خطاب السيد نداء الأحرار ...
غالب قنديل
سجل علامة فارقة ونوعية في خطاب قائد المقاومة السيد حسن نصرالله خلال مسيرة القدس الحاشدة التي شهدتها الضاحية الجنوبية رفضا لقرار دونالد ترامب ونداء السيد يمثل إعلانا لمرحلة نوعية وحاسمة لأنه جاء باسم محور المقاومة مجتمعا وتضمن محاور لخطة عمل وتضمن نفيرا للنضال ضد الحلف الأميركي الصهيوني الذي أنتج قرار ترامب وتوخى فيه منطلقا لتفعيل خطط التهويد وتكريس الاغتصاب الصهيوني لكل فلسطين وفرض الاعتراف بكيان العدو دولة يهودية عنصرية وتصفية قضية فلسطين إلى غير رجعية وهي عنوان التناقض المفصلي بين قوى التحرر الشعبية والوطنية ومنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية منذ قرن من الزمن.
لم يكن خطاب السيد نصرالله خطابا حزبيا او محليا بل هو بمثابة بيان استراتيجي على مستوى المنطقة برمتها فيه دعوة إلى استهاض قوى التحرر والاستقلال في جميع البلدان العربية من اجل تجنيد الجهود والطاقات في الكفاح لحل التناقض الرئيسي الذي جلب ويلات لا حدود لها منذ انطلاق الهجرات الصهيونية الاستيطانية تحت رعاية الانتداب البريطاني على أرض فلسطين السليبة والقدس هي العنوان المجسد لهذا التناقض برمزية ما تعنيه دينيا واخلاقيا وسياسيا لشعوب الشرق كله بمسلميه ومسيحييه بعلمانييه ومتدينيه.
الكيان الصهيوني الذي مثل بؤرة الحروب الدموية ومصدر المؤامرات وهو اليوم حاضن الإرهاب وداعمه كانت وظيفته منذ فرضه عنوة هي منع أي تقدم عربي في طريق الاستقلال والتنمية واستنزاف القوى العربية الحية لتوطيد الهيمنة الاستعمارية على الشرق ولذلك فقد كانت الدولة العبرية على الدوام الحليف والظهير لجميع الأنظمة العميلة والتابعة في سائر بلدان الشرق ولذلك فإسرائيل هي أداة الإخضاع الدائمة للهيمنة الامبريالية.
على الدوام عبرت الرجعية العربية عن تناغمها مع الكيان الصهيوني بقدر حرارة ولائها للسيطرة الاستعمارية الغربية وللهيمنة الأميركية من خلال الإذعان لمترتبات اغتصاب فلسطين العربية وتهويدها والتصدي المستمر لكل بادرة مقاومة واعتراض في البلاد العربية والعمل لإحباط أي تحرك من اجل الاستقلال والتحرر يجسد جذريته باعتناق تحرير فلسطين كتعبير عن هدف قومي استراتيجي يعادل انعتاق البلاد العربية من نير التبعية والعمالة الذي تحرسه انظمة متخلفة ورجعية استنزفت ثروات الأمة واستباحت كرامتها ومزقتها.
عندما يكون التناقض الرئيسي والوجودي الذي يواجه حركة التحرر والاستقلال والتقدم في المنطقة هو التصدي للهيمنة الاستعمارية الصهيونية انطلاقا من قضية فلسطين التي تتشابك في نسيجها جميع عناوين الكفاح الوطني والتقدمي فإن طليعة المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وكيانه الاستعماري الغاصب هي الطليعة التاريخية لكل كفاح تقدمي ووطني عربي وهذا هو الموقع التاريخي الفعلي لحزب الله ولقائد المقاومة السيد حسن نصرالله.
محور المقاومة الخارج لتوه من عتبات مرحلة تاريخية مجيدة تم فيها تحقيق الانتصار على الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي شن حربا مدمرة بواسطة عصابات الإرهاب وأراد التخلص من هذه الكتلة الإقليمية التحررية التي قلبت المعادلات والموازين وهي تنطلق من الحصاد التراكمي لفائض القوة والخبرة المكثف إلى مرحلة التصدي للتحدي الذي طرحه قرار دونالد ترامب الذي يدشن مرحلة جديدة من العدوان الاستعماري الصهيوني وينذر بانطلاق حملة تهويد واستيطان وتهجير واقتلاع للمزيد من أبناء فلسطين داخل الأرض المحتلة وفرض توطين الشتات على بلدان الطوق العربي تكريسا للكيان الغاصب ولنتائج الاستيلاء والتهويد المتراكمة بالقوة والعنف الدموي منذ عام 1948.
السيد نصرالله حدد معالم خطة محور المقاومة بواقعية شديدة ووجه النداء إلى الجماهير وسائر النخب العربية معينا المهام والأهداف بصورة علمية ودقيقة لا يملك أي عقل منهجي ملتزم سوى الموافقة عليها والدعوة إلى العمل بها دون تردد فلن يكون للمنطقة وبلدانها غد مستقل تملك فيه الشعوب ناصية قرارها وتدشن طريقها إلى الحرية والتنمية والعدالة من غير كسب هذه الجولة.
خطة السيد نصرالله هي السبيل إلى الغاية المنشودة التي حلمت بها جميع أجيال المنطقة وعندما يعين السيد المهام الكبرى بدقة ويشهرها باسم محور المقاومة فهذا يعني ان كمية هائلة من القدرات والخبرات ستحشد لتمكين القوى المناضلة الحية في هذا الطريق ومعنى ذلك أيضا ان محور المقاومة بما يمثل وبما يملك من مقدرات صنع المعادلات والتوازنات والتأثير المادي والمعنوي يضع جهوده وإمكاناته في هذه المعركة من اجل فلسطين من خلال جبهة متحدة دعا السيد لتكوينها فورا وتخطي جميع العوائق فلسطينيا وعربيا وإقليميا.