kayhan.ir

رمز الخبر: 64270
تأريخ النشر : 2017October03 - 21:09

التسوية قادمة: ’اسرائيل’ خائفة والمقاومة حاضرة


سركيس ابو زيد

دخلت المنطقة "مرحلة انتقالية" ومشهد إقليمي جديد يتبلور تباعا.. سوريا والعراق دخلا في"مرحلة ما بعد داعش"، هذه المرحلة في سوريا عنوانها "التسوية الكبرى على مراحل"، وعنوانها في العراق "إعادة تركيز الحكم المركزي والتوازنات السياسية والطائفية" في ظل مسألتين أولويتين:

1. مستقبل الأكراد الذي يشكل العنوان الأبرز لمرحلة ما بعد "داعش" في العراق وفي سوريا أيضا.

2. المسألة الثانية مستقبل أو مصير الحشد الشعبي الذي بات جيشا موازيا للجيش العراقي الوطني، وبات تأثيره في المعادلة الداخلية واضحا.

أما سوريا فهي في وضع انتقالي من نهاية الحرب الى بداية التسوية، وهذه التسوية تأخذ في الاعتبار الأوضاع على الأرض وواقع أن النظام السوري مع حلفائه هو الرابح وأن المعارضة في حال تشتت وتفكك، ومعارك النظام باتت مع الإرهاب.

وتبيّن أن الإمساك الروسي-الإيراني بالملف السوري ليس سببه فقط التقدم الميداني على الأرض، وإنما أيضا التراجع الحاصل في السياسة الأميركية بعدما وصل ترامب الى النقطة التي كان فيها الرئيس السابق باراك أوباما: أولوية الحرب على "داعش" وتجاهل الرئيس الأسد، والتنسيق مع روسيا وعدم الاصطدام بإيران في سوريا.

فالولايات المتحدة والدول الأوروبية سلمت الملف السوري الى روسيا وقد تجاوزت كليا مسألة مصير الرئيس بشار الأسد وتخلت عن المطالبة برحيله كشرط مسبق للحل السياسي، ويبدو أنها سلمت ببقاء الرئيس الأسد حتى العام 2020، وهذا التحول حصل أيضا في السياسة التركية تجاه سوريا، وسيحصل قريبا في السياسة السعودية..

التسوية التي انطلقت شرارتها الأولى من "مناطق خفض التصعيد" ستكون خاضعة لمبدأ المقايضة والتبادل: إيران تعطي في جنوب سوريا لتأخذ في شرق سوريا، وتركيا تعطي في"ملف إدلب" لتأخذ في الملف الكردي، وهكذا ومع تقدم عملية التسوية واتضاح معالمها يفتح في موازاتها ملف إعادة إعمار سوريا ليكون جاهزا للتنفيذ بعد عامين.

تركيا وجدت في العلاقة مع روسيا سلَّم الانقاذ، لذلك قايضت حلب باكراً وهي تدرك تماماً أن حلب كانت المفصل الحاسم في مستقبل سوريا والمعارضة فيها.. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين روّض نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتمكن من إخضاعه للتخلي الجزئي عن رعايته لمشروع "الإخوان المسلمين"، وأردوغان رضخ أقله تكتيكياً ومرحلياً، فهو وجد في علاقته مع روسيا أهم سلاح له مع أوروبا الرافضة لانتمائه إليها والتي تكاد تكون نادمة على القبول بعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لولا كونها براغماتية تنظر إلى موازين الفوائد والخسارة.

والآن، حصلت تركيا على تواجدها عسكرياً شمال سوريا الى أجلٍ غير مسمّى بموافقة روسية-أميركية، وحالياً، ترعى روسيا توازنا ميدانيا بين القوى الاقليمية المجاورة، إذ تتمتع تركيا بسيطرتها في الشمال السوري بينما إيران لها وجود مميز جنوب العاصمة السورية بما يضمن لها المشاركة في التسوية السياسية القادمة الممر الضروري في الاستراتيجية الإيرانية.

هذه التطورات على الحدود الجنوبية السورية تهمّ الأردن، فبحسب معلومات ديبلوماسية ترى أن:

- المهم للأردن ضمن أي واقع يتشكل على الحدود السورية معه، هو أن لا تؤدي تفاعلاته إلى المس بأمن الأردن.

- يتحفظ الأردن عن وجود انتشار عسكري لإيران مباشر أو غير مباشر قرب حدوده، وسيعتمد في معالجته قنوات اتّصالاته العربية والدولية.

- تعتبر عمّان أن وجود فرصة حاليا لفتح معابر حدودها البرية التجارية مع سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري عليها، هو أمر مفيد للبلدين.

أما الطرف الآخر المعني بمتغيّر عودة الحدود السورية (ناقص الحدود مع تركيا) إلى أيدي النظام، هو "إسرائيل"، التي حمل وفدها الأمني الرفيع المستوى مؤخراً إلى واشنطن تحفظه عن نتائج توقيع أميركا مع روسيا اتفاق خفض التوتر في جنوب غرب سوريا كونه يسمح لإيران وحزب لله بتنفيذ تموضع عسكري في المنطقة السورية الحدودية مع الجولان المحتل.

وبناء على ذلك يمكن ملاحظة ثلاثة مكوّنات رئيسية للبيئة التي يجب على "إسرائيل" التعامل معها: عالم غير مستقر، منظومة غير واضحة بين القوى العظمى، تراجعت فيها الولايات المتحدة عن دورها شرطيا عالميا، بينما تستخدم روسيا قوتها العسكرية لتعزيز المصالح بالقرب من حدودها، وفي الشرق الأوسط، من خلال كسر القواعد المألوفة، وتراكم الصين قوة اقتصادية، وتمتد عضلاتها في الفضاء المحيط بها، وتتجاهل تقريبا الولايات المتحدة. وشرق أوسط يمكن أن يتغير كل شيء فيه، ويمر بمراحل انتقالية عنيفة على نطاق تاريخي. في هذا الشرق الأوسط، إيران هي القوة النشطة، وفي الوقت نفسه، هي أيضا أكبر الفاعلين في أحداث السنوات الماضية.. لذلك، سيكون على "إسرائيل" حل المشاكل في المنطقة، من دون تدخل أميركي نشط، فالتهديدان الأكثر أهمية أمام الكيان الاسرائيلي وفق مراكز ابحاث يهودية يأتيان من مصدر واحد:

الأول: العداء الإيراني الشديد لـ "إسرائيل" خاصة اذا استملكت ايران القدرة النووية العسكرية.

والثاني قائم بالفعل: 120 ألف صاروخ وقذيفة يملكها حزب الله المدعوم من إيران وسوريا.

"إسرائيل" وسط هذا المشهد المتفلت، تبحث عن ضمانات مستقبلية لمصالحها الأمنية في أي تسوية لـ"مستقبل سوريا" والعراق، ولم تحصل عليها بالقدر المطلوب من واشنطن وموسكو حتى الآن.. ولذلك انطلقت في حملة تهويل وتهديد وتلعب عسكريا على حافة الهاوية لتحسين شروطها وممارسة ضغوط على روسيا وإيران لأخذ مصالحها ومطالبها في الاعتبار، ولكن الحرب الإسرائيلية مستبعدة في الوقت الحاضر واستراتيجية "إسرائيل" العسكرية تجاه حزب لله تبدو دفاعية أكثر منها هجومية.

باختصار دخلت المنطقة فعليا مرحلة "بداية نهاية الحرب"، فالمعارك الكبيرة انتهت أو تكاد، والتسويات ترسم خطوطها العريضة بتفاهمات روسية-أميركية ووفق مسار الأستانة وبإدارة المايسترو الروسي الذي يفتح خطوطا مع كل الجهات الإقليمية المؤثرة أو المعنية: إيران- تركيا- "إسرائيل" - الأردن - السعودية.

شرق أوسط تتقاسمه الدول الكبرى وأبناءه نائمون.. كالعادة، فمتى يصحون ويتداركوا أخطاء الماضي قبل أن يخسروا أوطانهم ولا يبقى لهم بعد التقسيمات سوى شبه وطن!! فعاليّة المقاومة تقرر.