كركوك نجمة العراق: بين السيادة والتكريد
علي إبراهيم مطر
كركوك نجمة العراق، أهم نقاط الارتكاز في اقتصاد، ومحور التلاقي أو الخلاف بين الحكومة العراقية وسلطة إقليم كردستان. وهي الشرارة الأولى لإشعال الأزمة بعد تعنت الإقليم في قرار الانفصال وما يستتبع ذلك من تداعيات ونتائج وخيمة على كل العراق سيدفع ثمنها الشعب العراقي وفي مقدمته الأكراد.
تأتي أهمية كركوك كونها مركزا أساسيا في شمال العراق، وتبعد 240 كم عن العاصمة بغداد، يحدها من الغرب سلسلة جبال حمرين، وتعتبر خامس أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان البالغ ما يقارب 900 الف نسمة حسب احصاء 2014. تأتي أهميتها الكبرى مما تمتلكه من حقول النفط، فإلى جانب حقل بابا كركر العملاق توجد حقول أخرى مثل حقل جمبور وحقل باي حسن الجنوبية وحقل باي حسن الشمالية وحقل آفانا وغيرها، وتقدر كمية المخزون الاحتياطي لهذه الحقول بأكثر من 10 مليارات برميل بقدرة إنتاجية قدرها 750 ألف برميل إلى مليون برميل يوميا. كما أنها حلقة وصل بين وسط العراق وشماله ما يجعلها طريقاً تجارياً هاماً.
هذه المدينة ذات قوميات مختلفة إذ يوجد فيها العرب والأكراد والتركمان الذين تعايشوا بسلام. وتتوزع محافظة كركوك على أربعة أقضية كالتالي:
1- قضاء كركوك: خليط من التركمان والعرب والكرد
2- قضاء الحويجة: يتكون من مدن الحويجة والزاب والرشاد والرياض والعباسي ومئات القرى الريفية والتي يسكنها أكثرية من العرب المسلمين السنة.
3- قضاء داقوق: يحوي أغلبية من التركمان المسلمين الشيعة والكرد في بعض المناطق شمالي داقوق والمناطق القريبة من مدينة كركوك.
4-قضاء الدبس: يحوي أغلبية من العرب المسلمين السنة في وسط وجنوب قضاء الدبس مع اغلبية من الأكراد في شمال القضاء.
توزيع السكان
في عام 1977 ضمت الحكومة العراقية ناحية (الزاب) والمناطق العربية القريبة من محافظة نينوى وصلاح الدين إلى محافظة كركوك فزدادت اعداد العرب في محافظة كركوك، وضمت المناطق الكردية من محافظة كركوك إلى محافظة السلمانية ومحافظة أربيل وضمت منطقة (سليمان بيك ينكجة الطوز) إلى محافظة صلاح الدين.
ويشكل العرب السنة نسبة 72% من سكان محافظة كركوك، وينتشرون في (قضاء الحويجة) و(قضاء داقوق) و(قضاء الدبس) وناحية الملتقى، وقسم منهم داخل مدينة كركوك وقضاء كركوك. ويشكل الاكراد نسبة 21% من سكان المحافظة ويتواجد اغلبهم في مدينة كركوك.
الكرد واستغلال الفوضى
بعد سقوط نظام صدام حسين والفوضى التي حصلت، وحيث قدمت سلطات كردستان خدمات جمة للأميركيين، انتظرت بالمقابل ثمنا باهظا لقاء ذلك من خلال الحصول على كركوك، التي كانت الجائزة الكبرى التي يحاولون اكتسابها في كل خطوة لهم صوب تحقيق حلمهم الانفصالي.
ومع سقوط النظام البائد، استغلت القوات الكردية انهيار الدولة، لتقوم بحملات ضد العراقيين في المدينة، ومن ثم جلب الاكراد الذين هم من أصول غير عراقية، ومنحهم وثائق مزورة على أنهم من نفوس كركوك وفق ما تقول مصادر، من أجل القيام بتشكيل حزام سكاني أمني حول المحافظة.
هكذا استمرت المساعي الكردية لفرض السيطرة على كركوك لكن دون تحقيق نتائج عظيمة حيث كان هناك تواجد أساسي للحكومة العراقية للمحافظة على سيادة العراق على أراضيه. لكن دخول داعش غيّر المشهد، وكان خير معين للأكراد، الذين استغلوا حجة الدفاع عن الإقليم لدخول قوات البيشمركة لبسط سيطرتها على المدينة، حيث أعلنت قيادة الإقليم أنه تم تطبيق المادة 140 الخاصة بمستقبل كركوك.
داعش يخدم الكرد
ومع دخول داعش إلى الموصل، والتقدم نحو أربيل عاصمة إقليم كردستان، كانت دفاعات البشمركة تتهاوى في مخمور وسنجار وزمار وغيرها من المناطق، وكان لتقدم داعش وقع الصدمة على أربيل، في حين كانت قيادة الإقليم مشغولة بالخلافات المتفاقمة مع بغداد لتحقيق الحلم الانفصالي، إلا أنها لم تجد مناصا من الانتقال من معركة الدفاع عن الإقليم وعدم التورط العسكري خارجه إلى الهجوم، إذ بدت وكأنها في معركة وجود مهدد بقوة زحف داعش، وحصلت على كل ما تريد من دعم غربي بعد استنجاد رئيس الاقليم مسعود بارزاني بالأميركيين الذين دعموه في هذه المواجهة، إلا أنه حول الهدف من مجرد الحرب ضد داعش إلى الدخول للسيطرة كلياً على كركوك، فيما كانت الحكومة العراقية تهتم فقط بضرورة الحفاظ على العراق ومحاربة الارهاب لكن البارزاني في المقلب الاخر كان يسعى لتحقيق أحلامه التوسعية.
وقد وفر دخول خلايا لداعش إلى كركوك الأرضية لدخول القوات الكردية مستعينةً بحزب العمّال الكردستانيّ. ومع سيطرة عدة خلايا لداعش على مبان حكومية، أخذ الكرد يسوقون لأنفسهم على أنهم الحامي للمدينة من أجل بسط سيطرتهم عليها كبداية لتحقيق مشروعهم. ومنذ ذلك الحين، خضعت المدينة وآبارها النفطية لسلطة كردستان بحكم الأمر الواقع، ممّا أثار غضب الحكومة العراقية. إلا أن المرحلة لم تكن مؤاتية لتحويل البوصلة الى الاكراد الذين تعتبرهم السلطة مواطنين عراقيين، بدلاً عن المعركة مع داعش.
وما يطرح علامات الاستفهام العديدة، ليس فقط الداعم الأميركي اللامتناهي لأربيل، فضلاً عن التواجد الإسرائيلي فيها والدعم من قبل حكومة العدو الاسرائيلي لكل تحركات سلطات كردستان، بل هناك أسئلة عديد أخرى، فلماذا لم يعيد الأكراد السلطة في كركوك لحكومة بغداد لفرض سيادتها عليها؟ ومن أعطى الحق لسلطات الإقليم بشمل كركوك بالاستفتاء على الانفصال وهي لا تتبع لكردستان؟ ما هو سر توقيت التحركات الكردية من أجل الانفصال في ظل اندحار داعش من العراق وبعد كل الانجازات التي يحققها الجيش العراقي لبسط سيادة الدولة على أراضيها؟
أسئلة كثيرة تطرح، كان الرد الأبلغ عليها، ما قاله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن من واجبه وفق الدستور أن يعمل "لخدمة المواطنين وحماية وحدة العراق الذي يتعرض لخطر التقسيم نتيجة إجراء الاستفتاء من قبل المتحكمين في إقليم كردستان ومن طرف واحد". وذلك عبر دخول القوات العراقية واستعادة المواقع التي احتلتها البيشمركة، وهذا رد بليغ من قبل الحكومة دون وقوع أي خسائر بالارواح، لمنع تقسيم العراق وتفتيت مناطق البلاد وتفتيت الشعب العراقي وفق مشاريع تقسيمية، يعمل عليها الأميركيون منذ عام 2000.