’إسرائيل’ تكتشف خياراتها الفاشلة: بين تدخل يورِّط.. ورهانات تُخيِّب؟
علي حيدر
على قاعدة حكمة ما بعد الفشل، ارتفعت أصوات الكثير من الخبراء والمعلقين في الكيان الإسرائيلي التي تتلو فعل الندامة على عدم التدخل العسكري الإسرائيلي الواسع إلى جانب الجماعات المسلحة، لاسقاط النظام السوري وعلى رأسه الرئيس الاسد. وكشفت هذه المواقف، بل أكدت على مجموعة حقائق تتمحور حول أن الجماعات الارهابية والتكفيرية كانت تؤدي دوراً وظيفياً لصالح "إسرائيل” والولايات المتحدة، ولكنها في نهاية المطاف لم تتمكن من تحقيق ما كان يؤمل منها على مستوى اعادة انتاج بيئة اقليمية تكون فيها الهيمنة لإسرائيل ولأتباع الولايات المتحدة في المنطقة.
أكثر ما تتركز عليه انتقادات ما بعد جلاء معالم الفشل والهزيمة في الكيان الإسرائيلي، هي حول تفويت فرصة التدخل العسكري الواسع والمباشر، في التوقيت الذي كان ملائماً جداً -من منظورهم- لتدخل يؤدي إلى اسقاط النظام، في عامي 2012-2013. ويعود تحديد هذه الفترة إلى كون الجماعات المسلحة كانت تسيطر على أغلب الاراضي السورية، والشعور العام كان خلال هذه الفترة (إلى ما قبل معركة القصير) أن النظام على وشك السقوط.
خصوصية تلك المرحلة التي يركز عليها المسؤولون الصهاينة، تصبح أكثر اتضاحاً اذا ما استحضرنا حقيقة أن حزب الله تدخل عسكرياً في المعركة ضد الجماعات الارهابية في تلك المرحلة، وهو ما يؤكد على أن تطورات الميدان كانت تتطلب مثل هذا القرار، ويكشف ايضا عن أن تقديراتهم في "تل ابيب" التي كانت تتوقع قرب سقوط النظام، في تلك الفترة، كانت تستند إلى معطيات واقعية.
صورة المشهد الذي يتحدث عنه الإسرائيليون، بمفعول رجعي، أجمله السفير الاميركي السابق في سوريا روبرت فورد، في مقابلة مع صحيفة الشرق الاوسط، (19 يونيو 2017)، بالقول أنه في الوقت الذي كانوا يتوقعون اسقاط الرئيس الاسد، مطلع العام 2013، حصلت معركة القصير، وتدخل حزب الله بشكل كبير، وغير دينامية الحرب.
ما ينبغي قوله، أنهم في "تل ابيب" والعديد من العواصم الاقليمية المعادية للمقاومة، لم يخطئوا فقط في عامي 2012-2013، بل كانوا يعتقدون، رغم أن حزب الله نجح في منع سقوط الرئيس الاسد في تلك الفترة، ولكن مآله، مهما تآخر، إلى السقوط، لكن الصفعة الثانية التي تلقوها كما اشار فورد نفسه، ايضا، أن "الذي لم نكن نتوقعه، في أعوام 2014 و2015 المزيد من الإيرانيين والعراقيين والأفغان وحزب الله، ثم روسيا ترسل قواتها الجوية".
مع ذلك، ينبغي التأكيد أيضا على أن الحديث لا يتعلق فقط بتقديرات خاطئة لمستقبل الاحداث السورية، بل إن عدم التدخل نفسه، كان نتيجة تقديرات ومعرفة مسبقة، بأن أي تدخل عسكري مباشر سيؤدي إلى اتساع نطاق المواجهة، انطلاقا من أن محور حزب الله الجمهورية الاسلامية في ايران، لم يكن ليسمح في ذلك الوقت بهذا المستوى من التدخل، دون رد مضاد تناسبي.. ويبدو أن صناع القرار في ذلك الحين، أدركوا بأن أي خيار من هذا النوع، خاصة وأنه كان مطروحا كجزء من الخيارات المطروحة أمام "إسرائيل” والولايات المتحدة في ذلك الحين، سيؤدي إلى نشوب مواجهة عسكرية، التي سرعان ما ستتحول إلى حرب اقليمية، وهو ما دفعهم الى التردد والامتناع عن مبادرة من هذا النوع.
على هذه الخلفية، إذا ما أراد الخبراء أو الشخصيات التي كانت تتولى مناصب رسمية، انتقاد اداء نتنياهو -باعتباره رئيسا للحكومة منذ العام 2009- قد "يصح" توجههم لمناقشة نتنياهو وحكوماته المتوالية في حيثيات تبني الانكفاء عن الخيار العسكري المباشر والواسع، وما إن كان ذلك سيؤدي إلى مواجهة اقليمية.
وفي ضوء ذلك، هل كان على "إسرائيل” في ذلك الحين أن تتدخل، مع علمها أو ترجيحها لسيناريو المواجهة الواسعة، أم عليها الاكتفاء بالرهان على الجماعات الارهابية، بدلا من انتقاد نتنياهو لتقديراته، وتقديرات أجهزته الاستخبارية، التي استبعدت سقوط النظام والرئيس الاسد، فقط.
ما يعزز حضور امكانية المواجهة الاقليمية في حسابات صانع القرار في تل ابيب،ايضا، أن "إسرائيل” عندما استنفذت الرهان في هذه المرحلة على الجماعات الارهايبة، باتت من جديد أمام خيار التدخل العسكري المباشر، وهو ما أدى الى ارتفاع صراخها، تهديدا وتهويلا، لكن من دون أن تبادر -حتى الآن- إلى أي خطوات عسكرية واسعة في هذا الاطار، بل تتركز اعتداءاتها، على أهداف موضعية مدروسة ولها خصوصية محدَّدة.
في كل الاحوال، تبقى حقيقة أن "إسرائيل” والمنطقة، باتت أمام محطة مفصلية ستحدد مستقبل معادلاتها التي ستحكم حركة الواقع الاقليمي، ومن هنا تشهد تل ابيب حراكاً سياسياً نشطاً جداً باتجاه موسكو وواشنطن، على أمل أن تتمكن من إحداث تعديل في توجهات الدولتين العظميين، بهدف احتواء مفاعيل الانتصار الذي حققه محور المقاومة في الساحتين السورية والاقليمية.