kayhan.ir

رمز الخبر: 68459
تأريخ النشر : 2017December20 - 20:32

«الفيتو» الأميركي في مجلس الامن صفعة لعرب الاعتدال


عبد الباري عطوان

لم يفاجئنا، والكثيرون غيرنا، استخدام الولايات المتحدة الامريكية لحق النقض "الفيتو" لاجهاض مشروع قرار تقدمت به الحكومة المصرية، يعتبر "ان أي قرارات تخص وضع مدينة القدس المحتلة ليس لها اثر قانوني، ويجب سحبها"، كرد على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالمدينة المقدسة كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها.

لم يفاجئنا لأنه لم يخالجنا أدنى شك بحجم الحقد العنصري العدواني الذي تكنه الإدارة الامريكية الحالية للعرب والمسلمين، وانحيازها المطلق للحكومة الإسرائيلية وكل سياساتها العنصرية والارهابية والاستيطانية في الأراضي المحتلة.

نيكي هيلي، مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، اكدت انها ستستخدم "الفيتو" لان قرار مجلس الامن بإدانة الاستيطان الذي صدر في آخر أيام إدارة الرئيس باراك أوباما "كان وصمه عار لامريكا لن نرتكب هذه الخطأ مجددا".

هذا "الفيتو" الأمريكي جاء "هدية" للمنتفضين في الأرض المحتلة، والمحتجين المتضامين معهم في مختلف انحاء العالم الإسلامي، مثلما جاء صفعة للحكومات العربية "المعتدلة" التي اتخذت مواقف "رخوة" تجاه قرار الرئيس ترامب، ومنعت أي احتجاجات في عواصمها ومدنها، وأصدرت تعليمات الى أجهزة اعلامها بتجاهل فعاليات الانتفاضة في القدس المحتلة.

نخشى من هذا "الغرام" السعودي المفاجيء نحو الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سيشد الرحال الى الرياض تلبية لدعوة رسمية من العاهل السعودي وولي عهده، هي الثانية في اقل من ثلاثة اسابيع.

في الزيارة الأولى، مثلما ذكرت صحف أمريكية نقلا عن مسؤولين أمريكيين من بينها "نيويورك تايمز"، طالب الأمير محمد بن سلمان الرئيس الفلسطيني بالتنازل عن القدس، والقبول ببلدة "ابو ديس" عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة، والقبول بالصفقة الامريكية الكبرى التي يطبخها الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، ومحورها القبول بدولة فلسطينية في قطاع غزة، بعد تسمينها بإضافة أراض من سيناء اليها، مرفوقة بعرض مالي سيحصل عليه الرئيس عباس مقداره عشرة مليارات دولار، ولم يصدر أي نفي رسمي سعودي لهذه التقارير حتى الآن.

لا نعرف ما هو العرض السعودي الجديد الذي ينتظر الرئيس عباس في زيارته الثانية، فهل سيكون السؤال عن رده فيما يتعلق بالعرض الأول، ام ان هناك "تحسينات" جديدة جرى إدخالها عليه، لجعله اكثر جاذبية وقبولا.

المملكة العربية السعودية لا تعتبر إسرائيل عدوا، وفي برنامج في محطة "بي بي سي" التلفزيونية العربية، كنت احد ضيوفه (الاحد)، اكد الدكتور أنور عشقي، حامل ملف التطبيع بين بلاده وتل ابيب، ان القيادة السعودية تعتبر ايران هي العدو الأول، ولا ترى ان إسرائيل كذلك، ووصف في مقابلة أخرى إسرائيل بأنها عدو "عاقل"، بينما وصف ايران بالعدو "الجاهل"، والأخيرة اكثر خطورة، وناقشته في برنامج "حديث الساعة" في المحطة نفسها يوم الأربعاء الماضي، في هذا التصريح، وقلت له، وبكل هدوء، كيف يصف إسرائيل بالعدو العاقل وهي التي قتلت آلاف العرب والمسلمين، وتحتل القدس وكل ارض فلسطين، وهضبة الجولان ومزارع شبعا، واعتدت على قطاع غزة ثلاث مرات، وجنوب لبنان، واحتلت بيروت، وارتكبت مجزرتين في قانا راح ضحيتهما 500 انسان، معظمهم من النساء والأطفال احتموا بمركز للأمم المتحدة للنجاة بأرواحهم.

ربما يختلف الكثيرون مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ولا يثقون بكلامه، ولكن تحذيره قبل أيام من ان ضياع القدس المحتلة وتهويدها قد يكون مقدمة لضياع المدينة المنورة ومكة المكرمة، ولكن ما قاله في هذا المضمار صحيح، والاطماع اليهودية في هاتين المدينتين المقدستين موثقة، والمسألة مسألة وقت وتوقيت، ومن يجادل بغير ذلك لا يعرف التاريخ، ولا يعرف اليهود أيضا، فمن يدعي ان له حق في فلسطين يعود لثلاثة آلاف عام، لن يفرط بوجوده في خيبر قبل 1500 عام.

مثلما كان قرار الرئيس ترامب بتهويد القدس مفجرا للانتفاضة، والصدمة غير المتوقعة، لايقاظ الامتين العربية والإسلامية من سباتهما، وحال الضياع التي نعيشها، فإن هذا "الفيتو" الصفعة هو تأكيد إضافي على العداء الأمريكي، والحاجة الى ضخ دماء الكرامة المطلوبة في عروقهما المتسيبة.

نعم... ومثلما قلنا سابقا "قد يأتي الخير من باطن الشر"، وهل هناك خير افضل من هذه الانتفاضة المباركة، ومشاركة سبعة ملايين مسلم في احتجاجات جاكرتا وحدها تضامنا معها وانتصارا للقدس، ناهيك عن ملايين ملأوا الشوارع والميادين غضبا في معظم العواصم العربية والإسلامية؟

الفلسطينيون ومعهم العرب والمسلمين خسروا كل فلسطين ومقدساتها التي باتت تحت الاحتلال، ولم يبق لهم ما يخسرونه، ولا نبالغ اذا قلنا ان خسارة إسرائيل والامريكان قد بدأت، وستكون مكلفة وباهظة جدا... والأيام بيننا.