مسيرة دعاء الامام علي بن الحسين أربكت الطغاة
* جميل ظاهري
عاشت الأمة الاسلامية خاصة محبو وأتباع أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام وشيعتهم زمناً عصيباً جداً غلب عليه الرعب والارهاب والإضطهاد السلطوي بعد واقعة الطف التي شهدت تصفيات جسدية إجرامية دموية طالت حتى الأطفال، رغم ما أعطته ثورة الامام الحسين عليه السلام ووقفته البطولية من دروس في الثورة والتصدي والإباء والتضحية أكثر مما تحصى ويعجز الوصف عن إحصاء مفرداتها؛ حتى قال الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام عن تلك الظروف "ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا" - بحار الأنوار:46/143، وشرح نهج البلاغة:4/104.
عاصر الامام علي بن الحسين السجاد (ع) الذي نعيش اليوم ذكرى استشهاده الأليم ستة من حكام أمويين ظلمة متفرعنين مسودة صفحات تاريخهم بالقتل والذبح والتحريف والتزييف والقمع والتنكيل بأهل البيت (ع) وأنصارهم ومحبيهم وكل داعية بالعودة نحو القرآن والسنة، وهم: يزيد بن معاوية ـ (61ـ 64)، وعبد اللّه بن الزبير ـ (61ـ 73)، ومعاوية بن يزيد (بضعة شهور من عام 64)، ومروان بن الحكم ـ (تسعة أشهر من عام 65)، وعبد الملك بن مروان ـ (65ـ 86) والوليد بن عبد الملك ـ (86ـ 96) المعروف بعدائه الدفين وحقده الكبير على أهل البيت (ع) خاصة الامام زين العابدين (ع)، حتى وصفه المسعودي بأنّه كان جبّاراً عنيداً ظلوماً غشوماً (مروج الذهب: 3 / 96)، وطعنه عمر بن عبد العزيز الأموي في حكومته، حيث قال فيه: إنّه ممن امتلأت الأرض به جوراً (تأريخ الخلفاء: 223) .
كل ذلك زاد ثقل وعبء الرسالة السماوية التي يحملها الامام علي بن الحسين (ع) خاصة وأنه الباقية المتبقية من فاجعة الطف وما آلت اليه ماكنة سياسة أبناء الطلقاء وحقدهم الدفين ضد الرسول وآله (ع)، وحامل رسالة التصدي والصمود والمقاومة الحسينية في مقارعة الظلم والجهالة والتزييف والتزوير الأموي، في فضح أنجراف سلطة أبناء وأحفاد ذوات الرايات الحمر، والتصدي لهم ولجهل الأمة بكل الوسائل السلمية المتاحة فأنتهج اختيار مسيرة الدعاء ما أربك سلطة الوليد بن عبد الملك فأمر لاغتياله بدس السم اليه، وتعلم أحفاده ذات المسير فاستهدفوا المساجد ودور العبادة والحسينيات والمآتم في البحرين واليمن والسعودية وغيرها من البلاد الاسلامية خوفاً من وعي ورفض أتباع أهل البيت عليهم السلام للظلم والطغيان والاستبداد والأنظمة القبلية.
لقد انطلقت مسيرة الامام زين العابدين (ع) في توعية الافكار المهجورة والمضللة وبرز بكل قوة على مسرح الحياة الاسلامية كألمع مفكر وداعية وسياسي إسلامي متصدي لتزوير وتزييف أبناء الطلقاء ووعاظ سلاطينهم حيث استطاع بمهارة فائقة أن ينهض بمهام الامامة وإدامة نهضة والده الامام الحسين (ع) حيث حقق انتصارات باهرة عبر خطبتيه التي القاهما في مجلس ابن زياد الكوفة و امام الطاغية يزيد في الشام والتي كان لهما الأثر البالغ في إيقاظ الأمة وتحريرها من عوامل الخوف والارهاب والانحراف والتزييف والاعلام الموهم ليروي للناس كيف أن الحقيقة قتلت عطشى في كر وبلاء وسلبت وذبحت من الوريد الى الوريد وداست الخيول صدرها بحوافرها لا ذنب لها سوى انها أرادت الاصلاح في أمة الرسول محمد (ص) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمرنا بذلك الدين الاسلامي الحنيف .
اليوم عادت أمية وبنو قريضة مرة اخرى ترفع رايات يا لثارات بدر وخيبر والخندق وصفين والنهروان وأطلقت عنان فتاوى وعاظ سلاطينها الذين لا صلة لهم بالاسلام لا من قريب ولا من بعيد ليفتوا باستباحة دماء المسلمين واستهداف بلدانهم وتدمير مدنهم وانتهاك حرماتهم وحرق الأخضر واليابس وذبح الصغار والكبار رجالاً ونساء وتقطيع أوصالهم وأكل أكبادهم ليعيدوا لنا ما فعلته أمهم "هند" بجسد "حمزة" سيد الشهداء، في العراق واليمن وبلاد والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين ؛ وأخذ من حمل لواء "الداعية" و"مسند الفتاوى" اولئك الذين أضحوا مطية لأبليس وزعماء الجاهلية والقبلية والصنمية ممن يترأس النظام العربي، على عاتقهم بان لن يتركوا للأمة الاسلامية ولا لشعوبها فرصة للراحة أو مجالاً للانسجام والتلاقي أو خيطاً من خيوط الأخوة الاسلامية التي جاءت بها رسالة خاتم المرسلين وحبيب رب العالمين (ص) خلاصاً للبشرية من الظلام والشرك والجهالة والعبودية لغير الله سبحانه وتعالى، مشددين على إصرارهم إشغالها بالخلافات والنزاعات المهلكة لتعمّها وتتخلّل كل صفوفها كسد منيع امام المطالبة بالحقوق والاصلاح والتغيير الاسلامي التي قامت من أجله ثورة عاشوراء .
ما يجري اليوم في منطقتنا الاسلامية من أحداث دموية تستهدف الشعوب العزل أمر غير معقول بالمرة ولا يمكن للعقل البشري أن يتصوره أو يفهمه أو يحلله، فهو صراع رهيب بين العقل والجنون، والواقع والخيال، وفوق طاقات فهم العقل البشري حيث يمثل هزيمة للعقل والنور والخير وانتصارا للجنون والظلمات والشر لشرخ الصف الاسلامي الموحد والعودة بنا الى الجاهلية ولكن كما قالها الامام السجاد مخاطباً الطاغية "ابن زياد" عامل شارب الخمر ومداعب القردة يزيد بن معاوية في مجلسه بالكوفة، "أقتلونا .. القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة".