ما هي التحديات التي ستواجهها الحكومة العراقية بعد تحرير الحويجة؟
شارل أبي نادر
مع نجاحها بشكل لافت في المناورة الهجومية لتحرير منطقة الحويجة العراقية -مركز القضاء وبلداته- من تنظيم "داعش" الإرهابي، تنهي الوحدات العسكرية والأمنية وقوات "الحشد الشعبي" المراحل الأخيرة من العملية، ما يعني الإقتراب من طرد التنظيم الإرهابي من آخر بقعة كان يسيطر عليها في شمال وشرق العراق، في وقت ما زال يحتفظ بتواجد "مهم" غرب الأنبار حتى الحدود مع سوريا.
ويكتسب تحرير الحويجة أهميته الإستراتيجية والميدانية من عدة عوامل؛ فهذه المنطقة كانت من أكثر نقاط ارتكاز "داعش" قدرة على التأثير في محيطها، خصوصاً في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى. ومن هذه المنطقة نفّذ التنظيم الإرهابي سابقاً عشرات عمليات المهاجمة والاغارة على طريق بغداد - الموصل في الشرقاط والقيارة، كما وكانت جمال مكحول وتلال حمرين المرتبطة جغرافياً مع الحويجة، قواعد انطلاق للكثير من عمليات "داعش" الميدانية والارهابية.
تحرير الحويجة
لكن وبالرغم من الأهمية الاستراتيحية لهذا التحرير، فإنّ هناك الكثير من التحديات الحساسة ستواجهها الحكومة العراقية والتي يمكن تحديد أهمها بما يلي:
سابقاً، وقبل تحرير الحويجة، يمكن القول إنّ وجود "داعش" كان يؤخّر التصادم السياسي والعسكري ربما، بين "البيشمركة" أو حكومة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني من جهة، وبين الحكومة العراقية والجيش و"الحشد الشعبي" من جهة أخرى. الحويجة كانت تحتضن أو تجاور قسماً مهماً من المناطق المتنازع عليها في كركوك وطوزخورماتو وغيرها، وكان وجود الخطر المشترك من "داعش" على الطرفين يُبعد هذا الصدام، المرشّح للإنطلاق الآن بعد التحرير وزوال هذا الخطر، سيما وأن تداعيات الاستفتاء الكردي حول الانفصال تتطور وتتصاعد بشكل دراماتيكي، ولا يبدو أنّ المشكلة ستكون تحت السيطرة، الأمر الذي يترافق مع تهديدات مشتركة من الطرفين باللجوء الى القوة لانتزاع السلطة على تلك المناطق، وطبعاً، مع الاجراءات العسكرية المشتركة من خارج الحدود بين ايران والعراق، والتي تقوم بها تركيا أيضا من جهة شمال وشمال غرب العراق.
من هنا، سوف تجد الحكومة العراقية نفسها، وفي ظل هذا التحدي الواضح من البارزاني، مُجبرة على اتخاذ اجراءات عسكرية وادارية تحفظ وحدة العراق وسيادته، مع الدعم الوقح للبارزاني ومشروعه التقسيمي من قبل "اسرائيل" في هذا الصراع العراقي الداخلي، وهذا ما يمكن اعتباره من التحديات الحساسة والداهمة التي ستواجهها بغداد.
المعركة الواسعة ضد "داعش"
لا شك أن تحرير الحويجة، وما قدمه للدولة العراقية من جيش وأجهزة أمنية و"حشد شعبي" ميدانياً وعسكرياً، سوف يشكل حافزاً معنوياً يدفعهم الى استكمال تحرير ما تبقى من نقاط تتواجد فيها "داعش" في العراق حتى الحدود مع سوريا، سيما وأنهم الآن قد امتلكوا قواعد انطلاق واسعة، تؤمن لهم نحو الغرب مهاجمة آمنة ومحمية من الخلف بالكامل، بعد أن تحررت جميع المناطق الشمالية والشرقية.
هذا بالمبدأ لناحية القرار الثابت باستكمال تحرير العراق من "داعش"، ولكن يبقى هناك الكثير من المعوقات الدبلوماسية والسياسية والميدانية التي ستواجه الحكومة العراقية في المعركة المرتقبة غرب الانبار وهي:
- لن يكون الأميركيون مختلفين في النظرة لتقدم الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" غرباً نحو الحدود مع سوريا، عن نظرتهم لتقدم الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة شرقاً نحو هذه الحدود، وطبعاً ستكون معارضتهم عنيفة لاكتمال ارتباط العراق مع سوريا ميدانياً وجغرافياً، وبالتالي، لاستكمال ارتباط محور المقاومة بين لبنان وإيران، وكما اضطر الأميركيون الى التدخل العسكري مباشرة بوحداتهم الجوية والمخابراتية الاستعلامية في سوريا، قد لن يتوانوا عن ذلك في العراق، خاصة وأنهم لن يتخلوا عن مخططهم بتفتيت أو إضعاف كل من سوريا والعراق.
- من جهة أخرى، وحيث تبقى مساحة انتشار "داعش" الأخيرة، والتي تجمع غرب الأنبار في العراق مع شرق دير الزور ومحيطها في سوريا، البقعة المرشحة لأن تكون قاعدة هذا التفتيت والإضعاف لكل من سوريا والعراق حسب الفكرة الأميركية، يمكن فهم واستنتناج استشراس الأميركيين في تثبيت وتوسيع وحماية قواعدهم الجوية التي تحضن هذه المنطقة، في التنف والشدادي والرميلان في سوريا، وفي عين الأسد والحبانية غرب الأنبار في العراق، وفي أكثر من قاعدة شمال شرق الأردن.
وأخيراً .. من هنا تأتي حساسية التحديات التي تنتظر الحكومة العراقية بعد تحريرها الحويجة، وحيث لا يقل كل من التحديين الكردي أو الأميركي عن بعضهما في مواجهة هذه الحكومة، والتي خرجت طبعاً معالجتها للتحديات عن القدرة المحلية لتصبح إقليمية ودولية بامتياز، يبقى العمل بهدوء وحكمة ضروري في الملف الكردي بعيداً عن منطق التهديد والتصعيد العسكري، ويبقى التنسيق وتفعيله أكثر مع محور المقاومة في ايران وسوريا ولبنان حاجة ملحة لمواجهة المخطط أو المشروع الأميركي، والتي قد تكون هذه المعركة المشتركة الرابحة بإذن الله في مواجهة "داعش" على الحدود بين سوريا والعراق آخر فصول الهزيمة الأميركية الارهابية في الشرق.