٍّ مُغلق بين مير بن شباط، مُستشار الأمن القَومي الإسرائيلي في حُكومة بنيامن نتنياهو، ونَظيره الأمريكي هيربرت، يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، جَرى التوصّل خِلاله إلى اتّفاقِ "الصّفقة” يَنُص على وَضع سيناريوهات وخُطط عَمليّة تنفيذيّة لمَنع إيران من الحُصول على أسلحةٍ نَوويّة وتَطوير صَواريخها الباليستيّة، وبِما يُعزّز مَواقِعها كقُوّةٍ إقليميّةٍ في دُولٍ أُخرى مِثل سورية ولبنان، ووَضع استراتيجيّة في الوَقت نفسه لمُواجهة خَطر "حزب الله” في لبنان، وكان لافِتًا صُدور بيانٍ رَسميٍّ عن البَيت الأبيض يُؤكّد هذا الاتفاق، أي أنّه لن يَعد تَسريبًا إعلاميًّا.
العام الجديد سيَشهد تَطوّرين على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، الأوّل انهيار تنظيم "داعش" وفُقدانِه لمُعظم أراضيه في سورية والعراق، والثّاني هَزيمة المَشروع الأمريكي في سورية الذي كان يَرتكزْ على استخدام فَصائِل المُعارضة المُسلّحة لإطاحة حُكم الرئيس السوري بشار الأسد، بفَضل صُمود الجيش العربيّ السوريّ، والتدخّل العَسكريّ الروسيّ، ودَعم حُلفاء سورية مِثل إيران و”حزب الله”، والانتقال إلى مَرحلة المُصالحة الوطنيّة، وتَبلور هَويّة "سورية الجَديدة”.
الإدارة الأمريكيّة الحاليّة تَخشى من انحسارِ نُفوذِها في مِنطقة الشّرق الأوسط لمَصلحة روسيا والصّين، وقِوىً إقليميّة عُظمى مِثل إيران وتركيا، أمّا دولة الاحتلال الإسرائيلي فتَشعر بقَلقٍ كبير من تنامي قُوّة "حزب الله” وقُدراتِه العَسكريّة، مِثلما تَخشى من عواقِب خُروجِه من الحَرب السوريّة مُنتصرًا، وتَفرّغه الكامل لمُواجهة أخطارِها، وفَتح جَبهات استنزافٍ ضِدها في جنوب لبنان، وجنوب غرب سورية.
لم تَكشف القناة العاشرة الإسرائيليّة، ولا البَيت الأبيض، عن تفاصيل الخُطط والسّيناريوهات التي قَد تتّبِعها واشنطن وإسرائيل ضِد ايران و”حزب الله”، ولكن من الواضِح أن أحد أبرز هذهِ السّيناريوهات تتلخّص في تَقويض استقرار إيران من الدّاخل، وإشعال فَتيل الاحتجاجات، وتَحريك بَعض الحَركات الانفصاليّة المُسلّحة، و محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي يُعتبر من أكثر المَسؤولين الشّرق أوسطيين قُربًا لإدارة ترامب، تَحدّث صَراحةً عن مُخطّطات في هذا الصّدد، عندما قال في مُقابلةٍ تلفزيونيّة قبل سِتّة أشهر أن بِلاده ستَنقل الحَرب إلى الدّاخل الإيراني كضَربَةٍ استباقيّة، أي قَبل أن تَنقل إيران الحَرب إلى الدّاخل السعوديّ، ولا نَستبعد أن تكون المُظاهرات التي سادَت بَعض المُدن الإيرانيّة وبشَكلٍ مَحدود احتجاجًا على الغَلاء هي أحد حَلقات هذهِ الاستراتيجيّة.
لا نَعتقد أن أيَّ مُخطّطٍ أمريكيّ إسرائيليّ لإخراجِ إيران ونُفوذِها من كُل من سورية ولبنان يَحظى بأيِّ فُرصٍ كبيرةٍ للنّجاح، إلا إذا كان عُنوانه إعلان الحَرب على البَلدين، وحتى هذهِ "المُقامرة” قد تُعطي نتائجَ كارثيّة، وعلى دولة الاحتلال الإسرائيلي على وَجهْ الخُصوص.
فإذا كانت صواريخ "باتريوت” الأمريكيّة المُتطوّرة فَشِلت في التصدّي لصَواريخ الحوثيين الباليستيّة شِبه البِدائيّة، ومَنع وصولها إلى الرّياض وجدّة والطّائف وخميس مشيط وأبها، فإنّه سَتكون مُهمّة "القُبب الحديديّة” الإسرائيليّة أكثر صُعوبةً في التصدّي لصَواريخ "حزب الله” الأكثر دِقّةً وتَطوّرًا، خاصّةً إذا ما انهالت بالمِئات، وربّما بالآلاف، على المُدن الإسرائيليّة.
الخَطر الذي يُواجِه إسرائيل باتَ من شَقّين، الأول مَنبعه من الدّاخل الفِلسطيني المُنتَفِض حاليًّا، وإمكانيّة تَطوّره إلى أعمالٍ مُقاومَةٍ مُسلّحة، وهذا احتمالٌ وارِدٌ جِدًّا، بالنّظر إلى عَودة انطلاق الصّواريخ من قِطاع غزّة إلى المُستوطنات الإسرائيليّة شَماله، وانتقال تَحالف حركات المُقاومة الإسلاميّة مِثل "حماس″ و”الجِهاد الإسلامي” مع إيران إلى العَلن، والمُجاهرة باتصال الجنرال سليماني، رئيس فَيلق القُدس في الحَرس الثّوري الإيراني، بالقادة المَيدانيين في الحَركتين في رسالةٍ واضٍحةٍ الى إسرائيل وحُلفائِها المُطبّعين العَرب.
التهديدات الإسرائيليّة الأمريكيّة ربّما تأتي في إطارِ الحَرب النفسيّة، أو بهَدف طَمأنة الحُلفاء العَرب المَذعورين، ودَفعِهم لشِراء صَفقات أسلحة بعَشرات المِليارات من الدّولارات، فكم مَرّة هَدّدت القِيادة العَسكريّة الإسرائيليّة بأنّها لن تَسمح بتقدّم القوّات السوريّة قُرب حُدود فِلسطين المُحتلّة في جنوب غرب سورية، أو أي تواجد لـ”حزب الله” والقوّات الإيرانيّة في المِنطقة، وها هو الجيش العربيّ السوريّ يَستعيد مُعظم المناطق في الغوطةِ الغَربيّة، ويُسيطر على العَديد من القُرى المُحاذية للحُدود مع دولة الاحتلال، ولم تَجرؤ الأخيرة على تَنفيذ تَهديداتِها وإطلاق رصاصةٍ واحدةٍ باتجاه الجيش السوري لمَنع تَقدّمه.
العام الجديد ربّما يَكون عام رُعب للإدارةِ الأمريكيّة وحَليفتها إسرائيل، ولعلّها تُجرّب حظها، وسَتلقى حَتمًا ما لا يَسرّها، فالمِنطقة تتغيّر، وبُسرعة.. والأيّام بَيننا.