السعودية نحو المجهول
من الاحداث والتطورات المفاجئة والمتلاحقة التي تشهدها المملكة في العهد السلماني باتت صادمة للجميع سواء في سياساتها الخارجية او الداخلية وآخرها انقلابها على المؤسسة الوهابية الشريكة الاساسية لها في ادارة المملكة منذ التاسيس وحتى اليوم واذا بها تسطو عليها فجأة وتجمد نفوذها وتنفرد بادارة المملكية سياسيا ودينيا بعد توافقاتها السرية مع اميركا في تغيير المناهج الدينية والتعليمية وهذا ما كشفه وزير الخارجية الاميركي امام الكونغرس عندما تعرض للمساءلة حول العلاقات مع السعودية. وما اعلنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ومن موسكو الذي اراد ايصال رسالة للهجمات المعنية ياتي في هذا السياق وذلك بعزل الآلاف من ائمة المساجد المتطرفين والخاضعين في الاصل للمدرسة الوهابية امر مستغرب ومفاجئ في نفس الوقت لأن ذلك اعتراف النظام السعودي وليس بامكانه التملص عما فعله هؤلاء الخطباء والائمة طيلة السنوات التي كانوا في هذه المواقع من قبل النظام نفسه وهم يروجون للتطرف وللارهاب تحت اسم "الجهاد" ودفعوا بالشباب سواء في داخل السعودية او خارجها الى محارق الموت والانتحار وعمليات التفجير في دول المنطقة والعالم.
السؤال الملح الذي يطرح نفسه هل ان هذه الخطوة التي اتخذتها السلطة السياسية بمثابة انفراط التحالف مع المؤسسة الدينية وتجريدها من مسؤوليتها الدينية لتصبح من الآن فصاعدا تابعة تماما للسطة السياسية؟ دون ان تفكر في عواقب ذلك وكيف ستتعامل مع مئات آلاف الشباب الذين تخرجوا من المدرسة الوهابية التي تتبنى اساسا العنف والتطرف ومنع الرأي الآخر وكذلك هيئة كبار علماء السعودية الذين جلهم من الوهابية المتعصبين لفكرهم المتزمت والضال؟
ولاشك ان خطوة اقصاء الآلاف من خطباء الوهابية والتي ستتبعها خطوات لاحقة خاصة وان المنهاج التعليمية والدينية في طريقها الى التغيير في المملكة، ستدفع نحو المواجهة الحتمية بين السلطة السياسية والمؤسسة الوهابية التي ستنتقم كرد فعل طبيعي لانها لن تتحمل وحدها مسؤولية ما حدث وهي كانت متناغمة مع السلطة السياسية في تصدير الارهاب وتربية الشباب السعودي على ذلك وايفادهم الى سوريا والعراق للتفجير والتدمير.
ان هذا الاجراء الابتر والمتأخر لا يشفع لنظام آل سعود المتورط في دماء المسلمين ولا يعفيه من مسؤوليته لانه كان حتى الامس شريك اساس في صناعة الارهاب وتصديره ودعمه ويريد اليوم ان يبرء نفسه كمجرم متلبس بالجريمة يعلن استعداده لمكافحة الجرائم دون ان يعاقب على جريمته.
ان ما يقوم به محمد بن سلمان كحاكم فعلي في المملكة سواء في هذه الخطوة الانقلابية على الفكر الوهابي وقبلها الاتجاه نحو الليبرالية وفرض الانفتاح حصرا على الشارع السعودي من خلال اقامة حفلات الرقص والاختلاط في الملاعب، ماهي الا خطوات لتعزيز سلطته بالقوة والقمع وليس لرفع القيود ومنح الحرية لابداء الرأي والمشاركة في القرار.
الخطوات المتتالية لآل سعود في ابعاد تهمة الارهاب عن انفسهم والظهور بمظهر المحارب له هي في الوقت التي تكون رسالة مزيفة تضع الشعب السعودي تحت طائلة الارهاب والمساءلة وكانما يقولون للعالم انا سنروض هذا الشعب ونمنعه من ممارسة الارهاب الذي هو من صلب استراتيجيتهم الدموية في التعامل مع الاخرين.