لتشمل دعواتنا "ترامب"!
حسين شريعتمداري
1 ـ من حقكم ان تستغربوا لعنوان المقال، اذ لا ينبغي ان نفكر ولو للحظة بطول عمر الظلمة فضلا عن ان ندعو بطول عمرهم! وبهذا الخصوص ينقل عن الامام الكاظم عليه السلام حادثة ملؤها الدروس والعبر، اذ كان احد اتباع الامام ويدعى "صفوان الجمال" يمتهن استئجار الحمير والجمال للقوافل، ومرة وقد استأجر الخليفة العباسي "هارون الرشيد" منه بضع جمال للسفر الى مكة المكرمة. وحين علم الامام الكاظم عليه السلام بالخبر عاتبه على فعلته فقال صفوان الجمال: لقد آجرته لسفر الحج وليس للمعصية.
فاجابه الامام: ألست تدعو من أعماق قلبك ليعود هارون من سفره بسلام لتستوفي حقك منه؟ فقال صفوان كذلك سيدي، فقال الامام: إنك ترتكب المعصية لتمنيك بقاء الظالم حيا. وفي نفس السياق كان الامام الراحل (ره) يقول: ان كنتم تريدون صلاح صدام وريغان فادعو لهما بالموت سريعا.
ولعل قضية "ترامب" تختلف شيئا ما. فحسب الادلة وما يستجد من سلوكياته فهو احمق بلا ريب، وقد قدم بتصرفاته الشنعاء التي تنم عن حماقة متجذرة، خدمات جمة ـ من غير ان يلتفت ـ للعالم الاسلامي لاسيما محور المقاومة، ولعل آخرها اعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب. من هنا الاجدر، وكما قال الامام السجاد (ع) الحمد لله الذي جعل اعداءنا من الحمقى، ان نرفع الاكف بالدعاء لبقاء هذا الرئيس في الحكم أطول!
ومن الطبيعي ان يكون الحمقى خطرين في حالات معينة وان انتهت اجراءاتهم في كثير من الحالات لصالح الخصم، الا نها مكلفة ايضا.
2 ـ ان مرورا سريعا على اجراءات ترامب بعد حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، تبين بوضوح انه وان خلق للعالم الاسلامي وللشعوب الاسلامية مشاكل بعضها تنم عن مخاطر، الا انه في نفس الوقت قد استعرض قائمة من الخيبة التي واجهت اميركا وحلفائها، نشير الى بعضها؛ كالكشف عن وجه اميركا الحقيقي، وعدم وفائها بالعهود، كما وافصحت عن الادوار خلف الكواليس التي يقوم بها بعض الدول العربية، المتظاهرة بالاسلام كالسعودية والامارات ومصر والاردن والسلطة الفلسطينية المتمثلة بمحمود عباس، وكذلك دفعها لآل سعود الاستمرار في الحرب على اليمن، وهكذا نقضها المتكرر لخطة العمل المشترك وزيادة العقوبات مما عرض التيار المنخدع باميركا في الداخل الايراني الى خطر جاد وزاد من افتضاح اولاء الذين كانوا يطبلون لاميركا ويزوقون اعمالها، وفي نفس السياق دعم اميركا لارهابيي داعش التنيظم الذي كان دوره في ايجاد الفرقة بين المسلمين الا ان تصفية هذا التنظيم ادى الى تعزيز وحدة الشعوب والمذاهب الاسلامية، وكذلك مؤامرة الامساك بسعد الحريري كرهينة في السعودية وما تمخض عنه من تداعيات مخيبة للمنفذين والمخططين و... وبالتالي تعبر هذه النماذج من خيبة ترامب في الوقت الذي تمثل كل واحدة من الامور المستعرضة سلفا ضربة موجعة وكارثية للشعوب الاسلامية الا انه لما كانت حسابات الخصم منشأها السفاهة ودون الاخذ بنظر الاعتبار ما يجري في عالمنا الاسلامي لا سيما صمود جبهة المقاومة، مما حول هذه المخططات الى مشاريع عكسية.
وتنفرد الحادثة الاخيرة باقرار ترامب ان القدس عاصمة للكيان الصهيوني قاتل الاطفال، بخصوصية نشير الى جوانب منها.
3 ـ فلقد اقدمت اميركا وحليفاتها الاوروبيين والاقليميين خلال السنوات الماضية، لاجل نسيان خطر الكيان الصهيوني الغاصب وغض الطرف عن هذه الجرثومة الفاسدة او تقليل خطرها في اذهان الشعوب الاسلامية، اقدموا على مساع عديدة باستخدام زعماء خونة لبعض الدول العربية، وقد نجحوا في مساعيهم الى حد ما، حتى قالها نتنياهو صراحة اننا نمتلك علاقات حميمة مع اكثر الدول العربية وسنشهد قريبا اعتراف هذه الدول باسرائيل رسميا! ولم يخف نتنياهو دعم اسرائيل لتنظيم داعش بل كان يفتخر بما تقدمه حكومته لهذه المجاميع الارهابية، حين كانت المشافي الاسرائيلية تداوي جرحاهم في تل ابيب وحيفا، وتتناقل القنوات صور عيادة نتنياهو لهؤلاء الارهابيين. ولاجل التوصل الى مدى خطورة ما قام به نتنياهو لابد من الالتفات الى ان ارهابيي داعش لم يوجهوا سهام حقدهم للشيعة فقط بل قاموا باعمال اجرامية ضد المسلمين من اهل السنة كذلك وبحجم اكبر، اضافة الى قتل والتشنيع بمعتنقي الاديان السماوية الاخرى. وعلى ذلك ان الذي ادى الى ان يقدم نتنياهو ودون اي خجل او التظاهر بالخجل لما يقوم به من دعم ارهابيي داعش، هو لاطمئنانه ان الشعوب الاسلامية قد نسوا خطر اسرائيل. والجدير ذكره ان بعض مسؤولي النظام الصهيوني ومنهم نتنياهو قد اعلنوا صراحة بخصوص سبب دعم اسرائيل لتنظيم داعش هو لان التنظيم قد غير بوصلة اهتمامات الشعوب الاسلامية وعدائها لاسرائيل ليوجهه صوب الدول الاسلامية لتنشغل باوضاعها الداخلية.
ان ما قام به ترامب من فعل احمق قد افشل هذا المخطط المشؤوم، اذ كانت القضية الفلسطينية قد نسيت بين الشعوب الاسلامية، لتتحول الآن الى القضية الاساس بالنسبة للعالم الاسلامي، حين خرجت الشعوب في انحاء العالم ضد نظام قتلة الاطفال، وحتى ان بعض التيارات الداعية للسلام، قد شددت على ضرورة ابادة هذا الكيان المصطنع. اليس هذا التصرف الارعن لترامب قد وظف لخدمة العالم الاسلامي؟!
4 ـ ان ترامب بفعلته هذه قد فضح قادة الدول المنبطحة والعميلة من الدول العربية. فعلى سبيل المثال نشهد بن سلمان الذي بلغت به الامور اكثر من كونه متملقا بل صار يلسع صحون الاميركان مبهوتا لانتفاضة المسلمين فاضطر لشجب موقف ولي نعمته ترامب!!
في الوقت الذي وحسب صحيفة "يديعوت احرونوث" كان قد وعد ترامب قبل اسبوعين من اعلان ترامب ان يؤيد موقفه.
وعلى سياق متصل قال عبد الباري عطوان بهذا المجال: انني استغرب لحالة الهلع الذي اصابت النظام العربي الرسمي بخصوص موقف ترامب، وكأن ترامب قد اقدم على امر غير متوقع، فهو كان قد اتصل قبل ذلك برؤساء اربع دول عربية؛ ملك السعودية، وعبد الفتاح السيسي، وملك الاردن، ومحمود عباس، مبينا لهم عزمه نقل عاصمة النظام الصهيوني الى القدس. واعتبر عبد الباري عطوان ادانة هؤلاء الزعماء العرب لموقف ترامب ناشئ من انهم لا حيلة لهم امام زحف العالم الاسلامي واعتراضه. معتبرا ما قام به ترامب لصالح الشعوب الاسلامية قائلا: " والله اقسم انني ادعو الله ان لا يتراجع ترامب يصب عن قراره. فنحن بحاجة لهذه الصحوة، بحاجة الى ان يزول الاعتقاد بهذه الوجوه العربية المتآمرة".
انه مكسب جديد للعالم الاسلامي جراء حماقات ترامب، وكما قال عطوان علينا ان ندعو لترامب!
5 ـ حين دعي "ياسر عرفات" في سبعينيات القرن الماضي لالقاء كلمة امام الجمعية العامة للامم المتحدة كان يحمل بيد غصن زيتون، علامة للسلام ويحمل بيده الاخرى بندقية كدليل على المقاومة، فانبرى سيناتور اميركي حين شاهد هذا الموقف قائلا: حين رأيت غصن الزيتون بيد ابو عمار تبادر لي ان بندقيته منزوعة الطلقات!!
وكان الحق معه، اذ اذعن بعدم الوثوق باميركا وعقم التفاوض مع الشيطان الكبير.
ان فعلة ترامب قد اماط اللثام عن هذه الحقيقة التي غفل عنها البعض لجهلهم والعديد لاستسلامهم، وكشف ان اميركا غير جديرة بالتفاوض، وان هؤلاء الفلسطينيين الذين كانوا يعولون خلال سبعين عاما على المفاوضات للعودة الى اراضيهم التفتوا الى ضياع مساعيهم وما كانوا يظنونه ماء معينا تبين انه السراب لا غير.
6 ـ والآن وبعد ان كشف ترامب عن الوجه الحقيقي لاميركا، فيجب ان لا نسمح بضمور جذوة الشعلة التي الهبت الشعوب الاسلامية مجتمعين في دهاليز الاعتدال، وان المقاومة،التي هي الطريق الوحيد للوصول للنصر النهائي، لابد ان تبقى مستقلة عن الحلقة المفرغة للحسابات والقرارات.
ورحم الله امامنا الراحل ورفع من درجاته ويحفظ لنا خلفه قائد الثورة المعظم، كيف رسما لنا خارطة الطريق مبكرا لمواجهة الاعداء وكيف صدقت نبوآتهما.