ايران في زمن بدر وخيبر وترامب في «شِعب أبي طالب»...!
* محمد صادق الحسيني
تمخّض الجبل فولد فأراً...
أو أراد أن يكحّلها فعماها...
كما يقول المثل العربي الشهير...
هكذا ظهر ترامب في خطابه المتشنّج والعصبي ضدّ إيران بأنه فعلاً خسر الرهان على حرب ربع الساعة الأخير في معركة العلمين في دير الزور والحويجة والقائم...!
فقد خرجت سورية والعراق من يديه ومسمار جحا البرزاني في طريقه للقلع، وصفقة القرن الغزاوية ستغرق في رمال مخيم جباليا على أيدي «القسام» و«سرايا الجهاد» و«ألوية الناصر» و«أبو على مصطفى»، وآخرين لم تسمع بهم بعد يا ترامب...!
«الأميركيون غير جديرين بالثقة وناقضو عهود من الدرجة الأولى»... هذه هي أهمّ حصيلة يخرج بها المتتبّع لخطاب ترامب سواء كان المتتبّع إيرانياً أو عربياً أو أوروبياً أو لأيّ ملة أو قوم انتمى، وهو ما سيزيد في وهن وعزلة أميركا...!
ودونالد ترامب أثبت أنه شخصياً لا يمتلك الجرأة ولا الشجاعة على الخروج من الاتفاق النووي، ولا إعلان الحرب على إيران، رغم حجم الاتهامات الهائل الذي وجّهها إليها...!
وكما توقعنا تماماً فقد ثبت أنه مجرد طبل فارغ أطلق ضجيجاً لا يعتدّ به مطلقاً غاية ما تولد منه جملة اتهامات وزعها يميناً ويساراً يحتاج لإثبات كلّ واحدة منها الى مفاوضات أطول وأعقد من مفاوضات الاتفاق النووي الشهير...!
في هذه الأثناء، فإنّ ما أطلقه ترامب من تصريحات نارية حول إيران وصفه متابعون متخصّصون بأنه ليس أكثر من وصفة طبية يُصدرها طبيب فاشل لا يستطيع أحد صرفها في أيّ صيدلية حتى في الصيدلية «الإسرائيلية»...!
حملة تهويل وتزمير وحرب نفسية لمزيد من الابتزاز لإيران والأوروبيين والعرب...
لقد ظهر كما توقعناه بائساً وعاجزاً وجباناً ورعديداً كمن يسير في زقاق مظلم، فيصرخ باستمرار ليخفي وحشته في الطريق وحتى لا يقترب منه أحد أيضاً...!
الإسرائيليون أيضاً في ردود فعلهم الأولية فقد ذهب معظمهم للقول: لا جديد في خطاب ترامب ولا جوهر فيه ولا قيمة تذكر له...!
في الخلاصة نستطيع القول إنّ خطاب ترامب ولد ما يلي:
1 ـ كرّس إيران دولة إقليمية عظمى في «الشرق الأوسط»، عندما لم يتجرّأ على التطرّق لأيّ من المطالب «الإسرائيلية»، بشأن الحدّ من دور إيران في سورية ولبنان والمنطقة. أيّ أنّ هذا الوجود أصبح من المسلمات غير الخاضعة للنقاش...! وهذا تطوّر له بعد استراتيجي هامّ ذو أبعاد عملياتية مباشرة على جميع ميادين المواجهة بين المحور الأميركي «الإسرائيلي» ومحور المقاومة.
2 ـ لم يتجرّأ ترامب على توجيه أية تهديدات عسكرية لا لإيران بشكل عام، ولا للحرس الثوري بشكل خاص، على الرغم من أنّ قائد الحرس الثوري كان قد هدّد الولايات المتحدة وجيوشها في «الشرق الأوسط» قبل أيام قليلة عندما طالبه بالابتعاد بنحو 2000 كلم عن الحدود الإيرانية...!
3 ـ أما العقوبات التي قال إنّ وزارة الخزانة الأميركية ستتخذها ضدّ الحرس الثوري وداعميه فهي إجراء باهت ولا قيمة له، وهو يعلم أنّ الحرس لا يتسلّم موازنته من وزارة المالية الإيرانية، وعليه فلا قيمة لإجراء كهذا...!
4 ـ إنّ الخطاب قد أدّى إلى جعل نتن ياهو يشعر بأنه يتيم تماماً، وأنّ صراخه الذي ملأ واشنطن وموسكو لم يؤدّ إلى أية نتيجة، وهو نتن ياهو قد تحوّل الى قاروط القاروط هو يتيم الأب الذي يبقى مضطراً لخدمة أعمامه والآخرين بعد وفاة والده بشكل نهائي ودائم. أيّ أنه مرغم على القبول بدور الخادم للمصالح الأميركية التي هي فوق مصالح القاعدة العسكرية الأميركية في فلسطين والتي يطلق عليها اسم «إسرائيل».
5 ـ ومن بين الخائبين من أذناب أميركا في الجزيرة العربية، والذين كانوا بسبب جهلهم وبؤس تفكيرهم ينتظرون قيام ترامب بإعلان الحرب على إيران في هذا الخطاب، فقد باؤوا بغضب من الله وتاهوا في صحراء بني «إسرائيل»...!
6 ـ تركيز ترامب على أنّ الاتفاق النووي قد أكسب الأوروبيين كثيراً من الصفقات يشي بأنه يرنو إلى الحصول على جزء من المكاسب التجارية والصفقات مع إيران من خلال تفاهمات معينة مع روسيا .
7 ـ الخطاب يوازي في أهميته ما حققته إيران بتوقيع الاتفاق النووي، وبكلمات أخرى فهو تكريس لمحاسن الاتفاق النووي كلّها...!
من جديد تبقى اليد العليا لمحور المقاومة في الميادين كلها، بعد أن أصبح واضحاً كوضوح الشمس، بأنّ مركز ثقل العالم لم يعد في واشنطن وقد انتقل من الغرب الى الشرق...
إنه موسم الهجرة إلى مضيق مالاقا وخليج البنغال وبحر الصين...
بعدنا طيبين، قولوا الله.