ما هو الهدف من وراء طرح ترامب الصادم : ’القدس عاصمة اسرائيل’؟
شارل ابي نادر
تتسارع تداعيات طرح ترامب "القدس عاصمة اسرائيل"، في فلسطين المحتلة او في الدول المحيطة - فقط في تلك المؤيدة صدقا للقضية الفلسطينية وليس في تلك المتواطئة ضدها - و في المجتمع الدولي ايضا الى حد ما، فقط بما يحفظ الموقع الدولي والديبلوماسي للدولة وليس بما يخدم القضية وحقوق فلسطين، وقد وصل الامر الى بعضها للمجاهرة بان ترامب خالف القانون الدولي وناقض القرارات المنبثقة عن المؤسسات التي ترعى هذا القانون.
بعد قرار الكونغرس القاضي بنقل السفارة الاميركية الى القدس في 23 من تشرين الاول/اكتوبر من العام 1995، والذي كان قد سبقه توقيع اتفاق اوسلو حول الحكم الذاتي للفسطينيين في غزة والضفة الغربية، دأب رؤساء الولايات المتحدة الاميركية على تأجيل تنفيذ قرار نقل السفارة الى القدس، مستندين الى احد بنود القرار الذي يسمح للرئيس بتأجيل التنفيذ لمدة ستة اشهر، و كان هؤلاء جميعا متفهمين لتأجيل التنفيذ تبعا لفهم كامل لتداعياته، ولما يمكن ان يجره من مضاعفات، قد تتجاوز جميع الاتفاقات او مشاريع التسويات فيما خص القضية الفلسطينية.
صحيح انه في تلك الفترة لم تكن الامور لمصلحة محور مقاومة اسرائيل كما اليوم، فقد كانت الاخيرة تحتل قسما من الاراضي اللبنانية، وكانت ما زالت تتواجد عسكريا داخل غزة وداخل اغلب مدن الضفة الغربية، وكانت اسلحة وقدرات حزب الله وحماس متواضعة نسبة لما هي عليه اليوم، كما ان جبهة سوريا الجنوبية على الحدود مع الجولان المحتل كانت مضبوطة تبعا لاتفاق الهدنة المُراقب دوليا، و كان الحضور والنفوذ الايراني في محيط اسرائيل اخف كثيرا مما هو عليه اليوم، فما الذي دفع بترامب ان يجازف اليوم بقرار صادمٍ، إعترض عليه تقريبا الجميع دونه؟ وهل تخلت الاستراتيجية الاميركية البعيدة والمعروفة بهدوئها عن قدراتها، واستسلمت لرئيس غريب الاطوار غير متوازن في تفكيره وفي قراراته؟ ام ان هناك ما تخفيه هذه الاستراتيجية مستعينة بصورة الرئيس المتسرع لابعاد الشبهات؟
انطلاقا مما يتم ترويجه عن صفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، والتي تتمحور خطوطها العامة بتمدد سكاني لغزة جنوب غرب على ساحل سيناء حتى مدينة العريش المصرية ضمنا، ولمساحة تتسع لحوالي مليون فلسطيني مع خدمات حيوية - مطار ومرفا ومباني ومنشآت اقتصادية وادارية وتعليمية وغيرها، مع التزام اسرائيلي بحل الدولتين دون الاشارة الى وضع القدس، ومع الغاء السلاح من غزة، والسماح للجيش الاسرائيلي بالعمل في الضفة الغربية بشكل اوسع واكثر فعالية (وكأنه اليوم مقصِّر في اجراءآته التعسفية والاجرامية في مدن الضفة الغربية)، و مع اغراءآت اقتصادية ومالية لمصر وللفلسطينيين، ومع موافقة اسرائيلية على تعديل بعض بنود الملحق العسكري لاتفاقية كمب دايفيد، لتمكين مصر من فرض سيطرة امنية اكثر في الباقي من سيناء، يأتي قرار ترامب بنقل السفارة الى القدس ليعطي وضعية جديدية للتفاوض اللاحق تبعا لما يلي:
- تنطلق اسرائيل في التفاوض من انها تمتلك ورقة قوية تعتبرها مُنجزة، وهي ان القدس عاصمتها وتفاوض على ذلك لتتنازل وتقبل بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية والقدس الغربية عاصمتها.
- مقابل هذا "التنازل الكبير" الاسرائيلي والذي انطلق من قرار ترامب، يوافق الفلسطينيون على تنفيذ صفقة القرن فيما خص غزة والضفة الغربية وحل الدولتين.
- تقبل مصر او "تتظاهر" بالتنازل عن الارض المخصصة لابناء غزة في شمال سيناء، مدعية تضحيتها مقابل السلام والامن و الامان والرخاء للشعب الفلسطيني.
- تتبرع الدول الخليجية وعلى راسها السعودية (المروج الرئيس لصفقة القرن) بمساعدات مالية واقتصادية يحتاجها وبامتياز حاليا المصريون والاردنيون والفلسطينيون، و تقدم نفسها هذه الدول كداعمة للسلام وكصديقة لتلك الشعوب المذكورة.
وهكذا تكون الاستراتيجية الاميركية – الاسرائيلية قد حققت هدفها بتسويق وترويج صفقة القرن، والتي حسب مخططهم، سيقبلها الفلسطينيون مرغمين، بعد ان تغريهم اسرائيل بموضوع تنازلها عن القدس عاصمتها، و بتقديمات مالية واقتصادية ضخمة، وتكون السعودية قد لعبت دور الممول والمنسق والممرر للصفقة، وتكون القضية الفلسطينية قد انتهت من خلال تسوية شيطانية ساهم هؤلاء جميعا في تنفيذها.