kayhan.ir

رمز الخبر: 64274
تأريخ النشر : 2017October03 - 21:09

حلف ابن سلمان ـ ترامب: الديمقراطية الغائبة والعلمنة القادمة


لطيفة الحسيني

مخطئٌ من يظنّ أن السعودية تتجّه الى الإنفتاح والديمقراطية. لا مكان في دولة "آل سعود" للعدالة السياسية أو الاجتماعية.. كلّ ما يحصل منذ وصول محمد بن سلمان الى الحكم بدءًا من تولّيه منصب وليّ وليّ العهد، ثمّ ولاية العهد رسميًا بعد عزل محمد بن نايف يصبّ في خانة واحدة: الاستفراد بالسلطة السياسية والإقتصادية والدينية والإجتماعية بضوء أخضر غربي وأمريكي على وجه التحديد.

العارفون بسياسة المملكة يُدركون جيّدًا أن ليس من "شيمها" الرضوخ للمطالب الشعبية. التهليل العارم للمرسوم الملكي القاضي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة نابعٌ عن تحليل سياسي سطحي، فالقرار لا يعكس تحوّلًا في النظرة السعودية تجاه المرأة وحقوقها، بل يأتي تلبية للنصائح الغربية المقدّمة الى ابن سلمان لتعزيز نفوذه قُبيل تسلّمه العرش.

المعلومات المسرّبة تتحدّث عن أن وليّ العهد قرّر المضيّ بخيار الاستفراد بالحكم ضمن خطّة مُمنهجة لا تعيقها الإنتقادات الدولية، ولذلك أطلق حملة اعتقالات ضخمة مرجّحة بشكل كبير للاتّساع ضدّ فئات مختلفة، لتطال المزيد من علماء الدين والمثقفين والأكاديميين والقضاة ورجال الأعمال الذين من شأنهم عرقلة مسار التغيير الخاص بمحمد بن سلمان ضمن رؤية 2030 التي روّج لها في منابره الإعلامية.

كلّ ما يخدم خطّة محمد بن سلمان للاستئثار بالحكم سيُتّخذ، دون أية مبالاة لصورة المملكة أمام المجتمع الدولي.. لا تحرص الرياض في الأصل على تلميع صورتها الحقوقية أو الديمقراطية.. يهمّها فقط الوصول الى أهدافها مهما كلّف الثمن، ولذلك شهدت منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في كانون الثاني/يناير 2015 إجراءات متتالية لا تعني سوى شيئًا واحدًا: احتكار السلطة بيد أبناء وحاشية سلمان بن عبد العزيز.

وعليه، مهّد الملك الطريق أمام نجله لتسلّم الحكم، أقصى الكثير وأعفى العشرات من مناصبهم، بينهم وزراء ومدراء هيئات عامة، أقال رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري الذي كان ركنًا أساسيًا من أركان سياسة السعودية، ورئيس الاستخبارات السابق بندر بن سلطان على الرغم من علاقاته القوية مع الحليف الأمريكي، ثمّ دمج ديوان وليّ العهد مع الديوان الملكي، وأصدر مراسيم ترقية بحقّ عدد كبير من القضاء المحسوبين عليه، عزل كلّ حاشية محمد بن نايف قبل الإطاحة بالأخير وإنهاء نفوذه داخليًا ولاسيّما في المؤسسات الرسمية، أدخل تبديلات في مناصب حسّاسة في أجهزة الاستخبارات والأمن الداخلي والنفط، عيّن ابنه خالد سفيرًا في الولايات المتحدة، نصّب مقرّبًا منه في رئاسة الحرس الملكي، وأنشأ جهازًا أمنيًا جديدًا يتبع رئاسة مجلس الوزراء الذي يتولّاها هو.

كلّ التسريبات التي تتسلّل من دوائر صنع القرار في المملكة تتحدّث عن أن تولّي محمد بن سلمان العرش بات وشيكًا، ولذلك ستتسارع الترتيبات التي تسهّل عليه الحكم، ولعلّ أبرزها تقليص نفوذ الهيئة الدينية في المملكة على الرغم من إعلان هيئة كبار العلماء مؤخرًا التزامها بكلّ ما يصدر عن "وليّ الأمر"، وهنا يبرز الاقتراح المقدّم الى مجلس الشورى الرامي الى تغيير طبيعة المهمّات التي تقوم بها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، الذي يشير الى توجّه جديّ نحو علمنة الدولة على غرار النموذج الإماراتي.

مواجهة المؤسسة الدينية وخصوصًا آل الشيخ المُمسكين بها على مدى عقود بدت أكثر وضوحًا في "اليوم الوطني" السعودي، عندما بُثّت مشاهد الاحتفالات التي تخلّلها موسيقى ورقص مختلط، في مخالفة للفتاوى التي كرّسوها.

ما يُقدم عليه محمد بن سلمان يُظهر نيّته الحقيقية في اعتماد تجربة السلطة الإماراتية، وهو ما أكدته التسريبات الصحافية الدولية. ولا بدّ من التوقّف عند المقارنة التي أجراها الكاتب الأمريكي الخبير في الشؤون الخليجية سايمون هندرسون بين محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والذي يصف العلاقة المتعاظمة بينهما في الأزمة الأخيرة بـ"الأستاذية"، ويقول "ابن زايد ينظر لابن سلمان باعتباره تلميذًا معجبًا به وبتدرجه في السلطة ويرى فيه النموذج الممكن والقابل للتحقيق".

وبصفته نائب الملك ووزير الدفاع، يُمعن ابن سلمان بالتفرّد بقرار الحرب داخليًا وخارجيًا، يُصرّ على تحجيم قطر وإخضاعها للمملكة، مُكملًا حصارها ومقاطعتها، يتمسّك بالعدوان على اليمن غير آبه بالإدانات الإنسانية التي لا تتوقّف بحقّ الرياض، فيما يستمرّ في تصعيده الطائفي ضدّ أتباع أهل البيت (ع) في المنطقة الشرقية من المملكة، موعزًا الى محاكمه بتشديد الأحكام بحقّ المعتقلين السياسيين والمُعارضين والناشطين السلميين من السجن مددٍ طويلة وصولًا الى القتل تعزيرًا، وفي الوقت نفسه مُطبقًا على حياتهم في أحيائهم السكنية والتاريخية في القطيف.

في الأيام الماضية، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن السعودية الجديدة التي وعد بها ولي العهد الحالي لا تزال تشبه الزنزانة ويُهيمن عليها الفكر القديم ولا تزال حبيسة العصور الغابرة".. تقييمٌ للوضع القائم في السعودية مهما حاول ابن سلمان إسقاط صفات الحضارية على خطواته هذا في حال كان يهتمّ لذلك.

كرة ثلج التعاون والتنسيق بين ابن سلمان وترامب في سياق الخدمات المتبادلة مستمرّة بالتدحرج، أموال الأول مقابل نصائح الثاني وصهره، ولن يكون مستغربًا أن نسمع بقرارات "أكثر جرأة" في الأيام المقبلة..