kayhan.ir

رمز الخبر: 65813
تأريخ النشر : 2017October30 - 22:19

تأثير الدور الإيراني في منع تقسيم البلاد العربية والإسلامية


* توفيق حسن علوية

التقسيم بالنسبة للدول الكبرى المستعمرة والمستكبرة ليست بدعا من السياسات، وإنما هي سياسة قديمة اتخذها كل مستكبر ومستعمر في طول الوجود البشري، حتى لو كان صاحب نفوذ صغير.

فما كان مألوفا عند المستكبرين والمستعمرين القدامى ورثه المستعمرون والمستكبرون الجدد كبريطانيا وأميركا ومن دار في فلكهما وطهى في مطبخهما.

بيد أن التقسيم في العصر الراهن أخذ منحى خطيراً جداً من حيث الشعارات والأساليب والممارسات لم تعهده المجتمعات السابقة؛ ففي السابق كان التقسيم شبه عادي لأن عالم التكوين كان عاملاً مساعداً عليه، كما أن عالم الطبقية كان يساعد جداً على ترجمته واقعا.

فقد كان التقسيم تارة يكون على أساس اللون من ناحية الأبيض والأسود، وهذا أمر ظاهري وواضح وإن كان ممنوعاً من الناحية الإنسانية والقيمية والدينية، كما كان التقسيم على أساس الطبقات الفقيرة والطبقات الغنية البرجوازية، وهو أيضا كان من الأمور الظاهرية الواضحة من جهة أن الأغنياء كانوا ينحازون عن الفقراء ويشكلون مجتمعا خاصاً بهم وكذا الفقراء، كما أنه كان هناك تقسيم من نوع آخر تفرزه الحروب حيث كان المنتصر ينحاز عن المهزومين ويجعلهم عبارة عن مجموعة قطائع ومقاطع مقسمة بحسب طريقته في تحقيق هدف تشتيت قواهم التي يمكن أن تتسبب في قلب الهزيمة إلى انتصار فيما لو تم تجميع المشتت وتحقق الاتحاد.

وهذا وشبهه نجده ماثلاً في القران المجيد حيث تحدث الله المتعال عن فرعون بوصفه جاعلاً من استضعفهم شيعاً وفرق بينهم.

نعم أن الشعارات والممارسات والأساليب التقسيمية لدى الأنظمة الاستعمارية الاستكبارية تتخذ في هذا الزمن طابعا خطيراً جدا.

فشعارات التقسيم الآن قائمة على أسس عدة:

1- عرقي إذا كانت الفوارق بين المجتمعات المستهدفة فقط عرقية.

2- ديني: إذا كانت الفوارق بين المجتمعات المستهدفة دينية كالمسيحية والإسلام واليهودية والبوذية وغيرها.

3- مذهبي: إذا كانت الفوارق لدى المجتمعات المستهدفة مذهبية، كالشيعة والسنة والزيدية والإسماعيلية والعلوية وغيرها.

4 - علمية: إذا كانت الفوارق بين المجتمعات المستهدفة علمية.

5 - تكفيرية: إذا كانت المجتمعات المستهدفة من مذهب واحد، ففي ليبيا مثلا لا يوجد شيعة كي يتم إغراء السنة بهم أو بالعكس، لذا هم يلجأون إلى التقسيم عبر التكفير.

6 - قبلية: إذا كانت المجتمعات المستهدفة عبارة عن مجموعة قبائل وعشائر.

7- ممالك وإمارات ومشيخات: إذا كانت المجتمعات المستهدفة عبارة عن مجتمعات قائمة على أساس سياسي ملكي أو أميري أو مشيخي تماما كملوك وأمراء ومشيخات دول الخليج الفارسي.

وهناك أسس أخرى تقوم عليها شعارات التقسيم قوامها أن كل مجتمع يشكل خطورة على نفوذ المستعمرين والمستكبرين فلا بد من إيجاد فوارق بين أفراده لتقسيمه وتشتيته.

وإن اكثر ما يحدو هذه الدول الاستكبارية الاستعمارية ويشجعها على سياسة التقسيم هو وجود الدويلة الصهيونية الغاصبة في فلسطين التي تتخذ من الديانة اليهودية ستاراً وغطاء لها لتقسيم الدول العربية والإسلامية من خلال غرز خنجرها في قلب العالمين العربي والإسلامي.

إن وجود الدويلة الصهيونية الغاصبة بالتماهي مع الأسرة السعودية الحاقدة المتسلطة والمهيمنة على الحرمين الشريفين شجع الاستكبار الأميركي ليس على التقسيم فحسب بل على تقسيم المقسم وتفتيت المفتت وتشتيت المشتت؛ الأمر الذي أوصل المجتمعات إلى حد صارت فيه البيوت غير خالية من التقسيم !!

إن كل موحد أو شبه موحد في العالمين العربي والإسلامي صار عرضة للتقسيم، ولولا تلطف الله المتعال بالأمتين العربية والإسلامية بوجود الجمهورية الإسلامية في إيران لكانت خطة التقسيم الاستعمارية الاستكبارية قد أتت أكلها منذ زمن بعيد، ولكانت شعوبنا مجرد شواء يأكله الأعداء بكل هدوء وراحة.

إننا إذا قلنا بأن الدور الإيراني كان له أبلغ الأثر بمنع التقسيم المخطط له بالمعنى الاستراتيجي فلا توجد أي مبالغة في ذلك ألبتة، وهذا القول تؤيده المشاهدة والعيان.

ولناخذ على ذلك أمثلة حية ومعاشة عديدة: ففي الملف العراقي كان المشروع التقسيمي من أكثر المشاريع تحققا بالبداهة لاسيما عبر المشروعين التكفيري الداعشي والكردي، فكانت إيران هي المانعة من تحقق ذلك، وهي التي حولت الأمر الناجز إلى أمر متعسر أو متعذر.

وفي الملف السوري كانت سوريا الحبيبة من أشد الدول قابلية للتقسيم بعد تلك الحرب المدمرة، إلا أن الدور الإيراني البارز حال دون ذلك، وصمدت سوريا الموحدة بالرغم من كل تلكم الصعوبات والمعوقات.

وفي الملف اليمني هناك خطة تقسيمية واضحة، إلا أن الدور الإيراني لا زال يمنع ذلك.

بل لا نبالغ إذا قلنا بان الدور الإيراني حال دون وقوع تركيا في التخبط إبان إعلان الانقلاب مؤخرا على إردوغان.

ولا نبالغ إذا قلنا بان للدور الإيراني التأثير البالغ على منع تقسيم كل من السعودية والبحرين وان استهجن السامع ذلك! فمن يقرأ في سطور السياسة وتفاصيل الاستراتيجيات يفهم ذلك.

إن اكثر ما يؤسف له أن إيران الإسلام متهمة لدى الأعراب بأنها تعمل لأجندتها الخاصة بالرغم من أنها منعت التقسيم في البلدان العربية والإسلامية، وساعدت العراقيين على هزيمة التكفيريين، وساعدت السوريين على تحرر بلادهم وتنظيفها من الرجس التكفيري، وساعدت لبنان على التحرر من العدوين الصهيوني والتكفيري، وساعدت اليمنيين وغيرهم في الحفاظ على كيانهم الموحد.

وفي المقابل فإن أعراب الخليج الفارسي الذين يدعون الحرص على كيانات الأمتين العربية والإسلامية عملوا بقوة لتمزيق دول وشعوب الأمتين العربية والإسلامية، ولقد انفقوا من الأموال ما لو أنفق بمجموعه جعل العالمين العربي والإسلامية في رفاهية تامة وتحرر وأمان واستقلال ولكان أمراً ناجزاً متحققاً بكل سهولة ويسر.

ولكنهم وللأسف الشديد أنفقوا كل ذلك وسخروا كل الأرواح والدماء والأعراض في سبيل واحد هو التمزيق والتشتيت وإعادة الشعوب إلى مقولة تفرقت أيادي سبأ!

فيا ليتهم لديهم أجندات خاصة كما يتهمون بذلك إيران الإسلام ويفعلون فعلها في مساندة الشعوب العربية والإسلامية لتحقيق الانتصارات على الأعداء، وفي العمل على تحررها واستقلالها.