المقاومة هي الإجابة الصحيحة
أحمد فؤاد
في قراءة إحباط الماضي فتح لرؤية أوسع للمصير المنتظر، فالأمم ما هي إلا جماعات بشرية، وكل النتائج للنجاح أو الفشل في مواجهة تحدياتها، هي تراكم لمسببات واختيارات على مدى زمني معين، وتفاعل بين العناصر المؤثرة بداخلها، أو المتصارعة على كتابة مستقبلها.
إعصار قرار "ترامب" بإعلان مدينة القدس الشريف عاصمة للكيان الصهيوني، كما كان كاشفًا وقاتلًا لأنظمة التبعية العربية، منحنا الضوء في نهاية النفق، لنرى بوضوح حل الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية منذ عقود، تحديدًا منذ زرع كيانين متشددين، يرفعان لافتة دينية خادعة لانتزاع شرعيات زائفة.
القرار الأمريكي بقدر ما هزم الشعوب العربية مرحليًا، بأن أظهر بجلاء، ومن واقع سير الحوادث التي تلته أنها عاجزة بحكام ولّتهم واشنطن، ورضي عنهم الصهاينة، فإذا بنا نصدم بحقيقة أنه ما من حاكم للدول العربية الكبرى، قد تورط في تصريح شخصي مندد بالقرار الأمريكي.
اكتفت الأنظمة الدائرة في الفلك الأمريكي بالصمت، ومنعت بعض الدول، منها السعودية، المظاهرات، فيما سمحت دول أخرى، منها مصر، بتظاهرات محدودة العدد، أو دفعت بممثليها لقيادة مظاهرات في الجامعات، رفعت صورة الرئيس ولم ترفع صورًا للقدس!
الضاحية وسوريا والعراق، على الترتيب، وحدهم حملوا سفينة الأمة في هذا الوقت العصيب، تظاهرات ضخمة بالضاحية، وإعلان انتصار سوري واضح لا لبس فيه، خلال زيارة بوتين، وهمة عراقية للانتقال إلى مرحلة ما بعد داعش وبريمر، ما يفتح مجال التمنيات الحقيقية بأن تتسع الرقعة التي تنبسط عليها راية المقاومة، كما اتسعت حاليًا، مقارنة مثلًا بحالها عشية انتصار 2006.
الشعوب التي وجدت في الهزائم العربية المتكررة دفعًا إلى رفع راية المقاومة، والمقاومة التي نمت في ظل زيادة الوعي العربي بوحدة المصير وحتمية الوقوف أمام العدو الصهيوني ومن ورائه، تربح الآن جولتها الأولى والأهم لكتابة مصير دولها، وتدعو المزيد من الشعوب للخندق ذاته.
في سوريا انهزم التحالف الدولي للتفتيت والذبح والدم، بشعارات الجهالة الوهابية، وتخطو الدولة السورية، تحت قيادة الرئيس بشار الأسد، إلى المرحلة الثانية من عودة السيطرة على كامل التراب الوطني، وتعزيز الانتصارات بانتقال سريع نحو البناء.
النصر في سوريا تحقق بتوحيد البنادق العربية والسواعد العربية، مع حلفاء في محور مقاومة عالمي ضد البلطجة الأمريكية، وفي مواجهة مشاريع التقزيم والتفتيت، التي دفع فيها الخليج مليارات الدولارات، باعتراف رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم، على دولته وعلى شركائها في حلف الدمار.
وبقدر ما كان الانتصار العراقي مبهرًا، كون العراق كان يعاني تبعات الاحتلال الأمريكي المباشر، الذي دمر مكونات الدولة، وكتب دستورًا ساعد على إشعال الحرائق وجلب جماعات الذبح أفرادًا وجماعات من الخليج، وبحقيقة أن النصر جاء بسواعد الأبطال العراقيين أنفسهم، يبقى الإعلان السوري فارقًا.
سوريا كانت الساحة الأهم لكسر مشروع الشرق الأوسط الجديد، كونها منبت كل مشروع عربي وحدوي، منذ ثورتها الكبرى على إمبراطورية الشر العثمانية، وكما دفعت في الماضي أثمانًا باهظة، على يد جمال السفاح، للانتقال بالأمة العربية كلها إلى العصور الحديثة، فانها ارتضت أن تدفع ثانية فاتورة الوقوف في وجه المشروع الأمريكي.
الخطوة الأولى لمواجهة قرار "ترامب" كانت الانتصار العربي في سوريا، لتكتب الأمة بمداد الدم والنار أن المقاومة هي الإجابة الوحيدة الصحيحة.