أين السعودية من مشروع ترامب اعتبار القدس عاصمة ’إسرائيل’؟
بعد 100 عام على وعد بلفور، ومرور سبعين عاماً من الشؤم للقضية الفلسطينية بعد صدور قرار تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة، يأتي دونالد ترامب ليكمل مشروع الصهيونية العالمية لتهويد القدس واعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي.
حتى عهد ترامب لم يتمكن رئيس أميركي من إعلان القدس عاصمة لـ"اسرائيل"، مع كل الدعم اللامتناهي والمحاولات المتكررة من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة إلا أنه لم يتم التصلف والتشدد في فكرة إعلان القدس عاصمة للكيان الغاصب كما يطرح ذلك دونالد ترامب حالياً، مع أنه حصلت محاولة من جورج بوش الابن لكنها فشلت.
إعلان ترامب المتجدد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، هو إعلان يريد رئيس البيت الأبيض أن يكون مقدمة لإعلان القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي، وهذا ما يمثل عدواناً مباشراً على الشعب الفلسطيني، ويراد من ذلك طمس حق فلسطين، وتنفيذ كل مشاريع "إسرائيل" كما وعد ترامب في حملته الانتخابية، وهو اليوم ينوي نقل السفارة الأمريكية الى القدس قبل يوم الأحد المقبل، وهذا ما يشكل أمراً خطيراً جداً يجب التحرك ضده لمنع تنفيذه.
رغم مرور 36 عامًا على قرار الاحتلال الاسرائيلي، ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها عام 1980 -والذي احتلته بعد حرب سنة 1967- وإعلان المدينة عاصمة لها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي –بما فيه الولايات المتحدة آنذاك- لا يعترف بالقدس كعاصمة لـ"إسرائيل"، ويعتبر القدس الشرقية جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للكيان الصهيوني.
وفي عودة قصيرة لتاريخ القضية، وسياسات واشنطن في التعامل معها، فإنه في عام 1990، اتخذ الكونغرس الأمريكي قراره رقم "106"، والذي نص على نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، وصدر قانون نقل السفارة الأمريكية في عام 1995، وذلك بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض بين الكيان الصهيوني والمفاوضين الفلسطينيين، والذي تم فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي.
احتوت ديباجة القانون الأمريكي آنذاك على كافة المزاعم والأطماع اليهودية في مدينة القدس العربية. وتنكَّر القانون في الوقت نفسه لتاريخ وواقع القدس والسيادة العربية الإسلامية عليها. وتضمن القانون ثلاثة بنود: الأول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة أي تكريس الاحتلال الإسرائيلي للقدس بشطريها المحتلين، وشرعنته. والثاني: يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ"إسرائيل"، ويدعم الاحتلال بالضم والتهويد والدفاع عنه. والثالث: يلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس وإقامة مبنى السفارة فيها حتى عام 1999 أو متى يحين الوقت لذلك.
ومنذ العام 1995 سنّ الكونغرس الأمريكي قانونا يقضي بنقل سفارة الولايات المتحدة في "إسرائيل" من تل ابيب الى القدس، ويقوم الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون بالتوقيع على أمر رئاسي يتم تجديده كل نصف سنة يعلّق تنفيذ هذا القانون، خشية أن تؤدي هذه الخطوة الى إشعال الأجواء المتوترة في منطقة الشرق الأوسط.
القانون الذي وافق عليه آنذاك مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (93) مقابل (5) أصوات ضده، وأعلن الرئيس بيل كلنتون حينها أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم بتنفيذه، يظهر مدى التعجرف الأميركي في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ومدى مساندة واشنطن للكيان الغاصب. المؤسف حينها أن معظم الدول العربية لم تحرك ساكناً.
بعد ذلك وقع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً أقره مجلس الشيوخ الأمريكي ينص على أن "القدس الموحدة" عاصمة للكيان الإسرائيلي، مما أثار حينها الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية. وقد اعتبرت الدول العربية ذلك القانون خطيرًا ويهدد الاستقرار في المنطقة، ويدل بشكل كامل على الانحياز الأمريكي لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة وتبنيه والدفاع عنه.
أما إدارة باراك اوباما فإنها حاولت تفادي تطبيق القرار قدر المستطاع، خوفًا من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وانعكاس ذلك بالطبع على الاحتلال، حيث أرجأ أوباما أكثر من مرة نقل سفارة بلاده لدى الكيان الإسرائيلي من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، وبحسب القانون الذي تم تمريره في عام 1995، ولكن القانون كان يجيز للرئيس تأجيل العملية لمدة ستة أشهر لأسباب تتعلق "بالأمن القومي".
ويسعى ترامب جاهداً لتنفيذ قراره، وعدم تعليق تنفيذ قانون نقل السفارة الأمريكية الى القدس. وقد أعلن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أن الرئيس ترامب يدرس نقل السفارة بشكل جديّ.
هذا التصرف الصلف لترامب، وتفكيره بهذه الخطوة الاستعلائية ما كانا لتحصلا، لولا أن بعض الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية، باعت القضية الفلسطينية، وتنازلت عن عروبتها من أجل مصالحها وإرضاء لأميركا وإسرائيل. فترامب ونتنياهو ما كانا ليتجرآ على هذه الأعمال لو أن في السعودية حاكما شريفا عادلا قويا يدافع عن قضايا الاسلام والمسلمين، ويقف بوجه الاستعلاء الأميركي ويمنع هذه الخطوة، لكن هؤلاء همهم فقط عروشهم وقد ذهبوا للتطبيع مع الكيان الغاصب وباعوا فلسطين، لا بل يبدو أنهم قد وافقوا مسبقاً على ما يريد أن يفعله ترامب. فأين الملك السعودي ونجله من هذا القرار؟ لماذا لا يتحركان من خلال صداقتهما اللامتناهية مع ترامب لأيقاف هذه الخطوة المتهورة؟ ألم تعد فلسطين تمثل شيئاً للسعودية؟
أسئلة عديدة تطرح ايضاً حول موقف المجتمع الدولي حول هذا الإعلان الجديد للإدارة الأميركية، أمام ما يشكله هذا الإعلان من هدر لحقوق العرب والفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، حيث تشكل خطوة واشنطن انتهاكا صارخا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد أن القدس جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ما يريد أن يقوم به ترامب يشكل خطراً كبيراً جداً على الأوضاع في المنطقة، ويشاء منه إهدار حق الفلسطينيين بفلسطين وعودتهم إليها، لذلك فعلى كل الأمة العربية بدولها وشعوبها ومجلس الأمن الدولي التدخل من أجل وقف هذا المشروع الترامبي الخطير جداً.