ضمُّ إدلب إلى مناطق تخفيف التصعيد.. وما سيؤول إليه السيناريو المُتّبع
علي حسن
تتسارع الأحداث في محافظة إدلب شمال سوريا، العد التنازلي انتهى ودقّت ساعة الصفر، لضمّ المحافظة بأكملها لمناطق تخفيف التصعيد تنفيذاً لما تمّ التوافق عليه في محادثات أستانا، شارةُ البدء كانت تركية، وتفكيك "إمارة النصرة" وإنهاء الفصيل الإرهابي في سياقٍ مماثلٍ لمسار تفكيك "دولة داعش" في الشمال السوري هو ما سيُترجم عملياً على أرض الميدان.
دخول التركي لمحافظة إدلب بتحالف مع ما يسمى "بالفصائل المعتدلة" وبغطاءٍ جوي روسي، يطرح عدداً من الأسئلة وإشارات الاستفهام، حول ماهية ما سيجري هناك، ومصير إدلب كأرضٍ سورية، وفعالية هذا الاتفاق بتحقيق أهدافه بالقضاء على النصرة..
ولتوضيح ما يجري في إدلب استضاف موقع "العهد" الإخباري، في لقاءٍ خاص، الدكتور أسامة دنورة، الباحث الاستراتيجي والخبير والمحلل السياسي.
المرحلة الأولى لضم محافظة إدلب كاملةً لمناطق تخفيف التصعيد هي فصل "المعارضين المعتدلين" عن المنظمات الإرهابية، إذاً هو مخطط لعزل النصرة عن باقي الفصائل المتواجدة في إدلب، ولا شك أن هذا المخطط سيواجه عقبات عدة، أولها عزل النصرة عن الفصائل التي أُدلِجَ كثيرٌ من مسلحيها بفكر تكفيري إرهابي، نظراً لتعرضهم واختلاطهم بأفكار النصرة المتطرفة وغيرها، يقول الدكتور دنورة أنّ "التطورات الأخيرة قد تؤدي إلى خلط عميق للأوراق ضمن تشكيلات الجماعات المسلحة على ساحة إدلب، فالعناصر والمجموعات الصغيرة الأكثر "أدلجةً" ستلتحق بالنصرة، والمجموعات التي تمتلك الحد الأدنى من الواقعية ستبتعد عنها وربما ستحاربها، وينبغي ذلك أن ينطبق أيضاً على المجموعات الأكثر التصاقاً بالاستخبارات التركية؛ فظهور القرار التركي بالتنسيق الكامل مع الروس لاستهداف النصرة سيدفع قطاعات كبيرة من المترددين خاصةً في صفوف حركة «أحرار الشام» للابتعاد عن النصرة، أما الذين يختارون الانضمام إليهم فهم عملياً يسهّلون من حيث المحصلة مهمة الفصل بين الإرهابيين، وسيريحون القوى الإقليمية والدولية من استيعابهم في المعادلة السياسية والميدانية اللاحقة، سواء انحازت غالبية المترددين أو العكس (وهو الأرجح) فإنّ حالة الرماديين أو المترددين ستنتهي وهذا هو لُب المطلب الروسي في السياق العام وتحديداً في محافظة إدلب وهو الشرط اللازم والذي قد يكون كافياً أيضاً لإنجاح منطقة خفض التصعيد في إدلب".
حين دخلت القوات التركية مدينتي الباب وجرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي، كانت النصرة متواجدةً في بعض مناطق أريافهما، حينها استوعبت تركيا مسلحي النصرة، ما يخلق بعض الشكوك حول السيناريو القادم في إدلب.
بمعنى أوضح وأدق، إنّ المسألة ربما تكون «تبديل أعلام وتخفيف لحى» وهنا يوضح دنورة قائلاً أنّ "منسوب الثقة المتبادلة بين الروسي والإيراني من جهة والتركي من جهة أخرى قد ارتفع في الآونة الأخيرة دون أن يبلغ حدود المصداقية الكاملة، ويبدو أن التركي سعى لتعزيز هذه المصداقية عبر التعاون الاستخباراتي العسكري مع الطيران الحربي الروسي، ما اعتبره بعض المراقبين أنه يقف وراء الغارة التي استهدفت الجولاني، وتلك التي استهدفت أكبر مستودع عتاد للنصرة، ومع ذلك يبقى السياق العام الذي يحدد التعامل مع الموقف التركي هو وضعه على المحك لإثبات مصداقيته اليوم في المفصل الأهم من تطبيق تفاهمات أستانة والذي سيترجم عملياً بالقضاء على النصرة".
مضيفاً أنه "من غير المؤكد عملياً ما إذا كانت التفاهمات الروسية - التركية قد اشتملت على التفاهم حول مصير عناصر النصرة النهائي وتعامل الجانب التركي معهم بعد إخراجهم من معاقلهم، ولكن من غير المؤكد بالمقابل أنها تتضمن الآليات الضرورية لمنع عناصر النصرة من تغيير عناوينهم الحركية والانضواء تحت لواء حركات "معتدلة"، والعمل المُطوّل الذي استمر لأشهر على موضوع الخرائط وباقي التفاصيل الميدانية يفترض أن يكون قد أخذ بعين الاعتبار هذا الجانب".
الغطاء الجوي الروسي للعملية العسكرية التركية في إدلب، ربما يوحي بأن دمشق وحلفاءها موافقون على هذه الخطوة، لكن الموقف الرسمي السوري أكد مسبقاً على لسان الدكتور بشار الجعفري أنّ أي دخول لقوات أجنبية بدون موافقة الحكومة السورية هو وجود غير شرعي ومن المؤكد أن الدولة السورية لن تمنح أي قوات تركية الموافقة الرسمية على تواجدها على الأرض السورية، حسبما تحدث دنورة لـ"العهد" الإخباري، وأضاف قائلاً أنه "من المؤكد أن الجيش العربي السوري سيبادر باستغلال أية نقطة ضعف لدى الإرهابيين للانقضاض عليهم وبالأخص على الجبهات القريبة من إدلب كريف حلب الغربي وجبهة شمال حماه، لكن مسألة التوقيت متروكة للاعتبار العملياتي وجاهزية الجيش وحلفائه لشنّ الهجمات من حيث العديد والقوى النارية ووضع الأفضلية الميدانية".
«أردوغان» قال يوم أمس أن تركيا مسؤولة عن حماية منطقة تخفيف التصعيد في إدلب من الداخل بينما روسيا ستحميها من الخارج، المنطقة منطقة سورية ودمشق أكدت مراراً أنها لن تقبل باقتطاع أو تقسيم جزء من أراضيها، وبالسيناريو المذكور تدور إشارات استفهام حول ضمانات عودة إدلب لكنف الدولة السورية، وهنا يوضّح دنورة قائلاً بأنّ "الطرف الروسي هو الضامن عملياً للموقف التركي والتعهدات التركية بالدرجة الأولى، وكذلك الطرف الإيراني كطرف ثانٍ، ولدمشق الثقة في كليهما، وبصورة عامة فإن قصم ظهر الإرهاب المتمثل بالقضاء شبه الناجز على "داعش" والقضاء المنتظر على "النصرة" هو الضمانة الحقيقية، فبدون التنظيمين تصبح سائر المجموعات المسلحة ظاهرةً هامشية عاجزة عن أن تكون رقماً في أية معادلة عسكرية وبالإجمال لايمكن أن تجد أي قوات نظامية العذر القانوني الدولي للتواجد على أرض دولة أخرى، في حين أن تواجد التنظيمات تحت الدولانية «الإرهابية» كان يُنظر إليه على أنه أمر خارج عن سيطرة أية دولة أو أنه جزء من حراك معارض".
وحول مرحلة ما بعد التخلص من الفكر التكفيري في إدلب، وتشكيل تحالفات لمواجهة خطر المشروع الانفصالي الكردي، قال دنورة أنّ "انتهاء صلاحيات الأدوات التكفيرية المذهبية للمشروع الأمريكي يجعل جنوحه نحو العنوان العرقي كبديل عن العنوان الطائفي (بهدف استمرار الفوضى والاستنزاف) أمراً متوقعاً وغير مستبعد، وبالتالي سيكون على شعوب المنطقة ودولها إفشال مؤامرة التقسيم التي لا تستثني أحدًا منها، وهذه الأزمة الناشئة حالياً في شمال العراق بحكم طبيعتها قد تكون العنوان المناسب لاستعادة التفاهمات الكفيلة بترميم منظومة الأمن الإقليمي أو إعادة إنتاجها بصورة جديدة تراعي عدم استخدام أي من الدول للورقة الكردية ضد جيرانها، ما سيعني عمليًّا تجنب نقطة ضعف وخلاف هامة لطالما أضرّت بمنظومة الأمن الإقليمي السابقة التي كانت تحمل في طياتها بذورًا مستترة للخلافات والصراع".