kayhan.ir

رمز الخبر: 68397
تأريخ النشر : 2017December19 - 20:49

ماذا يعني أردوغان من التحذير بأن الدور على المدينة ومكة بعد القدس المحتلة؟


عبد الباري عطوان

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومنذ فوز حزبه بالسلطة قبل 15 عاماً في انتخابات تشريعية حرة نزيهة، لم يتوقف عن الإدلاء بالتصريحات في مواضيع شتى ومتعددة، لكن ما ورد على لسانه مساء الجمعة في خطاب ألقاه في مهرجان في إسطنبول، ربما يشكل علامة فارقة في حياته السياسية، لما ينطوي عليه من دلالات، ورسائل في الوقت نفسه، ونحن نحكم على الظواهر، أما البواطن فالله وحده جل وعلا الأعلم بها.

فعندما يحذر من أنه "إذا فقدنا القدس فلن نتمكن من حماية المدينة المنورة، وإذا فقدنا المدينة، فلن نستطيع حماية مكة، وإذا سقطت مكة، فسنفقد الكعبة المشرفة"، فهاذ يعني أن الرئيس التركي يشعر بوجود خطر حقيقي يهدد المقدسات الإسلامية عليها، ويرى أن من واجبه كسليل الإمبراطورية العثمانية، الانتفاض للدفاع عنها كمسلم مؤمن بالله ورسوله ورسالته وعقيدته السمحاء.

هذا التصريح المهم، بل والخطير، الذي جاء بعد يومين من انعقاد القمة الإسلامية التي تزعمها في إسطنبول، ربما ينطوي على غمز من قناة القيادة السعودية التي قاطعت هذا المؤتمر بطريقة ملفتة، عندما خفضت تمثيلها فيه إلى درجة وزير الأوقاف، وتردد أنها طالبت دول عديدة بفعل الشيء نفسه لإفشاله، كما لوحظ أيضاً اهتمام الرئيس أردوغان بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي جلس على يمينه على منصة القمة، وأكد في خطابه الذي ألقاه على الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية، باعتباره حفيد محمد "الهاشمي" صلى الله عليه وسلم.

من المؤكد أن الرئيس أردوغان عندما يحذر مليار ونصف مليار مسلم ينتشرون في أنحاء المعمورة من خطر يهدد هذه المقدسات، فإنه يحدد مصدر هذا الخطر في إسرائيل والدعم الأمريكي المفتوح لها لتهويدها، وتحويلها، أي إسرائيل، قوة إقليمية عظمى، تهيمن على المنطقة بأسرها، وتستبعد غير اليهود فيها.

ربما تكون هناك أهداف سياسية خلف تحرك الرئيس أردوغان هذا، خاصة أن القمة الإسلامية الأخيرة التي تزعمها أظهرت تحالفه القوي مع إيران التي تمثلت برئيسها السيد حسن روحاني، واعتباره النواة لمحور إسلامي جديد غير طائفي، يجمع المذهبين الإسلامي الرئيسيين، السنة والشيعة، تحت سقف واحد (جميع القمم الإسلامية التي عقدت في السنوات الأخيرة في الرياض استثنيت إيران منها)، ولكن لا يمكن أن نتجاهل الأطماع اليهودية، ليس بالمسجد الأقصى التي تتمثل في زعمهم بأنه أقيم فوق هيكل سليمان، وإنما أيضاً في المدينة المنورة، أو "خيبر" التي طردهم منها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وقال كلمته المشهورة "لا يجتمع دينان في المدينة".

لم يخف الكثير من القيادات اليهودية مطالبهم من العودة إلى "خيبر"، وقالوا ذلك صراحة أكثر من مرة، واعتمدوا في ذلك على أدلة تاريخية عديدة، بالطريقة نفسها التي تحدثوا فيها عن القدس، وباقي الأراضي الفلسطينية الأخرى المحتلة، بل أكثر شراسة ويتبعون أسلوب التدرج، اليوم القدس، وغداً المدينة المنورة، وبًعد غد مكة المكرمة.

أهل الرباط في المدينة المقدسة، الذين اختارهم الخالق، جل وعلا، للدفاع عن المسجد الأقصى، وباقي المقدسات العربية والإسلامية التي بارك الله حولها، يقومون بواجبهم على أكمل وجه، ويقدمون أرواحهم ودمائهم دفاعاً عنها بكل رجولة وشجاعة، وارتفع عدد الشهداء حتى الآن إلى أكثر من عشرة، والجرحى بالآلاف، في وقت يتنصل الكثير من الزعماء العرب من واجبهم في نصرتها والدفاع عنها بطريقة معيبة ومخجلة، والأكثر من ذلك يجاهرون بتحالفهم مع القتلة الإسرائيليين، ويتباهون بالتطبيع معهم، باعتبارهم الحلفاء الموثوقين الذين يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة أي أخطار يمكن أن تتهددهم، ويؤكدون أنهم لم يقتلوا مواطناً واحداً من مواطنيهم.

الدفاع عن الأمة الإسلامية وكرامتها ومقدساتها يبدأ في القدس المحتلة، وخسارة المعركة في تثبيت هويتها، بل وسقوط الأمتين العربية والإسلامية أيضاً، وهذا ما يدركه أبطال انتفاضة القدس، وشهداؤها، وجرحاها، ولا يدركه زعماء عرب أعماهم المال والغطرسة والجهل والتخاذل، عن رؤية هذه الحقائق الساطعة.

جميلٌ أن يطلق الرئيس أردوغان "قنبلته" التحذيرية هذه، وعلى هذه الدرجة من الوضوح والشعور بالمسؤولية، لكن التحذير وحده لا يكفي، إذا لم يكن متزامناً، ومترافقاً، مع خطوات عملية تردع العدوين الإسرائيلي والأمريكي معاً، وتجبرهما على التراجع عن عدوانهما المستفز بتهويد القدس المحتلة، والاعتراف بها عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، نريد من الرئيس أردوغان أن يكون القدوة في هذا المضمار، وأن يتماهى مع مليار ونصف المليار مسلم، يشعرون بالمهانة والإذلال، ويطالبون بإغلاق السفارات الأمريكية والإسرائيلية، وفرض عقوبات، ودعم أبطال الانتفاضة الثالثة، التي انطلقت ولن تتوقف، بإذن الله، حتى يعود الحق إلى أصحابه.

شرارة الثورة انطلقت، و"كرة دم" التضحيات تكبر وتكبر، ورجالها عاهدوا الله وصدقوا في عهدهم، وعندما يتحدى الشاب "غير المقعد" إبراهيم أبو ثريا الاحتلال مرتين، يفقد في الأولى ساقيه بصاروخ إسرائيلي وهو يقاوم العدوان على قطاع غزة، وفي الثانية حياته وهو يرفع العلم الفلسطيني، تحدياً في وجه جنود الاحتلال، فإن هذا يعكس إرادة وتحد غير موجودة إلا في أرض الرباط، وفي زمن تخوض الجيوش والطائرات الحربية العربية الأحدث معاركها ضد العرب والمسلمين الفقراء المعدمين الذين لا يملكون رغيف الخبز لأطفالهم، ناهيك عن وسائل الدفاع المشروع عن أنفسهم، ونحن نتحدث هنا دون مواربة عن اليمن.

نعم إن إبراهيم أبو ثريا ليس مقعداً، فالإعاقة ليست في السيقان، وإنما في العقول، وغياب قيم العدالة والشجاعة والإرادة، ولا نتردد في الجزم بأنها، أي الإعاقة، موجودة ومتأصلة في الكثير، بل الأغلبية من الزعماء العرب.