السبهان.. محامي ’تفليسة’ اسراتيجية للسعودية
علي الحاج يوسف
تبدو السعودية في ظاهر المشهد، كأنها ما زالت سيدة الموقف في غير موقع إقليمي، ويوحي صوتها المرتفع بأنها ما زالت حيث كانت أو حيث بدأت مواجهاتها المتعددة على أكثر من جبهة، وكذا يبدو الخطاب الحاد لسياسييها المستحدثين، وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان، محاولة إثبات بأن حالها في أحسن حال.
لكن هل حقيقة المشهد كذلك، وهل حال المملكة وصوتها المرتفع ولهجتها التصعيدية مؤشرات على صورة حقيقية أم صورة مصطنعة متخَيلة أو بالأحرى متوَهَمة؟.
الواقع على الورقة والقلم، هو أن المملكة تمر بمرحلة من التخبط الاستراتيجي بفعل الإخفاقات والهزائم والنكسات على مختلف جبهاتها في اليمن وسوريا والعراق، وألسنة الحريق داخل البيت الخليجي باتت تلامس عباءة الملك ونجله بسبب أزمة عبرت من حالة يُفترض أن تكون عملية تدجين عابرة إلى أزمة "كسر عظم" متصاعدة مع الجار القطري الصغير العنيد.
في اليمن، هلل السعودي لحزم عاصفته بعد أن انكفأ أنصار الله عن الجنوب لاعتبارات مناطقية تاريخية، وبعدها اخترق بميليشيات يمنية صحراء الجوف وفراغات مأرب، وتوقف من حينه في حرب استنزاف انتقلت بعمق عشرات الكيلومترات إلى داخل الأراضي السعودية في نجران وجيزان وعسير. وبعد المخاء بنى ابن سلمان تخيلات عن حسم وشيك، فوضع نصب عينه ميناء الحُديدة لكنه بقي على مرمى النظر دون أن يدركه طموح معزز بوعود أميركية بقيت وعوداً.
منّى السعودي نفسه بانقلاب على نتائج الانتصار العراقي المدوّي على مشروع داعش الوهابي الإرهابي، وجهد في تأليب العراقيين بعضهم على بعض عبر تنظيم زيارات لقادة القوى العراقية إلى الرياض، وحاول دفع بعضهم للتنكر للعون الإيراني وشراكة الدم التي أدّت إلى النصر. لكن سعيه خاب إلى حدٍ كبير بعد أن استعجل الدخول على استفتاء كردستان واللعب بورقة تقسيم العراق، فخسر ورقة كردستان وانفضَّ من حوله من ظنوا أنه فعلاً يريد خيراً بالعراق وأهله.
وحتى في البحرين نجح السعودي في احتواء حراكها الشعبي مؤقتاً، لا لحزم من درع الجزيرة بل لعزم عند قادة الثورة الشعبية بالاستمرار على السلمية واعتماد سياسة الصبر والنفس الطويل. أما في سوريا، فحال السعودي لا تُسر عدواً، فهو ما كان في الأساس لاعباً مباشراً، وعندما مالت دفة الميدان لغير صالحه وحلفائه، "زاد من طين الإخفاق بلة" استِعار الخلاف مجدداً مع تركيا وقطر الوكيلين الأساسيين في الحرب على سوريا، ولم تستطع الرياض حتى حجز مقعد دائم العضوية في مؤتمرات آستانة.
وبعد أن درج ساسة الرياض على امتشاق لغة الحل العسكري في سوريا منذ سعود الفيصل، حاولوا النزول عن الشجرة، فعَدلوا عن لغة السلاح وعدّلوا خطابهم، ومن موسكو، باتجاه الدعوة لحلول ومخارج سياسية للأزمة.
لم تأخذ المملكة من إخفاقها في اليمن وهزيمتها في سوريا والعراق، دروساً في الواقعية السياسية، واستمرت في المكابرة وعادت إلى سيرتها الأولى بعد مرحلة افترضت فيها أنها مع بن سلمان غادرت أدوار التمويل والتأليب والتخريب في نزاعات الإقليم بعد ما اعتبرته عاصفة حزم في اليمن، لكنها وهي في عين العاصفة اليمنية انتقلت إلى غير ساحة عربية لاستئناف خبرة التخريب.
استراتيجية مكررة مجترّة، خفضت بموجبها الرياض مستوى رجالها أصحاب المهام التخريبية في المنطقة من مستوى ابن العائلة المالكة بندر بن سلطان إلى مستوى موظف إسمه ثامر السبهان الذي أوكل بالأعمال "القذرة" في أكثر من ساحة.
أوهمت الرياض نفسها ومن هو متوهم بدورها أن الاكتشاف الجديد لمحمد بن سلمان المسمى ثامر السبهان هو الندّ المقابل للجنرال الإيراني قاسم سليماني، فأرسلته إلى عين عيسى في سوريا تحت عين ورعاية منسق التحالف الأميركي بريت ماكغورك وعلى مرمى عين داعش التي كانت ترتب والأكراد عملية خروجها المشبوهة من الرقة، وتعمّد الضابط السعودي صاحب الخبرة الأمنية تسريب صوره في الرقة، بنظارات حاجبة ودون شماغ وغترة، في محاولة تقليد للجنرال سليماني.
ربما يكون من المبكر الحكم على نتائج استعراض السبهان في سوريا. لكن رجل المهام السعودية الصعبة كان تسلل تحت جنح الاستفتاء الانفصالي إلى كردستان العراق، وبالموازاة حلّ سليماني ضيفاً على السليمانية، ونتيجة الزيارتين كانت وبالاً على أربيل التي أُسقطت في يدها بعد أن حشا السبهان رأس برازاني، بينما خرج سليماني بجيش وحشد عراقي جرار وأد حلم الانفصال في مهده في كركوك.
والسبهان نفسه، الذي دخل إلى لبنان محرضاً على فتنة واقتتال وخرج منه "زعطوطاً"، كان في بغداد سفيراً فوق العادة وخرج منها مدحوراً تلاحقه لعنات العراقيين بعد أن احترق دوره وانتهت وظيفته ببطاقة عراقية حمراء لقيامه بالتأليب بين العراقيين ودس الدسائس ومحاولة إثارة الفتن المذهبية.
فقدت المملكة دورها شكلاً وانحسرت قدراتها مضموناً، فلجأت إلى التقليد والاستعراض، وهي تجهد أن تصل متأخرة خير من أن لا تصل أبداً، لكن حالها تبدو كما المثل الشائع: "رايحة عالحج والناس راجعة". فالسعودية المسؤولة بحكم الأمر الجغرافي الواقع عن إدارة الحج تبدو وكأنها تذهب الى الحج في غُنم توزيع النفوذ في المنطقة، والناس ممن تحملوا غُرم حروبها، راجعون من موسم انتزاع الحقوق والنفوذ.