ماذا ربحت تركيا بعد انعطافها نحو ايران وروسيا ؟
شارل أبي نادر -
يبدو أن تركيا فهمت مؤخرًا أين تكمن مصلحتها القومية، وذلك عندما اختارت التقارب من روسيا وإيران، وحيث كانت سياستها في المنطقة بشكل عام، ولناحية الحرب على سوريا بشكل خاص، متناقضة مع سياسة الدولتين المذكورتين، على الأقل في موضوع الانخراط الكامل في دعم ومساندة وتوجيه الغالبية الكبرى من المسلحين الأجانب، والذين جاؤوا من أصقاع العالم لشن حرب ارهابية على سوريا.
يمكننا القول إنها تنخرط الآن وبشكل كبير، بمواجهة الأميركيين وقسم كبير من الاوروبيين.
عمليا، نجد تركيا اليوم في معسكر آخر بعيدا عن سياسة الاميركيين شكلا ومضمونا، وبعيدا عن الاوروبيين اقله في المضمون، لأنها ما زالت في الشكل عضو في حلف شمال الاطلسي حيث ما زالت تدعي أنها عضو أساس في الحلف المذكور، ولكن في المضمون هي أصبحت في نظر روسيا مُحايدة عن تجمع دول الحلف المذكور المعادي لها، والذي أُنشئ لمواجهتها في الحرب الباردة سابقا، كما أن تركيا أصبحت اليوم بالنسبة لروسيا زبونًا مهمًا لاسلحتها المعروضة للبيع وخاصة لمنظومة صواريخها الاستراتيجية المضادة للطائرات ولصواريخ "اس 400″، تلك المنظومة التي أوجدتها روسيا بالأساس وطورتها لاحقا لِتَردّ على تهديدات حلف الناتو (شمال الاطلسي، كما أن التقارب التركي مع إيران وروسيا، اقتصاديا ودبلوماسيا، وميدانيا كضامنين ومنفذين وفارضين لاتفاق خفض التصعيد في سوريا، يوحي بأن الدول الثلاث يشكلون ما يشبه الحلف الواسع لمواجهة السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، فماذا ربحت تركيا عمليا من هذه الانعطافة الواسعة نحو روسيا وايران؟
أولًا:
ربحت تركيا براءة ذمة من متهم أول بالانخراط بالحرب على سوريا، كمساند وداعم وموجه للارهابيين، الى دولة مساهمة في الحل ضامنة لفريق كبير من المسلحين، ارهابيين او معتدلين، وهي الان اساسية في اتفاقات استانة ومؤثرة اولى في اتفاقات جنيف المرتقبة لرسم التسوية السورية المرتقبة، بعد أن وضعت الدول الخليجية المنخرطة في تلك الحرب على سوريا في مرتبة متأخرة جدا عنها في التأثير في التسوية، بالرغم من الاموال الضخمة التي دفعوها، ولا يبدو انهم سوف يحصّلون بديلها او قيمتها من نفوذ او تأثير.
ثانيًا:
في الميدان السوري، استغلت قدرتها وتأثيرها الأساس والكبير على مسلحي هيئة تحرير الشام المنتشرة في ادلب، وناورت بهذه المجموعة التي بقيت تدعي (في العلن) معارضتها لاتفاق خفض التصعيد في ادلب وريفي حلب الشمالي والغربي، لتأتي تركيا ودون إعلان أو إعلام، الى إجبار الهيئة المذكورة على القبول بتسوية خفض التصعيد، وذلك بصمت دون أي اعتراض، (بعد عمليات تصفية دموية استهدفت كوادر وقادة للهيئة المذكورة) وها هي تركيا اليوم عمليا، تنشر وحداتها العسكرية في نقاط رئيسة في ادلب، كنقاط مراقبة على تلال مشرفة بين اطمة ودارة عزة بمواجهة عفرين وريف حلب الغربي، وكنقاط حساسة في مدينة ادلب وفي معسكر المسطومة وفي مطار تفتناز، وقريبا في مطار ابو الضهور، وتتحضّر ايضا للانتشار في جسر الشغور وعلى طريق اللاذقية حلب الدولي.
ثالثًا:
في الموضوع الكردي، والذي كان السبب الرئيس الذي أبعدها عن سياسة الاميركيين، حيث رأت أنهم تجاوزوا في دعمهم للأكراد مسألة إعطائهم القدرة على محاربة داعش الى منحهم القدرة والاسلحة والامكانيات والنفوذ للوقوف بوجهها (بوجه تركيا)، وحيث كانت الأخيرة تعتبر قسمًا كبيرًا من الاكراد المدعومين اميركياً إرهابيين، رأت ان مصلحتها القومية تكمن في الابتعاد عن سياسة الولايات المتحدة الاميركية أقله في الشرق الأوسط وفي سوريا خاصة، واعتبرت انه في تقاربها مع روسيا وإيران، خاصة في موضوع اتفاق خفض التصعيد في ادلب، فرصة مناسبة تستغلها لجني نقطتين مهمتين فيما خص حربها مع الاكراد، وهي:
– تنفيذ استراتيجيتها، على الأقل قبل اكتمال التسوية السورية، لناحية تثبيت فصل عفرين عن عين العرب، أي قطع أي ترابط ميداني كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا، وبالتالي عرقلة أي مشروع أميركي مُضمر، لمنح الاكراد "كانتونا” مترابطا واسعا يمتد من شمال العراق الى شمال سوريا وربما الى البحر المتوسط.
– تنفيذ مناورة ميدانية تراها مهمة وأساسية، وتكمن في تثبيتها لنقاط مراقبة وحماية جنوب عفرين، تُبعِد بموجبها أية امكانية لتمدد الأكراد من عفرين باتجاه عمق ادلب، وذلك بعد الانكفاء المرتقب لأغلب المجموعات الموالية لها في إدلب لاحقا، نتيجة فرض اتفاق خفض التصعيد ميدانيا وعمليا، وحيث انها دائما تشك بعلاقة روسية مع الاكراد، تعتبر ان وجودها على الارض في ادلب يشكل ضمانة ميدانية وعسكرية لها لتقييد اية حركة كردية مستقبلا .
من هنا، يمكننا القول إن تركيا ربحت الكثير من انعطافتها نحو روسيا وايران، وبالتالي اختارت الابتعاد عن التوجهات الأميركية في المنطقة، خاصة وأنها كانت تُعتبر وحتى الأمس القريب، حليفة استراتيجية للولايات المتحدة الاميركية، ومن ناحية أخرى، طبعا لا يمكننا القول إن سياسة روسيا وايران "محدودة” في فهم الأبعاد والمصالح التركية من هذه الانعطافة، وتبقى المصالح القومية للدول هي المحرك الأساس في تحديد الخطوط العامة في توجهاتها وسياساتها واستراتيجياتها.