kayhan.ir

رمز الخبر: 67750
تأريخ النشر : 2017December08 - 19:27

قرار ترامب الأحادي نكسة للنظام الدولي


بقرار غير مستغرب نتيجة العقلية الاستعلائية للولايات المتحدة الأميركية، أعلن دونالد ترامب القدس عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني، في خطوة تدل على مدى دعم الادارة الأميركية لهذا الكيان الغاصب، وضربها لكل المواثيق الدولية عرض الحائط. أتى دونالد ترامب ليخدم الصهاينة خدمة تاريخية لا يضاهيها إلا وعد بلفور، قاطعاً أمامهم شوطاً كبيراً في تهويد القدس وتضييع القضية الفلسطينية لحساب الاحتلال.

على مدى سنوات استخدم الصهاينة وسائل عديدة لتهويد القدس منها (الاستيطان، مصادرة الأراضي، تهجير الفلسطينيين، سحب الهويات منهم، وإصدار القوانين المتعلقة بهذا التهويد) دون أن يستطيعوا تنفيذ كل ما يريدون، فأتى دونالد ترامب ليقدم لهم على طبق من ذهب إعلان القدس عاصمة للكيان، في ظل تغافل سعودي خليجي شبه عربي عن المخططات الصهيو أميركية لإنهاء القضية الفلسطينية عبر إعلان القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي.

أتى دونالد ترامب، ليكلل جهود الصهاينة منذ 69 سنة لتقسيم مدينة القدس المحتلة وتهويدها من أجل أهدافهم التوسعية وتغيير معالم فلسطين ونزع الهوية العربية التاريخية من مدينة القدس، فكان بقراره صهيونياً أكثر من الصهاينة. ما قام به ترامب، لا يأتي نتيجة صدفة، بل نتيجة تهيئة ظروف منذ تسعينات القرن الماضي لإعلان القدس عاصمة للكيان سيما أن واشنطن اليوم هي المتبني لـ"اسرائيل"، وقد أتى قرار ترامب بشكل أحادي دون مشاورة دولية.

ضرب ترامب لحق تقرير المصير

ما قام به دونالد ترامب يضرب حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ويضرب كل قرارات الأمم المتحدة في هذا الإطار، كما يضرب الحقوق الفلسطينية وما تحدثت عنه القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية،

فحق تقرير المصير يعتبر من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، باعتباره حقاً مضموناً لكلّ الشعوب على أساس المساواة بين الناس، لذلك كانت هناك صلة، قوية ومباشرة، بين مفهوم حق تقرير المصير بكل أشكاله، وبين مفهوم حقوق الإنسان، كفرد أو جماعة عرقية أو ثقافية.

وهذا الحق ثابت في ميثاق وقرارات الأمم المتحدة، حيث تنص الفقرة (2) من المادة الأولى على «إنماء العلاقات الودية بين الأمم، على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكلّ منها تقرير مصيرها». بالإضافة إلى المادة (55) من الفصل التاسع، الخاص بالتعاون الدولي والاقتصادي والاجتماعي، إذ يعتبر هذا المبدأ في المادة الخامسة والخمسين أساساً لخلق شروط الاستقرار والرفاه اللازمين لعلاقات الصداقة والسلام بين الأمم.

لقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 16 كانون أول 1952، القرار رقم (673) والذي اعتبرت بمقتضاه حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطاً ضرورياَ للتمتع بالحقوق الأساسية جميعها. ويعتبر القرار «1514» الخاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، من أهم قرارات الجمعية العامة، فهو تميز بأهمية خاصة من حيث أنه اتخذ محوراً استندت إليه قرارات الأمم المتحدة اللاحقة كافة، والخاصة بحق تقرير المصير، وقد نصّ على حق الشعوب، من دون تمييز، في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

لقد ضرب ترامب حق الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره، التي تم التأكيد عليه في العديد من القرارات الدولية، منها قرار الجمعية العامة رقم (2535) الذي اعترفت صراحة فيه بالشعب الفلسطيني وحقوقه «غير القابلة للتصرف»، وكذلك قرار الجمعية العامة (2628) الذي أكدت فيه ضرورة انسحاب الصهاينة من الأراضي التي احتلوها عام 1967 مع مراعاة حق اللاجئين في العودة. كذلك هناك قرار الجمعية العامة رقم (2649) الذي يقوم على إدانة إنكار حق تقرير المصير للشعب فلسطين، وقرار الجمعية العامه رقم (2672) الاعتراف لشعب فلسطين بحق تقرير المصير، وكذلك قرار الجمعية رقم (2993) الصادر في كانون أول 1972 والذي أكدت فيه «عمق قلقها لعدم السماح للشعب الفلسطيني التمتع في حقوقه غير قابلة للتصرف».

القدس مدينة محتلة

تعد مدينة القدس في القانون الدولي أرضا واقعة تحت الاحتلال، وتبعا لذلك ينطبق عليها ما يقرره قانون الاحتلال الحربي، ومعاهدة لاهاي عام 1907 للحرب البرية والبحرية، وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، التي تحظر وتجرم التغيير في معالم الإقليم المحتل، وتوجب على حكومة الاحتلال الحفاظ على التوزيع الديمغرافي والجغرافي.

وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراريه الشهيرين 242 (1967) و338 (1973) اللذين يضعان الأساس القانوني في تحديد أن "إسرائيل" قوة محتلة لقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس ويطالبانها بالانسحاب. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات التي تؤكد وجوب احترام القدس من جانب قوات الاحتلال، منها القرارات رقم 252 (1968) و267 (1969) و271 (1969) و453 (1979) و465 (1980) و476 (1980) و478 (1980) و1073 (1996)، وكلها تؤكد أن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، وينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية من عدم جواز القيام بأي إجراء يكون من شأنه تغيير الوضع الجغرافي أو الديموغرافي أو القانوني لمدينة القدس المحتلة.

مخالفة إعلان القدس عاصمة لـ"اسرائيل"

عندما أعلنت "إسرائيل" القدس عاصمة لها رد مجلس الأمن بقراره رقم 478 الذي يؤكد فيه أن ذلك يشكل خرقاً للقانون الدولي ولا يؤثر على تطبيق اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى المحتلة منذ يونيو العام 1967 بما فيها القدس. ويقرر أن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها "إسرائيل"، السلطة القائمة بالاحتلال، والتي غيّرت أو تعتزم تغيير وصف ووضع مدينة القدس مخالفةً للقواعد القانونية، وبالتالي فإن ذلك ينطبق ايضاً على ما يقوم به ترامب.

لقد أكد قرار الأمم المتحدة رقم 60/106 بتاريخ 8 كانون الأول /ديسمبر 2005 أن المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، وفي الجولان السوري المحتل، غير قانونية وتشكل عقبة أمام السلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وطالبت "إسرائيل" كونها السلطة القائمة بالاحتلال أن تتقيد في هذا الصدد تقيدا دقيقا بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، إزاء تغيير طابع ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

ما تقدم يؤكد أن القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة وهي حق للفلسطينيين، ولا يجوز اقتطاعها واعطاؤها للكيان الصهيوني، وبالتالي ما يقوم به ترامب يعتبر ضرباً للقوانين الدولية، والمؤسف أن المجتمع الدولي يستنكر ولا يضغط يدين ولا يتحرك، أما الأمم المتحدة فهي الغائب الأبرز الرازح تحت عبء الأموال الأميركية، وهذه المنظمة هي الغائب الابرز في ظل حفلة الجنون الامريكي الذي اصبح غير معلوم المخاطر بعد وصول ترامب للرئاسة الأميركية. أما الدول العربية فهي ملتهية بكيف تتعايش مع "اسرائيل" في المنطقة فكيف لها أن تتحرك لتنصر القدس وقضيتها، وهذا القرار المتهور لترامب هو نكسة للنظام الدولي بأكلمه.