kayhan.ir

رمز الخبر: 68457
تأريخ النشر : 2017December20 - 20:31

إدلب.. قراءة في مستقبل المحافظة المسكونة بالإرهاب


محمد عيد

يتحسس أبو محمد الجولاني رأسه، شأنه في ذلك شأن كل صنيعة مخابراتية يُعمَل على تشغيلها إلى أجل مسمى ولغاية محددة ثم تحرق لاحقا حتى لا تبقى عبئا على مشغليها، يوحي سلوك الرجل المنفذ بالحرف للرغبة التركية في تصفية واعتقال المعترضين على الدور التركي داخل تنظيم "القاعدة” في إدلب بأنه يربط مصيره باستمرار حاجة أنقرة إليه لعلها تسوقه كرقم صعب يؤدي دورا مهما في التسويات السياسية القادمة التي ستطيح حتما بالقاعدة من إدلب سلما أو حربا.

لا تزال المصلحة المشتركة بين أنقرة والنصرة قائمة رغم معرفة الأخيرة بجنوح أنقرة نحو تبني الأفكار الروسية المفضية إلى اجتثاث الإرهاب برمته من المنطقة مع مراعاة مصالح جميع الدول الضامنة في آستانة.. تعلم النصرة جيدا بطبع أردوغان الذي يبيع صنائعه عندما تقتضي مصلحته ذلك، لكن الجولاني يعلم حاجة أردوغان للإبقاء على عناصر النصرة الذين لا يريدون مصيرا مشابها لمصير "داعش" وإخراجهم من عباءة القاعدة بغية الحفاظ على جيش متقدم له بوجه الأكراد وتبرير احتلاله إدلب.

ولعل هذا ما يفسر حالة التربص المتبادل بين تنظيم القاعدة في إدلب وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) كجسم جهادي منسلخ عنه والتي أدت إلى حملة تصفيات كبيرة في صفوف القاعديين الأجانب المعترضين على التواجد التركي هناك وما أتبعها من حملة اعتقالات كبيرة قام بها أبو محمد الجولاني وطالت أمراء الحرب المناهضين لأنقرة التي زودت أجهزة مخابراتها الجولاني بقائمة بأسمائهم.

الخبير في الجماعات الإسلامية حسام طالب أوضح لموقع "العهد” أن أفق المشاورات الإقليمية الحالية التي يرعاها الروس ومعهم الدول الضامنة تشي بقرب سيطرة الجيش العربي السوري على كامل الريف الإدلبي المحاذي لحماة، في حين سيبقى الأتراك محافظين إلى "أجل ما” على ريف إدلب المحاذي لحلب.. أما مدينة إدلب التي تتواجد فيها قيادات القاعدة فسيتولى الجيش العربي السوري وحلفاؤه استهدافها.

ويعتقد طالب أن المناطق التي يتواجد بها الأتراك ستكون "مناطق آمنة” لعناصر هيئة تحرير الشام، وبعد الوصول إلى هذه المرحلة بالتحديد ستنتفي الحاجة التركية لهيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني الذي سيتم التخلص منه بدعوى مبايعته للظواهري.

الوصول إلى هذه المرحلة، وبحسب ما يقول طالب، سيفرز واقعا ميدانيا جديدا يضع النصرة في مواجهة الأكراد بعد إنهاك الإرهابيين في إدلب التي سيصبح تحريرها أسهل من ذي قبل مع طلب الأكراد للتدخل السوري الروسي لفض معركتهم مع الأتراك والنصرة، في حين ستذهب بقية الفصائل للتسوية وسيعمل الأتراك على إخراج من يتبقى من الأجانب إلى بلد آخر يعتقد أنه سيكون ليبيا مع إبرام تسوية تشمل إرهابيي الداخل وتصفية من يرفض منهم هذه التسوية.

فشل كل المعارك التي حشد لها أمراء الحرب والشرعيون في إدلب وعلى رأسهم عبد الله المحيسني ومصلح القحطاني برر محاولات قتل واعتقال هؤلاء بعدما أصبحوا عبئا جهاديا وأخلاقيا على الجهة التي استقدمتهم فقام الجولاني بتحميل هؤلاء وعلى رأسهم المحيسني مسؤولية الهزائم التي لحقت بمعارك النصرة التي انبرى عسكريوها لتسجيل صوتيات تتهم الشرعيين بتجاوز مهمتهم الوعظية والتحشيدية عبر تدخلهم في شؤون القتال وأمور العسكرة.

التناقض ظاهرة موجودة داخل كل تنظيم إرهابي حتى لو كان عدد أفراده محدودا ومساحة انتشاره كذلك، فكيف والحال مع ” تنظيم القاعدة ” الذي يتواجد قادته "خارج المعارك”، بيد أن طالب يرى أن التناقض بين القاعدة الموجودة في أفغانستان وتلك الموجودة في سوريا والمتمثلة بالنصرة "مفتعلة” إلى حد بعيد والغاية من تلك القطيعة الوهمية تكمن في الحفاظ على الخلايا والعناصر ولو إلى حين، بغية استخدامها لمصالح أمنية وسياسية بمعنى أن التناقض المفتعل وتخلي النصرة عن القاعدة يجعلها بمنأى عن "الإجتثاث الكلي”، وهو الأمر الذي حاول الظواهري نفسه اللعب عليه عبر القول بأن "الجولاني أخطأ بإعلان بيعته لنا”، ومعنى ذلك أنه كان يريد بيعة صامتة لا تلزم النصرة بتداعيات الحرب المعلنة دوليا على القاعدة دون أن يعفيها ذلك من الإرتباط البنيوي والعقائدي بأمها القاعدة.

عدد الإرهابيين المتواجدين في إدلب يقدر بحوالي العشرين ألفا.. يرى طالب أن تركيا تحاول إخراج الأجانب منهم ممن يعترضون على تشبيك النصرة مع "بلد أطلسي” خارج سوريا بعد اقتناعها بعجزهم عن إسقاط الدولة السورية، في حين يخير الروس الأتراك بين الأكراد والدولة السورية دون تقديم أية "ضمانات”، في الوقت الذي يضغطون فيه مع الإيرانيين على أنقرة من أجل "تفكيك النصرة”، الأمر الذي سيفرض نشوء نوع من "العلاقة” بين سوريا وتركيا على قاعدة "المصالح المشتركة” من أجل منع الأكراد من "تقسيم البلدين” لكن هذه العلاقة ستبقى في الغالب عبر الوسيطين الروسي والإيراني.

بينما ستعمل أمريكا على إخراج النصرة من إدلب كما ساهمت في إخراج "داعش" من دير الزور تمهيدا لإبرام تسوية ستدخل فيها بقية الفصائل بعد انتهاء وتشتت حركة "أحرار الشام” التي حلّها من قبل أبو عمار العمر بعدما كانت القوة الأكبر في الشمال السوري.

نصيحة قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مخاطبا الإرهابيين القادمين إلى سوريا بها وهي أن "كمينا يُعدّ لهم من أجل تصفيتهم هناك”، وكان حينها بوارد منعهم ولو على شكل نصيحة من تدمير البلد الجار سوريا، فعلت الكيدية فعلها وصمت الآذان عن النصيحة التي تحققت لاحقا عندما أعقب في خطاب لاحق "بدأوا بداعش وسينتهون بالنصرة وبقية الفصائل” وهاهو كلامه يتحقق بكامله أو يوشك.