للتظاهر بالجنون ثمن
حسين شريعتمداري
1 ـ يذكر ان شخصا وقف في طابور المطحنة وبيده كيس حنطة وفيما هو ينتظر كان يأخذ من حنطة الاخرين ليملأ كيسه، فالتفت لفعلته صاحب المطحنة وصاح به ما الذي تفعله يا هذا؟ لماذا تمد يدك على حنطة الاخرين؟ فاجاب، الا تعلم باني مجنون؟ فجميع اهل القرية يعرفون حالي.
فرد عليه الطحان: ان كنت مجنونا فلماذا لا تاخذ من كيسك وتسكب في كيس الغير؟!
منذ نوفمبر 2016 وانتخاب ترامب رئيسا والى اليوم، يصر تيارا مبهما في اميركا واوروبا، ليشيعوا جنون ترامب وانه وصل لسدة الحكم بشكل غير متوقع! وتبعا لهذا التيار المبهم هنالك من ينفخ داخل البلاد من هذا البوق بين الفينة والاخرى، بان الرئيس الاميركي رجل سياسة مختل العقل وخطر لايمكن توقع ما يفعله ولذا ينبغي الحذر من تحديه ومواجهته،اذ لا يلتزم هذا الرجل بالاعراف الدبلوماسية، وفي اي لحظة يمكن ان يقدم على فعل خطر ويتخذ قرارا كارثيا ضد بلدنا!
2 ـ فهل ترامب هو هكذا كما يزعم بعض المسؤولين في اميركا واوروبا وتيار سياسي في الداخل، بانه مجنون؟ ام هي لعبة؟ فلنقرأ!
الف: قبل اسبوعين افاد موقع "آكسيوس" الاخباري الاميركي نقلا عن اجتماع في البيت الابيض حضره مسؤولون اميركان رفيعو المستوى، ومن بين الحضور؛ وزير الدفاع "جيمز ماتيس "، ووزير الزراعة "ساني برود"، ووزير الخارجية "تيلرسون"، و"روبرت لايتيزر" ممثل اميركا التجاري. وان موضوع الاجتماع هو بقاء اميركا ام خروجها من الاتفاق التجاري مع كوريا الجنوبية. وخلال الاجتماع اوعز ترامب للممثل التجاري الاميركي، لاخذ مكاسب من كوريا الجنوبية لديك ثلاثين يوما، وفي غير ذلك سنحل هذا الاتفاق معهم. فقال لا يتيزر مؤيدا "جيد جيدا ساخبر الكوريين بان لديكم ثلاثين يوما فقط". وحسب تقرير اكسيوس" فان ترامب يقاطعه ليقول: "كلا كلا لا ينبغي ان تفاوضهم بهذا الشكل! لا تقل ثلاثين يوما نمهلكم. عليك ان تقول لهم ان ـ ترامب ـ مجنون وفي اي لحظة يمكن ان يخرج من الاتفاق"!
باء: لم ينزل ترامب العام المنصرم من السماء مع البرد، لنعتبره استثناء في تاريخ الدبلوماسية الاميركية! فهو رشح من اختبارات متعددة للحزب الجمهوري الاميركي. ففي هذه الاختبارات يرشح عشرة اشخاص لينتخب منهم البعض ليعبروا المرحلة الثانية لتطوى المرحلة التي بعدها وبالتالي وبعد تمحيص داخل الحزب يعتلي احدهم كمرشح للحزب.
فدونالد ترامب قد وصل الى منصب مرشح الحزب الجمهوري خلال مراحل. من هنا فمن السذاجة بمكان ان نتصور تمكن مجنون عبور هذه الفلترات للحزب، ليشخص كمرشح نهائي. والملفت ان بعض المسؤولين رفيعي المستوى في الحزب الجمهوري ممن كان لهم دور في صعود ترامب يلقبونه بالمختل. لماذا ؟!
جيم: وبالتالي فان من يسمون ترامب مجنونا وينصحون بالتصالح معه بسبب جنونه، عليهم ان يجيبوا على هذا التساؤل، بان اي من الاجراءات لاشهر مضت قام بها ترامب من خلال موقع الرئاسة كانت بضرر اميركا، ولم تكن من نوع اخذ الاتاوات من الاخرين؟!
فان كان مجنونا فعلى الاقل كان يصدر قرارا واحدا في ضرر اميركا. وقد ذكرت ادلة كثيرة اكتفينا بالاشارة لنماذج منها، تثبت ان ادعاء جنون ترامب خدعة لايجاد الرعب عند الاطراف المواجهة لاميركا، وكما كشفت "آكسيوس" انه بهدف جر مكاسب من الاخرين وضعت هذه الحيلة! ولكن لماذا؟ وان هذه الخدعة كيف تلتقي مع مصالح بلدنا؟
3 ـ ان التيار السياسي المشار اليه في الداخل والذي يصر هذه الايام على اعتبار ترامب مجنونا مواكبة لاميركا واوروبا، هو نفس التيار الذي اخاف الشعب من "شبح الحرب"، وعندما يسألون انه لماذا بعد كل هذا الثناء والاطراء على خطة العمل المشترك والمكاسب التي الصقتم بها، تعودون صفر اليدين من هذا السجال، يجيبون بان خطة العمل المشترك قد رفعت "شبح الحرب" عن سماء الشعب! اي انه اذا قدمنا امتيازات وفيرة وفي المقابل حصلنا على وعود آجلة، لم يكن لنا خيار آخر، اذ ابعدنا شبح الحرب عن ايران!
واليوم نعيش هذا القلق، بان لايكون التيار المذكور وبالنفخ في بوق جنوب ترامب او التصديق بادعاءات الخصم بخصوص جنونه، يمهد لارضية تراخ آخر كما شهدنا في خطة العمل المشترك، وعن طريق تبرير واه وهو جنون الجانب المقابل، وبذلك نقدم تنازلات وندفع اتاوات لاميركا، وفي كلمة واحدة، انه بذريعة "جنون ترامب"!
ان نعرض الشعب لخسارة وكارثة كبيرة كما عرضناه بذريعة "شبح الحرب". فالاحتمال المذكور وبالنظر لبعض السجالات المنفعلة للحكومة قبال اتاوات اميركا، تشتد قوته بحيث توهم الخصم ان الحكومة لا تبدي قبال الضغوط الاميركية، ردا مناسبا، وحسب "الداد باردو" خبير الشأن الايراني في جامعة اورشليم: "ان ما يميز ترامب هو الرؤية التي ينظر فيها الايرانيون لترامب بانه شخصا لايمكن توقع افعاله. انهم (المسؤولون الايرانيون) ليسوا ساسة غير منطقيين، وسيخضعون لترامب خوفا من شنه الحروب".
الا ان الاهمية الستراتيجية للموقف الذي اعرب عنه "اللواء جعفري" القائد العام لحرس الثورة الاسلامية مؤخرا، يمكن ادراكها من خلال هذه النقطة بالذات.
4 ـ فقبل يومين حذر اللواء جعفري القائد العام لقوات حرس الثورة الاسلامية، حذر اميركا انه اذا ادرجت حرس الثورة الاسلامية في قائمة المجاميع الارهابية فان الحرس سيعتبر الجيش الاميركي جماعة ارهابية بالضبط كما هي عصابات داعش.
ان اميركا تعلم جيدا ان من يواجهها في ايران الاسلامية ليست الحكومة الحالية، بل هي جبهة الحرس الثوري الاسلامي وبالطبع هو سيواجه الجيش المجهز للجمهورية الاسلامية الايرانية، واذا ما ارتكب اي حماقة فعليه دفع ضريبتها الباهظة وهو ما لا تتحمله اميركا. فهي تمتلك حاليا خمسين قاعدة عسكرية في المنطقة واكثر من خمسين الف من القوات المسلحة في هذه القواعد، يقبعون في الجوار، بحيث اذا اقدمت على حماقة ما، فانه عليها نقل قواعدها الاقليمية الى ابعد من مدى الصواريخ الايرانية البالغ الفي كيلومتر، وكما نعتبر ارهابيي داعش مستحقون للعقاب، فانه في حال ادراج حرس الثورة الاسلامية على قائمة الارهاب، فلا نفرق حينها بين الجيش الاميركي وارهابيي داعش. كما وسنعاقب حلفاء اميركا الستراتيجيين في المنطقة الذين يمثلون الخط المساند للجيش الاميركي.
وعلى ترامب ان يدفع ضريبة التظاهر بالجنون وهو يعلم جيدا وقد جرب ذلك مرارا بان الحرس الثوري لا يطلق تهديداته جزافا، وهو متمسك بتعهداته وبشكل عام انه من غير المنطقي حين يكون الجيش الاميركي بديلا عن عصابات داعش ان يكون في مأمن من العقاب الصارم كما حل بداعش.