هل انتهت الحرب في سوريا؟
أليكسندر أورلوف
في الحادي عشر من كانون الأول ، و في طريقه إلى مصر، توقف الرئيس الروسي عند قاعدة القوات الجوية في حميميم ، حيث هنأ الجنود الروس على هزيمة داعش و أعلن بداية انسحاب الجنود الروس من سورية. و في الحقيقة، خلال اللقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين في قاعدة حميميم الجوية ، صرح ممثلون عن القوة الجوية الروسية بأن انسحاب السلاح الجوي من سورية سيبدأ في الحادي عشر من كانون الأول.
و لكن هل يعني هذا أن الحرب في سورية ، و التي لاقت التشجيع و التمويل من قبل الولايات المتحدة و السعودية و قطر منذ عام 2011، قد انتهت؟ ، كلا ، لم تنته، و لكن من الممكن القول أنه بفضل عمليات القوات الجوية الروسية و المستشارين العسكريين و قوات العمليات الخاصة لم تعد داعش منظمة إرهابية قوية ذات أرض و إدارة…. و قد أكدت تقارير من كل المؤسسات الإعلامية في العالم أن داعش في التاسع من كانون الأول قد تبخرت في يوم واحد بكل معنى الكلمة. و في الواقع ذهب مقاتلوها إلى تحت الأرض، انقسموا إلى مجموعات صغيرة و اختفوا، مشكلين خلايا نائمة في مدن و تجمعات سكنية أخرى. و مع نهاية الحرب ضد داعش انخفض عدد مقاتليها من ثلاثمائة ألف إلى خمسة و عشرين ألف.
و إعلان فلاديمير بوتين عن انسحاب الجنود من سورية لا يعني أن جميعهم سيغادرون، بل سينخفض عددهم، تاركين فقط أولئك الأساسيين، و على الأرجح أن هذا الوجود العسكري "الأساسي” سيفسر على أنه "عدد كافي من الأشخاص قادرين على الدفاع عن أنفسهم”…
و هناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه، و هو أن داعش ، التي كانت في خريف 2015 عندما وصلت القوات الجوية الروسية و الجنود إلى سورية ، قد دمرت. و لكن يبقى السؤال : هل يعني هذا نهاية الحرب في سورية؟ لم تكن داعش هي من شنت الحرب ، بل المعارضة السورية ، المسلحة و الممولة من الغرب إلى جانب دول مجلس تعاون الخليج (الفارسي) ، و التي تم تدريبها في تركيا و الأردن و السعودية و قطر. و قواتها لم تدمر، بل تتمتع بالأمان في مناطق خفض التصعيد في سورية التي حددتها اتفاقية أستانا، و ينادي قادتهم السياسيون بمغادرة الأسد بينما يعيشون في دول متنوعة في الإتحاد الأوروبي و في قطر و تركيا. و هناك أيضا منظمات إرهابية أخرى ليست جزءا من داعش، مثل تحرير الشام ، و هي فرع من جبهة النصرة ، و مجموعات متطرفة أخرى أصغر، و قواتها لم تهزم، و هي فاعلة في ريف دمشق حيث تقوم بين وقت و آخر بإطلاق مدافع الهاون على العاصمة السورية ، و كذلك في حماه و إدلب و اللاذقية و حلب و في الجنوب و جنوب شرق سورية.
كل شرق سورية تحت سيطرة الأكراد من قوات سورية الديمقراطية (المدعومة من قبل الولايات المتحدة) و الذين يسيطرون على ثلثي حقول الغاز و النفط و لا يرغبون بالعودة تحت سيطرة الحكومة المركزية، و هناك أيضا فرق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني و وحدات حزب الله في سورية ، من تتعرض مواقعهم باستمرار لنيران القوات الجوية الإسرائيلية. و مؤخرا دخل حوالي ألف مقاتل من داعش إلى ادلب و قاتلوا إلى جانب قوات تحرير الشام، و بهذا فهم موجودون في شمال البلد.
إذن، و رغم حقيقة أن داعش لم تعد موجودة، الحرب في سورية مستمرة، و على جبهات كثيرة. و العملية السياسية من أجل التنظيم الداخلي لم تنجح في دفع المعارضة السورية و تركيا للجلوس على طاولة واحدة مع الأكراد و التفاوض معهم. و في الحقيقة هذه الحالة لصالح الولايات المتحدة الأميركية لأنها تسمح لها بالحديث عن أهمية وجودها العسكري في سورية ، حتى و إن كان، خلافا للوجود الروسي و الإيراني، غير شرعي. وحدهم الأتراك و الإيرانيون غير راضين عن الوضع، فأنقره لا يمكنها أن تقبل بخلق كيان كردي على الأراضي السورية ، و طهران ستواجه صعوبة في القتال على الأرض دون دعم القوات الجوية الروسية، خاصة بالقرب من الحدود السورية مع إسرائيل.و لهذا من الواضح أن المسألة الكردية واحدة من القضايا الأساسية في أجندة حوار فلاديمير بوتين مع رجب أردوغان.
و هناك أيضا مسألة هامة جدا، من وجهة النظر الإستراتيجية و الإقليمية، فتدمير قيادة داعش تقود إلى أخطار هائلة سوف تتجسد مستقبلا، تماما كما كان لسقوط نظام صدام حسين في العراق نتائج كارثية عبر المنطقة. فالاحتلال الفعلي للعراق، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فتح الباب لسلسلة من "الثورات الملونة” عبر العالم العربي، و لم يقم فقط بإظهار الصراع السني الشيعي على السطح، و لكن سمح له بالاندلاع في مستوى جديد من الحدة. و لكن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، غير مبالي بهذا الأمر، ففي النهاية هو لم يعد رئيسا، و الآخرون يعملون على ترتيب الفوضى التي خلفها.
لذا من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الحرب في سورية،فهي مستمرة و لكن في خطوط جبهة مختلفة و شكل جديد. و بنفس الوقت داعش لم تختفي ، و لكنها دخلت مرحلة جديدة سرية من نشاطاتها، و من المستحيل استبعاد احتمال ظهور داعش في المستقبل كشبه دولة في منطقة صراع أخرى، مثل ليبيا، أو في مصر، حيث لا يزال عبد الفتاح السيسي يقاتل الأخوان المسلمين الذي يزدادون قوة، و مجموعات إرهابية في سيناء و مناطق الخليج (الفارسي).
وتبقى هناك القضية الأكثر أهمية في المنطقة و هي المواجهة بين التحالف الأميركي- السعودي- الإسرائيلي و بين تحالف الطرف المقابل. و اقتراح نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس و الوضع في اليمن قد أعاقوا الأمور فقط ، و لكنهم لم يؤثروا في تصميم التحالف الثلاثي على ضرب المواقع الإيرانية في المنطقة، و هذا لا يعني أن الموضوع قد أغلق، و لكنه على الأرجح سيعود ثانية في 2018 بعد عطلة الميلاد في الولايات المتحدة و مع قرب الانتخابات الرئاسية الروسية. بشرط ألا يسقط النظام الحالي في السعودية كنتيجة لموجة القمع الحالية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، هذا مع احتمال تمكن الحوثيين من موازنة الوضع في اليمن بعد مقتل علي عبد الله صالح.
بكلمة أخرى، لا تزال أمامنا الموجة الرئيسية من الصراع في الشرق الأوسط.