kayhan.ir

رمز الخبر: 65885
تأريخ النشر : 2017October31 - 21:41

البحر الأحمر عندما يكون ثمنًا لاستلام العرش السعودي!


إيهاب شوقي

سيطرت قنبلة "ابن سلمان" الصوتية التي ألقى بها في مؤتمر "دافوس الصحراء" والتي اشتهرت بـ"مشروع نيوم" على عناوين الأخبار والتحليلات السياسية، وتفاوتت التقديرات بكونها اأوهاما وأحلام يقظة، وبين كونها مؤامرة كبرى وذات علاقة وطيدة بالتطبيع وبمصطلح آخر شهير هو "صفقة القرن".

والواقع أن بين هذه الطبقات من التقديرات، توجد طبقات أخرى لا تخلو من صحة، وبألفاظ أخرى، فإن بين أن يكون الأمر وهمًا، أو أن يكون مؤامرة، توجد مستويات أخرى ينبغي إلقاء الضوء عليها.

مشروع "نيوم"لا يمكن أن تقوم له قائمة دون الشراكة مع "إسرائيل"

بادئ ذي بدء، فإن طبيعة المشروع تشي بأنه ليس مشروعا سعوديا من الأساس ولا من بنات أفكار ابن سلمان، فما أعلن هو ان التقنيات المستقبلية لتطوير منطقة "نيوم" تشمل مزايا فريدة، يتمثل بعضها في: حلول التنقل الذكية بدءا من القيادة الذاتية وحتى الطائرات ذاتية القيادة، الأساليب الحديثة للزراعة وإنتاج الغذاء، الرعاية الصحية التي تركز على الإنسان وتحيط به من أجل رفاهيته، الشبكات المجانية للإنترنت فائق السرعة أو ما يُسمى بـ"الهواء الرقمي"، التعليم المجاني المستمر على الإنترنت بأعلى المعايير العالمية، الخدمات الحكومية الرقمية المتكاملة، وهي مشروعات مستنسخة من مراكز الدراسات والمشروعات الكبرى العالمية.

وبالتالي فإن المشروع معدٌّ سلفا وتمت صياغته وقام الامير وولي العهد بعرضه ووضع اسمه عليه فقط ليتصدر واجهته.

ويعزز ذلك تولية ادارة المشروع لرجل الأعمال الألماني كلاوس كلاينفيلد وهو من هو في عالم الادارة وفي انتمائه بل وعضويته بالمجلس الاداري لمنظمة بيلدبيرغ الشهيرة بانها نواة لحكومة النظام العالمي والمعروف دورها في الاحداث المفصلية العالمية وآخرها "الربيع العربي".

كلاينفيلد عضو فخري بمعهد "بروكينغز" وعضو في مجلس العلاقات الخارجية، وهو عضو مجلس الشيوخ الفخري لاجتماع "لينداو" للحائزين على جائزة نوبل، كما يشغل منصب عضو في مجلس أمناء "المنتدى الاقتصادي العالمي"، وتشير مواقع أمريكية "مناهضة للصهيونية" مثل موقع "The End of Zion" إلى أن ثلثي أعضاء "بيلدبيرغ" من اليهود، وتؤكد أن كلاوس كلاينفيلد "يهودي أو نصف يهودي".

أيضًا يوضح موقع "Get Net Worth" المعني بتصنيفات لأغنى الشخصيات حول العالم، وأغلى السلع، إلى أن كلاينفيلد يهودي.

ناهيك عن ان لكلاينفيلد تاريخًا في غسيل الأموال، فبحسب تقرير لصحيفة "دويتشه فيلله" الألمانية فإن كلاوس كلايفيلد تعرض للتفتيش ومداهمة مكتبه عام 2006 بسبب دعوى جزائية مرفوعة ضد شركة "سيمينز" في سويسرا تتعلق بتهمة غسيل الأموال والاختلاس.

وأشارت الصحيفة إلى أن كلاينفيد وهو مدير الشركة متهم بإيداع أموال في حسابات سرية تصل الى اكثر من 100 مليون يورو تستخدم في رشوة عملاء الشركة في كافة انحاء العالم.

ونحن ممن لا يعتقدون بامكانية توارد خواطر بين ولي العهد الشاب ومنظمة بيلدبيرغ سواء من حيث التخطيط واختيار المواقع الجيواستراتيجية ولا من حيث اسناد الادارة، ونحن ممن يؤمن بان الشاب قد عرض عليه المشروع كتسويغ لشرعية تخطيه لعراقيل عائلية وعمرية وسياسية لاستلام حكم المملكة من جهة، ولانفاذ مشروع اكبر يتم التخطيط له منذ فترة من جهة اخرى.

يمكن ان نسترشد بما كتبه الباحث الأميركي، أندريه كوريبكو، في مقال نشره في "أوريينتال ريفيو"، من أن المملكة العربية السعودية ستعترف بإسرائيل في المستقبل القريب، ومن ضمن أسباب الاعتراف سيكون تنفيذ مشروع مدينة نيوم على البحر الأحمر، لكن على ولي العهد، محمد بن سلمان، الانتصار في معركة داخلية في البداية.

وأن "تقارب محمد بن سلمان مع إسرائيل لا يهدف فقط إلى مواجهة (العدو الإيراني المشترك) أو لإظهار مدى جدية التغييرات التي تشهدها السعودية، ولكن قبل ذلك لأن مشروع مدينة "نيوم" الاستثماري في خليج العقبة على البحر الأحمر، الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي، لا يمكن أن تقوم له قائمة دون الشراكة مع إسرائيل".

ويرجح الباحث الأميركي أن تختار السعودية الاعتراف بإسرائيل لضمان تنفيذ مشروع مدينة "نيوم"، وتأمين انتقال المملكة من الاقتصاد النفطي إلى اقتصاد مفتوح يعتمد على الاستثمارات المحلية والأجنبية، وعلى قطاعات السياحة.

ويمكن ايضا كمصري ان ارفض المشروع رفضا تاما للشواهد السابقة والتي تستفز جميع الاحرار والمقاومين للمشروع الصهيو امريكي ولبعض الشواهد الاخرى التي تخص مصر بالاساس مثل ان المشروع سيعمل على تأمين خط آخر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، بعيدًا عن قناة السويس المصرية، وللاستفادة من خطة إسرائيلية مقترحة لإقامة شبكة قطارات من البحر الأحمر إلى المتوسط.

وكذلك لعوامل تنكأ الجراح بشأن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين واللتين تم التفريط بهما بشكل مهين لكل احرار مصر وبعار سيلاحق كل من فعل وساهم بالدعم لهذه الفعلة.

فقد بينت خريطة نشرت على موقع المشروع أن المنطقة الاقتصادية الجديدة ستشمل جزيرتي تيران، وفي سؤال لابن سلمان حول امكانية شرب الكحول في منطقة نيوم، جاءت تصريحات ابن سلمان كما يلي:

"مصر تبعد عن جزيرة تيران من 3 الى 5 كيلومترات، لذلك سوف تحتاج فقط للانتقال إلى مصر باستخدام السيارة في دقيقتين فقط وإذا كنت على مسافة بعيدة من مصر، قد يستغرق الامر 20 دقيقة فقط باستخدام سيارة، وهناك في مصر إذا كنت سائحا أجنبيا سوف تكون قادرا على شرب الكحول".

سنترك هذه التصريحات هدية لكل من ساهم في عار التخلي عن الجزر.

تفيد التقارير أنه في حال لم تعترف السعودية بإسرائيل، فإن "مشروع مدينة ابن سلمان" سيفقد دلالته الاستراتيجية في النظام العالمي، وبالتالي سيخسر جاذبيته للمستثمرين الكبار، وسينتج عن هذا الفشل انهيار استراتيجية ابن سلمان للعام 2030.

ومن التحليلات الاقتصادية العالمية يمكن ان نرصد بعض التحديات التي قد تعيق التقدم في هكذا مشروع، مثل النظام التشريعي غير المتطور والبيروقراطية البطيئة وضعف إنتاجية العمالة، مما يشكل عامل ردع للمستثمر الأجنبي ويتسبب بإحباط المشروع كما حصل سابقا ببعض الخطط الاقتصادية. بالإضافة لتسبب الركود الناجم عن انخفاض أسعار النفط والسياسات التقشفية في خفض نمو القطاع الخاص ليقترب من الصفر.

ويتخوف بعض رجال الدين سرا أو في العلن من أن المبادرات الجريئة للأمير في مجالات الترفيه والسياحة إنما تنذر بتغييرات في التعليم الذي يعد معقلا للتفكير المحافظ، حيث يعتقد منتقدون في الغرب أن سيطرة رجال الدين تشجع الإسلاميين المتطرفين ليس في السعودية فحسب بل وفي أنحاء العالمين العربي والإسلامي.

وما نراه ان المشروع بهيئته المعلنة في صيغة يوتوبيا عالمية هو، وبالتعبير المصري "فنكوش" وهذا المصطلح يدل على انه وهم كبير.

ولكن من حيث الخرائط والادارة فهو توجه جاد وقد يكون الصيغة التنفيذية لاعطاء حرية مرور دائمة للعدو الاسرائيلي عبر خليج العقبة لان من ضمن ما قاله ابن سلمان ان المشروع سيطرح للبيع في النهاية على غرار ارامكو!

اي انه ستتولى كارتيلات عالمية ادارته وسيصبح للعدو الاسرائيلي حرية مرور دولية باعتبارها منطقة تجارة عالمية وهو ما سيدفن حق مصر في استعادة السيطرة على خليج العقبة للابد وسيخرج الموضوع عن النطاق المصري السعودي.

الموضوع اكبر من تطبيع وانما تدشين لحقبة صهيونية جديدة برعاية النظام العالمي!

يبدو ان هذا الامير الشاب قد استلم حكم المملكة بابهظ ثمن يمكن ان يدفع وهو فقدان سيطرة العرب على البحر الاحمر وقناة السويس.

ويبدو ان مواجهة هذا المشروع لا بد وان تكون عاجلة وشعبية والا فلن يفيد البكاء لاحقا.