ماذا حلّ بإرهابيي داعش الاجانب الذين قاتلوا في الرقة؟
لقد شكّلت مدينة الرقة وحتى الامس القريب بعد انتهاء سيطرة داعش عليها، نقطة ارتكاز اساسية للتنظيم في معاركه الميدانية والارهابية، وهي بالاضافة لكونها كانت عاصمة خلافة ما يسمى بـ"الدولة الاسلامية" المزعومة في سوريا، ونقطة ربط لوجستية تتوزع فيها ومنها عناصره الوافدة الى سوريا والعراق وخاصة الاجانب منهم، كانت ايضا بمثابة غرفة القيادة والسيطرة لعملياته الارهابية داخل وخارج سوريا.
ما جرى بعد تحرير الرقة من داعش والسيطرة عليها من قبل قسد بدعم واسع من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، هو أن مسلحي التنظيم الذين ضاقت بهم السبل بعد خسارتهم المدينة، انقسموا الى فئتين، محلية سورية او اجنبية، وحيث تم تنفيذ اجراءات وترتيبات امنية وادارية برعاية مسؤولي عشائر سوريين محليين، افضت الى استسلام اغلب المحليين منهم، وتركيب تسوية غير مفهومة البنود معهم، لم يتضح مصير مسلحي التنظيم الاجانب، وبقيت مناورة استسلامهم او مقتلهم او مكان تواجدهم غامضة.
صرح احد مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية ان مسلحي داعش الاجانب، والذين كانوا يقاتلون في الرقة، سيخضعون لاجراءات خاصة تتعلق بالتحقيق معهم وبتوقيفهم ومحاكمتهم من خلال منظومة امنية قانونية خاصة بهذه القوات، وهذا التصريح طبعا يتناقض مع روح مناورة وحدات التحالف الاميركي في التعامل مع هؤلاء والتي جاءت كالتالي:
1- لقد دأبت وحدات التحالف خلال المعركة ضد داعش في العراق وسوريا بشكل عام، وخاصة في الشرق السوري مؤخراً، على تنفيذ عمليات خاصة استهدفت فيها مجموعات محددة او افرادا تابعين للتنظيم من الذين لديهم أدوار ووظائف مالية او تنسيقية، وكانت تلك العمليات اشبه بتصفيات ميدانية او عمليات خطف وسحب لهؤلاء العناصر خارج بقعة العمليات المستهدفة، وتلك العمليات الخاصة كانت تنفذ بشكل واسع ودائم تقريبا، على عكس العمليات العسكرية النادرة التي كان ينفذها التحالف ضد التنظيم والتي لها الطابع الميداني، وذلك بالرغم من الفرص الواسعة التي كانت تسنح لقاذفات التحالف في استهداف انتقالات وتحركات عناصر وآليات التنظيم المكشوفة في البادية والشرق السوري وما بين الحدود السورية العراقية.
2 – لقد رأينا استشراس وحدات التحالف الدولي وخاصة القوات الجوية الاميركية في اطباق الخناق بالكامل على الرقة اثناء مهاجمتها، كما ان التشدد في منع خروج المدنيين او المدنيين المشكوك بانهم مسلحون (بغطاء مدني) من المدينة كان لافتا، على عكس العمليات العسكرية التي رافقت معارك مهاجمة التنظيم في مدن اخرى كجرابلس ومنبج والباب وغيرها، حيث كان يخرج الكثير من مسلحي داعش بشكل سهل وعادي دون صعوبات، كما ان العدد الكبير من الشهداء والمصابين المدنيين من ابناء الرقة الابرياء خير دليل على هذا الاستشراس الاميركي، بالاضافة الى الدمار الكامل تقريبا للرقة، والذي ظهر ممنهجا ومدروسا، كل ذلك يثبت حرص التحالف الاميركي على التحكم بمنع خروج عناصر التنظيم من المدينة وضبط تواجدهم داخلها او مقتلهم جميعا.
3 – لا شك ان النقطة الاساسية التي تسيّر عمل وحدات التحالف في التعامل مع مسلحي داعش الاجانب في الرقة، والحرص على الامساك بهم جميعا او قتلهم، دون ان يتسرب احد منهم خارجها، يتعلق بخصوصية هؤلاء وموقعهم ودورهم في المناورة الاميركية المتعلقة بادارة وتوجيه عمل التنظيم، لا سيما وان الرقة كما ذكرنا سابقا شكلت نقطة الارتكاز الاساسية في ادارة وتخطيط وتنفيذ عمليات داعش الارهابية في كل مكان، خاصة تلك التي كانت تحمل رسائل دموية استراتيجية حساسة، كعمليات باريس ولندن وبروكسل وموسكو ومدريد واسطنبول وغيرها.
استنادا لما تقدم، عن حاجة وحدات التحالف الاميركي للامساك بعناصر التنظيم الاجانب في الرقة والتحكم بخروجهم وضبطهم، يمكن تفسير هذا الغموض المشبوه في تصريحات مسؤولي هذا التحالف او مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية عن مصير عناصر داعش الاجانب، وحيث يتمتع هؤلاء بقدرات لافتة في الميدان والامن والارهاب، وهم بلا شك يشكلون كنزا من المعلومات الاستعلامية، ويملكون رصيدا كبيرا من القدرات التنظيمية المطلوبة للقيام بالاعمال الخطرة والحساسة، ويمكن زرعهم او اعادة زرعهم حيث يرى الاميركيون حاجة لهم من ضمن مناوراتهم الخبيثة عبر العالم، يُمكن اعتبارهم نقطة رابحة للولايات المتحدة الاميركية في مجالات نقل الصراع الارهابي الى ميادين اخرى في العالم.
العهد