kayhan.ir

رمز الخبر: 65888
تأريخ النشر : 2017October31 - 21:42

واشنطن والرياض: التصويب على طهران والهدف حارة حريك


حمزة الخنسا

بتناغم فريد، تواصل واشنطن والرياض دق طبول الحرب في المنطقة. من بوابة اليمن، نسف ولي العهد السعودي كل ما بُذل من جهود، عبر الأمم المتحدة، للخروج بتسوية سياسية تضع حدّاً للحرب القائمة في البلد الفقير. ومن بوابة إيران، تواصِل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التلويح بالعصا لكل من عصاها في المحور الممتد نحو دمشق وبيروت.

لم يكن تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" (نيوم)، خارج السياق الأميركي العام المرسوم بدقة لمرحلة ما بعد "داعش". التناغم التام مع الخطاب الأميركي بدا واضحاً. فقد حمّل ابن سلمان، انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، مسؤولية جنوح مملكته نحو التطرّف والإرهاب. قالها صراحة إن المملكة لم تكن على ما هي عليه اليوم قبل العام 1979. وعد بالعودة "إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب"، بعد "تدمير المتطرّفين في القريب العاجل".

الأميركيون الذين أحيوا هذا العام – على نحو لافت - ذكرى تفجير مقرّ المارينز في بيروت عام 1983، حمّلوا أيضاً إيران المسؤولية. قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، إن تلك العملية، قبل 34 عاماً، أطلقت الحرب الشاملة على الإرهاب التي تخوضها واشنطن، وكانت بمثابة الشرارة التي حملت القوات الأميركية إلى العالم الأوسع، من لبنان إلى ليبيا، ومن نيجيريا إلى أفغانستان، ومن الصومال إلى العراق وغيرها.

وكما دأب الخطاب الرسمي السعودي على تحميل إيران مسؤولية كل التطرّف والإرهاب المنتشر في العالم منذ العام 1979 إلى اليوم، وضع الأميركيون عملية بيروت في سياق طويل من الأحداث المسؤولة عنها إيران، من ضمنها اعتداءات 11 أيلول 2001. حتى أنهم صاروا يستخدمون أدبيات الخطاب الرسمي السعودي في توصيف إيران ومسؤوليها ومؤسساتها. مثلاً، توعّد بنس بأن ترامب لن يقف مكتوف الأيدي بينما يخطط "آيات الله في طهران" لهجمات على غرار الهجوم على مقرّ المارينز في بيروت.

ليس بالأمر الجديد أن يتهم الأميركيون والسعوديون معاً، إيران بدعم الإرهاب. لكن الخطوة المتقدّمة التي خطتها واشنطن في هذا السياق، تتمثّل في إدراجها إيران على لائحة الجهات التي ستطالها "جهودها" في إطار حربها على الإرهاب. هذه الحرب التي صارت مع مرّ الأيام، مرادفاً لنشاط واشنطن، الاقتصادي والسياسي والعسكري، ضد تنظيمات إرهابية مثل "القاعدة" و"داعش"، اليوم أضيفت إليها إيران وحزب الله.

المبالغة الرسمية الأميركية في إحياء ذكرى تفجير مقرّ المارينز، حقّقت هدفين. الأول، تكريس إيران "مرجعاً أصيلاً" للإرهاب في العالم. والثاني، ترسيخ حزب الله "وكيلاً للدولة الراعية للإرهاب". وفي هذا الإطار أتت التقارير الأميركية التي تحدّثت عن رصد أنشطة لـ"الوكيل" على الأراضي الأميركية، وأيضاً ما روّجه مسؤولون أميركيون عن محاولات للحزب تنفيذ "هجمات إرهابية في قارات العالم كافة".

في المقلب الآخر، يمتلك محور المقاومة قراءة خاصة للصخب الأميركي – السعودي المفتعل. تتحدّث هذه القراءة عن سياسة جديدة صارت واضحة المعالم، تعكف إدارة ترامب بالتكافل والتضامن مع فريق ابن سلمان، على تنفيذها. التوجّه الجديد، وفق هذه القراءة، هو استهداف حزب الله بما أمكن من وسائل تؤدي الغرض. خلف الصراخ المرتفع في وجه إيران من بوابة ملفها النووي، هدف أصيل.. الذهاب نحو مواجهة جديدة مع الحزب. هذه المواجهة لا تنفصل عن دوره الأساس في تحقيق الانتصار على "داعش" في سوريا والعراق، فيما لم يكن القضاء على "داعش" من أولويات واشنطن ولا الرياض.

الضغط المتزايد على إيران يهدف، من ضمن ما يهدف، إلى الوصول إلى حزب الله أولاً. ضرب الحزب، بما يمثّله من مشروع مقاوم أثبت نجاعته في مواجهة الحرب الكلاسيكية الإسرائيلية، وحرب العصابات التكفيرية، وما بينها من "حرب أدمغة"، ضرورة لنجاح الخطوة الأساس المتمثّلة بفك الارتباط بين سوريا وإيران. خيار فصل دمشق عن طهران أُعيد طرحه على الطاولة بعد فشل خيار إسقاط سوريا، الذي احتل قمّة جدول الأعمال الأميركي السعودي منذ العام 2011. يعتبر الأميركيون أن إجبار إيران على الرضوخ، يصبح أسهل بعد "تقليم أظافرها". لا ينظر الأميركيون إلى حزب الله سوى من زاوية أنه أحد هذه الأظافر، وأكثرها حدّة.

داخلياً، ذهب حزب الله بعيداً نحو تحصين ساحته. الخطاب الأخير لأمينه العام سماحة السيّد حسن نصرالله، رسم خطوطاً واضحة لما يمكن أن تكون عليه المواجهة، إنْ حصلت. استباقياً، وضع السيّد نصرالله السعودية وإسرائيل في سلّة واحدة، وأعلنَها في خطاب جماهيري مباشر، أنهما تهدّدان الأمن والسلام في الإقليم. لا تخرج أي قراءة للحزب عن هذا السقف المرتفع الذي رفعه السيّد نصرالله. تحصين "الجبهة الداخلية" عامل أساسي، من ضمن الاستعدادات الأخرى.

وعليه، فإن التسخين الحاصل على الساحة اللبنانية، والذي يتراوح بين طائفي تقوده "القوات" برئيسها وكوادرها، أو مذهبي يطل برأسه تحديداً من الشمال عبر أشرف ريفي، مثلاً، وإنْ كان يخدم هدفاً منظوراً متمثلاً بالانتخابات النيابية المرتقبة، إلا أنه قد ينزلق إلى ما يتوافق مع خطط "مقروءة جيداً" تهدف إلى إشعال الساحة في وجه حزب الله من أبواب متعددة "درءاً لما هو أعظم". الأعظم الذي تلحظه قراءة الحزب، وتحيله إلى واقع الأمر اليوم: لا مجال لتمدّد الأذرع السعودية مجدّداً في لبنان.

فإذا كانت دعوة الوزير السعودي تامر السبهان لإنشاء تحالف دولي ضد حزب الله، تستوجب إعادة تفعيل وتنشيط تحالفات داخلية تواكب المواجهة الدولية على الساحة المحلية، فإن الحزب يعلنها واضحة أن مَن يحب أن يذهب إلى مواجهة من هذا النوع "فكلنا يحمل دمه على يده، ونحن في هذه المعركة لدينا دم وسيف.. كلاهما ينتصر".