لقاء «مخيّب» في بيت الوسط: العداء لحزب الله لم يعد يجدي انتخابياً
ابراهيم ناصرالدين
قد يكون السبب الرئيسي في تراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن تقديم موعد الانتخابات التشريعية، ان طرحه لم يكن في الاصل جديا، فهو اقترحه لقطع الطريق امام اي محاولات من قبل التيار الوطني الحر لتعديل قانون الانتخابات، فكان هذا الطرح بمثابة «سيف مسلط» لمواجهة احتمال مماثل..ومن جهة أخرى شكل طرحه «رسالة» واضحة الى الرئيس سعد الحريري بان الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات هو السقف المتاح له لاعادة ترتيب بيته الداخلي لخوض انتخابات ناجحة، خصوصا انه لم يعد خافيا على احد ان التمديد الاخير فصل على قياسه، ولهذا كانت «رسالة» بري واضحة لكلا الطرفين لا «للتعديل» ولا «لتمديد» جديد، واي كلام آخر يعني الذهاب الى انتخابات مبكرة وعندها ليتحمل كل طرف مسؤولية خياراته...الان وبعد ان انتفت الحاجة لهذا الاقتراح يتم تدريجيا سحبه من التداول، وبدأت التحضيرات الجدية لخوض غمار الانتخابات ..
اوساط نيابية «وسطية» لها تواصل مع مختلف الكتل البرلمانية، تحدثت امام دائرة ضيقة من «الاصدقاء» عن مرحلة ما بعد القضاء على الارهاب في الجرود، واشارت الى ان مختلف الاطراف السياسية بدأت فعليا مرحلة التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، واكدت ان «التعثر» في قانون الضرائب «والتجميد» المؤقت لسلسلة الرتب والرواتب، لم يؤثر على انطلاق «ورشة» العمل المضنية لدى الاحزاب الرئيسية التي تعمل جاهدة لتكوين فريق تقني لادارة الاستحقاق وفق قانون انتخابات معقد يستلزم حسابات دقيقة تتعقد معها التحالفات، وتركيب اللوائح، وتوزيع اسماء المرشحين، وسط «صداع» بدأت معالمه بالظهور لدى الجميع، باستثناء «الثنائي الشيعي» الذي يبدو اكثر الافرقاء ارتياحا لقانون الانتخابات، حيث اظهرت الحسابات الاولية ان «الخصوم» في اكثر من منطقة غير قادرين على تجاوز «الحاصل الانتخابي»..
في المقابل، ارتاح «معسكر» الحزب الاشتراكي بعد انتهاء مرحلة «الجفاء» السياسي مع الرئيس سعد الحريري، وبات النائب جنبلاط مرتاح لحصته النيابية في المجلس الجديد. في المقابل لا يبدو «الثنائي المسيحي» في افضل احواله في ظل الشكوك المتعاظمة بين رئيس القوات سمير جعجع والوزير جبران باسيل، في ظل تعثر الوصول الى مقاربة واحدة حيال ادارة الاستحقاق الانتخابي، وقد ترجم ذلك عمليا في عدم حسم لمناطق الالتقاء او «الفراق» انتخابيا حتى الان، في ظل تزاحم «غير صحي» على ترشيح اكثر من شخصية على مقعد واحد في مناطق «حساسة» للطرفين، وهذا يشير الى ان الازمة مفتوحة على «صراع» مرير في اكثر من منطقة..
وبحسب تقييم تلك الاوساط، فان رحلة «التيه في صحراء» الازمات لن تنتهي قريبا في تيار المستقبل، فالازمة لا تزال عميقة، والاجتماع الاخير الذي ترأسه الرئيس الحريري مع مستشاريه بحضور رؤساء المنسقيات الرئيسية في «التيار» لم يصل الى تحديد استراتيجية واضحة لخوض الانتخابات، وسط هشاشة واضحة في «الجسم التنظيمي»، وخلافات بدأت تطفو على السطح بين الحريري وعدد كبير ووازن في «التيار الازرق» بات يعرف بمجموعة «العشرين»...فيما يواجه «التيار» تكتلا سنيا معارضا يستخدم شعارات يستخدمها من هم «داخل المنزل»...
ووفقا لخلاصات هذا اللقاء، فان المزايدة في اظهار «العداء» لحزب الله لم تعد تملك فرصا كبيرة ل «جذب الجمهور»، فهذا الشعار المشترك بين تيار المستقبل وخصومه على الساحة السنية، لا «يزحزح» القاعدة الشعبية لكلا الطرفين، لا زيادة ولا نقصان.. وفي التوصيات التي رفعت للحريري جرى طمأنته ان هذا الشعار بات مستهلكا وغير مفيد لخصومه في المعركة الانتخابية، لان كل الاطرف عاشت تجربة الحكم، ولم تستطع تجاوز واقع «فائض القوة» لدى الحزب، ولم يكن ادائها افضل من اداء الحريري في الحكومة، بل ربما كان هو اكثر واقعية وشفافية من الاخرين عندما تحدث عن استراتيجية «ربط النزاع» مع الحزب بما تتضمنه من واقعية سياسية لا يستطيع هو او غيره تجاوزها لحفظ الاستقرار الداخلي في البلاد..
ولتأكيد صوابية هذا الاستنتاج، اشارت تلك الاوساط الى ان كافة «خصوم « الحزب لم يتمكنوا في الاستثمار في التحريض على الحزب عندما خاض معركة الجرود الاخيرة..وهكذا انتهت المعركة، وكل من جرى استخدامهم سابقا في «لعبة» التحريض المذهبي ملاحقون من قبل الاجهزة الامنية...وابلغ الادلة الواضحة على انتفاء فعالية التحريض، الاعتراضات التي صدرت مؤخرا في بيان كتلة المستقبل، واللقاء الصيداوي التشاوري، حيال الاحكام الخاصة بملف عبرا، فهي كانت مجرد كلمات انشائية لم تؤثر في الشارع الذي كان يدرك مسبقا ان ظاهرة احمد الاسير انتهت، وان تيار المستقبل اول الذين «غسلوا ايديهم» من هذا الملف «الورطة»...
وفي هذا السياق، تتحدث اوساط المستقبل عن تفاهم حصل في اللقاء الاخير بين الرئيس نجيب ميقاتي واللواء اشرف ريفي، على عناوين عريضة لادارة الصراع مع الحريري في الانتخابات المقبلة، احد ابرز تلك الشعارات سيكون الاجحاف في انماء مناطق السنة، اما الشعار الاخر فهو اضعاف موقع الرئاسة الثالثة.. وهذه التهمة «تحاصر» الرئيس الحريري المتهم ضمن فريقه السياسي قبل «خصومه» السنة، بانه يفرط بالنضال التاريخي للقيادات السنية، التي توجت مع والده بالقضاء على هيمنة المارونية السياسية المطلقة على مركز القرار في الدولة اللبنانية، وهو اليوم بتحالفه «الهجين» مع التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، يكاد يفرغ اتفاق الطائف من مضمونه، وهو يقضي بذلك على «الحريرية السياسية».. فرئيس الحكومة متهم ايضا بالفشل بربط نجاح الرئيس المسيحي باستمرار الشراكة الكاملة مع السُنّة، ما جعل الرئيس ميشال عون اكثر تمسكا بحلفه مع حزب الله لادراكه ان ما يوفره له الحزب من «غطاء» سياسي لا يستطيع الرئيس الحريري تأمينه..وهذا يوحّد كافة القيادات والمرجعيات والفعاليات السنية في وجهه لمحاولة الغاء حصرية تيار المستقبل لتمثيل السنة في الدولة، وهو امر يحظى «بآذان صاغية» في السعودية..
وامام هذه المعضلة، لم تتوصل قيادة تيار المستقبل الى «شعار» جدي تخوض غمار الانتخابات النيابية من خلاله، فمعاداة النظام السوري لا تبدو كافية لاستعادة «البريق» وخصومه يزايدون عليه في هذا الشعار، كما يدرك الرئيس الحريري ان التمسك بهذا العنوان مستحيل امام تسارع التطورات الاقليمية... ثمة شعور عارم يغزيه خصومه لدى السُنّة بانه يسبب لهم خسائر كبيرة وجعلهم مستهدفون بدورهم وموقعهم..» الحريرية السياسية» تعاني بعد» سقوط» المشروع الاقليمي، في ظل الفشل في ردم الفجوة الضخمة التي خلفها غياب الرئيس رفيق الحريري، الحالة التنظيمية «الهشة» لتيار المستقبل في ظل الفشل في تأطير منظم للبيئة السنية الحاضنة له، كلها مؤشرات سلبية تزيد من الضغوط على الرئيس الحريري، والخشية اليوم ان لا تسعفه المدة المتبقية له في رئاسة الحكومة قبل موعد الانتخابات، في استثمار وجوده على راس السلطة التنفيذية لارضاء شريحة واسعة تشعر «بالغضب» بسبب ما تعتبره تخليا مجحفا عنها من قبل «التيار الازرق»...البحث عن «شعار» جذاب مستمر، فريق رئيس الحكومة «مستنفر»، والنتائج حتى الان مخيبة للامال...بانتظار الاجتماع الثاني قريبا...